المنافسة المحمومة التي احتدمت بين شركات انتاج الأسلحة والمعدات الدفاعية المشاركة في معرض الدفاع الدولي "إيدكس 95" الذي أقيم في الفترة من 19 - 23 آذار مارس الماضي في أبوپظبي أكدت على حقائق سياسية وعسكرية واقتصادية عدة يتصل بعضها بالدول المصنعة للسلاح وبعضها بالدول المستهلكة لها في منطقة الشرق الأوسط، التي لا تزال هي الأكثر استهلاكاً للمعدات العسكرية والدفاعية خصوصاً المجموعة العربية والخليجية منها بالذات وذلك للاعتبارات الآتية: 1 - وجود اسرائيل كمصدر خطر دائم خصوصاً وأنها تملك حسب تقرير أجهزة الاستخبارات الروسية أكثر من 200 رأس نووي وترفض بإصرار التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن العربي على الرغم من التوقيع على اتفاقية السلام العربي - الاسرائيلي التي لا تزال هي الأخرى تواجه الكثير من العقبات. 2 - التهديدات الايرانية المتكررة لبعض دول مجلس التعاون الخليجي ما يجعلها في حاجة متواصلة، الى تسليح مكثف بأحدث المعدات الدفاعية وأكثرها تطوراً لتعوض به النقص في عدد أفراد قواتها المسلحة. 3 - الصراعات العربية - العربية واحتمالات تفجرها في أي وقت سواء كانت بسبب الخلافات الحدودية أو غيرها، اضافة الى القلق من اعادة العراق بناء قواته المسلحة بمجرد رفع العقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة عليه. كل هذه العوامل وغيرها خلقت نوعاً من السباق على التسلح في المنطقة ما ساعد على انقاذ شركات صناعة الأسلحة في العالم من الانهيار، بعد ان قلصت كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا من موازناتها الدفاعية خلال السنوات القليلة الماضية التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة وتوقيع الاتفاقات الأوروبية للحد من التسلح فكان لا بد والحال كذلك ان تبادر شركات صناعة الأسلحة الى البحث عن أسواق واعدة في بعض المناطق التي تعاني من توترات سياسية وعسكرية، وتهافتت بالتالي على السوق الشرق أوسطية التي تقدر مشترياتها الدفاعية بما يعادل 60 الى 80 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة. مشاركة عالمية كبيرة وكان معرض الدفاع الدولي "ايدكس 95"، الذي أقيم في عاصمة خليجية اشتهرت بمكانتها المتميزة في التجارة العالمية وقدرتها على تنظيم أكبر المعارض، فرصة لهذه الشركات لعرض أحدث ما لديها من تقنيات عسكرية متطورة برية وبحرية وجوية، ومن هنا جاءت مشاركة 608 شركات ومؤسسات عسكرية من 43 دولة لتجعل من "ايدكس 95" أحد أكبر المعارض العسكرية في العالم الى جانب معارض الدفاع الأخرى، مثل يوروساتوري الفرنسي وفارنبره البريطاني وليما الماليزي وديفندوري اليوناني وأوسا الأميركي وسي إكس دي الهنغاري. وجاءت المشاركات في معرض "ايدكس 95" كبيرة ومتميزة خصوصاً أنها كانت في حضور عدد كبير من وزراء الدفاع وكبار المسؤولين العسكريين في الدول المصنعة والمصدرة للسلاح. وقد مُثلت بريطانيا وحدها في ايدكس بنحو 100شركة، وكانت بذلك أكبر المشاركين في المعرض حيث قدمت تشكيلة كاملة من المعدات والخدمات العسكرية بدءاً من ملابس الدفاع وأدوات التمويه والشراك الخداعية مثل حاجز الطيران إم كي ونظام إم كي 3 المضاد للصواريخ البحرية الى الفرقاطة "مونتروز" من طراز 23 والمدمرة ليفربول وطائرة عمودية، وأنظمة عاكسة للرادار، وسيارات عسكرية ومدفعية من طراز SP. Howitzer ملم وهي احدث مدفعية للجيش البريطاني، ونظم صواريخ للدفاع الجوي ذات المدى القصير والمتوسط وتُحمل على الكتف اضافة الى مروحيات بحرية وغيرها من الآليات الدفاعية المتنوعة. أما الولايات المتحدة الأميركية فقد مُثلت بحوالي 33 شركة عرضت عدداً كبيراً من القطع العسكرية منها نظام ADAST الصاروخي للدفاع الجوي، وطائرات هليكوبتر، وعربات مدرعة، وحاملة دبابات وناقلات جنود، وعربات تكتيكية زنة 2.5 - 5 طن، ومعدات ادارة المعارك بالكمبيوتر ومنتجات في مجال الصواريخ المضادة للدروع وأنظمة الدفاع الجوي. المنصة الفرنسية وعرضت المنصة الفرنسية وهي الثانية في الترتيب من حيث الضخامة في "ايدكس 95" الدبابة الشهيرة "لوكير" وصاروخ "كروتال" ونظم القيادة "سييج" ونظام الانذار "دابات إم - كا - د" ونظام الدفاع الجوي المتطور "آستر" ونموذج من الفرقاطة "هورايزون" التي ما زالت في مرحلة التطوير والتصميم المشتركة بين فرنساوايطالياوبريطانيا والتي من المقرر ان تدخل الخدمة في العام 2003 وستكون مجهزة بنظام "يوروسام" المضاد للصواريخ، كما عرضت جهازاً لتحديد المدى دون ان يؤذي العين اضافة الى النظارات الواقية المسماة "كلارا ان في جي" والصاروخ جو - أرض المسمى "آنج" وطائرات عمودية حربية من طراز "كوجار" و"بانثر". الجناح الروسي أما روسيا التي شاركت بنحو مئة مصنع للمعدات العسكرية المتطورة فعرضت 250 نموذجاً من المعدات والأسلحة منها مجموعة من المنظومات الصاروخية الدفاعية والطائرة "سوخوي - 25" ومحطة تشويش وعربة مشاة قتالية "ب. م. ب 30" والدبابة "تي 80 أو" ومدفع ذاتي الحركة "مستار إس" وناقلة جنود مدرعة "بي. كي 1 - 80" وجهاز لإلقاء القنابل وزوارق حربية اضافة الى منظومة دفاعية متكاملة لتدمير الدبابات، ومنظومة اطلاق صواريخ مزدوجة تطلق صاروخين في وقت واحد لاصابة هدفين مختلفين، وراجمات صواريخ "يوك - إم" وغيرها. الروس يؤكدون ان 50 في المئة من أسلحتهم التي عرضت في "ايدكس 95" تعرض للمرة الأولى خارج روسيا. ومن المواقف الطريفة في "ايدكس 95" حسبما قال المقدم علي الكعبي رئيس لجنة الفعاليات البرية، ان الروس طلبوا من مسؤولي المعرض منحهم الفرصة لتأكيد تحدي أسلحتهم لصاروخ باتريوت الأميركي المضاد للصواريخ، وقد رفضت لجنة المعرض ذلك لما كان سيترتب عليه من مخاطر عديدة على الرغم من ان فعاليات "ايدكس 95" كانت تشتمل على عروض حقيقية في ميدان الرماية بالذخيرة الحية في منطقة المقاطرة وكانت من أكثر فعاليات المعرض إثارة واستقطاباً للجمهور حيث قدمت الآليات العسكرية المتنوعة من أميركا وروسياوبريطانيا وبلجيكا وفرنسا وسويسرا عروضاً شيقة ومثيرة تواصلت ليلاً نهاراً باستعراض الدبابات والصواريخ والمدافع التي كانت تطلق قذائفها الى مدى يصل الى 45 كلم. أما العروض البحرية فقد تمت في ميناء زايد البحري وشاركت فيها 18 قطعة حربية ولوجستية تشمل فرقاطات ومدمرات وكاسحات ألغام وسفن إمدادات وغواصة واحدة شاركت بها كل من ايطالياوفرنساوبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وهولندا وكندا وجنوب افريقيا وروسيا وأوكرانيا. الأسلحة البحرية الخليجية ويؤكد المحللون العسكريون ان سوق الأسلحة البحرية يحظى باهتمام كبير من جانب الدول العربية والخليجية بالذات نظراً "لاطلالها على المسطحات المائية، فالمملكة العربية السعودية مثلاً تملك حسب ما جاء في "تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن الميزان العسكري 1994 - 1995" حوالي 12000 جندي في سلاح البحرية ينتشرون في قواعد عدة في كل من الرياض قيادة الأركان وجدة وينبع والجبيل والدمام ورأس الميثاب ورأس الغار ويمتلك هذا السلاح 8 فرقاطات و29 قطعة بحرية لدوريات السواحل وزوارق طوربيد و17 طراداً للدورية و6 كاسحات ألغام و4 قطع حربية برمائية وسفن إسناد ودعم. أما دولة الامارات العربية المتحدة فلديها حسب التقرير 2000 جندي في سلاح البحرية التي تنتشر قواعدها في أبو ظبي ودبي وعجمان ورأس الخيمة والشارقة وهي مزودة بنحو 3 طرادات و8 قوارب صواريخ و3 حوامات و6 طرادات للدورية. في حين تحتفظ البحرين بنحو 6000 جندي فقط في قواتها البحرية التي توجد في ميناء سلمان وتشتمل على طرادين و4 حوامات صواريخ و4 قوارب دورية و4 من قطع الاسناد والبرمائيات. ويبلغ عدد القوات البحرية الكويتية نحو 2500 جندي بما فيهم خفر السواحل ولديها 6 قوارب صواريخ و4 طرادات و55 قارباً مسلحاً. ولدى دولة قطر 800 جندي فقط في سلاح البحرية التي توجد قاعدتها في الدوحة ويتكون أسطولها العسكري البحري من 9 قوارب بحرية و3 طرادات مزودة بصواريخ أكزوسيت، و6 قوارب من طراز برازان و44 قارباً صغيراً للشرطة البحرية وبرمائيات ودفاعات بحرية. أما سلطنة عمان فتحتفظ بنحو 4300 جندي في البحرية التي تنتشر قواعدها في مناطق صيب، دام، أكريسون، وجزيرة غنام وعلوي ولديها 13 طراداً للدوريات الساحلية بعضها مزود بصواريخ و8 قوارب وقطعتان برمائيتان و3 طرادات. ويؤكد المحللون العسكريون أن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى بجدية الى بناء قواتها العسكرية البحرية كما هو الحال بالنسبة الى القطاعات البرية والجوية الأخرى وذلك انطلاقاً من ان الدور الرئيسي لأمن الخليج العربي يجب ان يكون نابعاً من قدراتها الذاتية، وان عليها ان تشكل قواتها على أساس توفير أكبر قدر من التسلح المتطور والحديث لتغطية النقص في العدد البشري وكذا توافر قدرة حركية عالية لهذه القوات سواء في مجالي التحرك الجوي أو البحري لأنه عندما تتوفر هذه الخاصية يصبح من السهل على هذه القوات الوصول الى مناطق التهديد. ويقول أحد المراقبين العسكريين ان دول الخليج بدأت فعلاً في تطوير قواتها البحرية حيث قررت السعودية تحديث فرقاطاتها الفرنسية التي كانت اشترتها أواسط الثمانينات بموجب برنامج الصواري - 1، وقررت تنفيذ مشروع الصواري - 2 فأوصت على فرقاطتين من طراز "لافاييت" الفرنسية، فيما جهزت عمان نفسها بسفينتي حراسة متطورتين من بريطانيا، بينما لا تزال الكويت تخطط لبناء بحرية قوية تناوب على أدوار الدفاع والهجوم. أما دولة الامارات العربية المتحدة التي تدخل في نزاع مع ايران حول جزيرتي طنب وأبو موسى التي احتلتها ايران بالقوة عام 1971 فإنها أعلنت في اطار فعاليات معرض الدفاع الدولي ايدكس 95 عن توقيع عقد قيمته 100 مليون درهم إماراتي مع شركة نيوبورت نيوز الأميركية لاعادة تأهيل ست قطع بحرية لقواتها المسلحة وعقد آخر مع شركة يوروكبتر الفرنسية بقيمة 235 مليون دولار لتزويد الامارات بسبع طائرات مروحية بحرية من طراز بانثر. وعموماً فان معرض "ايدكس 95" على رغم الطابع التجاري الذي اتسم به الا انه لفت الى الجوانب الاستراتيجية العسكرية والسياسية المتداخلة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي باعتبارها السوق المستهدفة من قبل مصنعي السلاح في العالم خصوصاً دول الخليج التي يؤكد المحللون العسكريون انها أنفقت أكثر من 40 بليون دولار على الأسلحة خلال الخمس سنوات الماضية. فالكويت مثلاً ترتبط باتفاقات دفاعية مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسياوبريطانياوفرنسا يتم بموجبها شراء أسلحة من هذه الدول، وقد طلبت الكويت أخيراً من الولايات المتحدة تزويدها بنحو 16 مروحية من طراز بلاك هوك سي هوك. أما دولة قطر فترتبط هي الأخرى بعلاقات عسكرية مع فرنسا والولايات المتحدة حيث وقعت العام الماضي، كما يقول جيمس بروس في مجلة جينز الدفاعية، على عقد مع فرنسا لشراء 12 طائرة مقاتلة ميراج 2000 - 3 اضافة الى صواريخ MICA وMAGIC من خلال صفقة ثلاثية بقيمة 1.3 مليار دولار تدخلت فيها اسبانيا كطرف ثالث. أما الصفقات التي وقعتها القوات المسلحة في دولة الامارات العربية على هامش المعرض فقد كانت معظمها من نصيب الشركات الأميركية والأوروبية وهذا ما جعل المراقبين يؤكدون على ان زيارة وزير الدفاع الأميركي وليم بيري لأبو ظبي في أثناء استمرار فعاليات المعرض قد منحت الشركات الأميركية دفعة قوية في منافساتها مع الشركات الأخرى. فاضافة الى ما حصلت عليه شركة نيوبرت نيوز الأميركية من عقد 100 مليون درهم فازت شركة إي تي آند تي الأميركية بعقد قيمته 435 مليون درهم إماراتي أي ما يقارب 120 مليون دولار لإنشاء نظام اتصالات رقمية للقوات المسلحة في دولة الامارات، وحصلت شركة هيوز على عقد بقيمة 100 مليون لإنشاء شبكة إنذار موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي، فيما فازت خمس شركات أوروبية أخرى هي ملمارك الإنكليزية وسوفريتك الفرنسية وفابريك إف إن البلجيكية وأريكسون النرويجية وإيروسبيسيال الفرنسية بعقد قيمته 103 ملايين درهم نحو 28 مليون دولار لتوريد معدات عسكرية للقوات المسلحة في دولة الامارات العربية اضافة الى عقود مع شركات أخرى تبلغ قيمتها الاجمالية 113.5 مليون درهم نحو 33 مليون دولار وتشترك فيها شركات الدانة الإماراتية وأركون الأميركية وفورسل من جنوب افريقيا وبريتش ايروسبيس البريطانية ووستنغهاوس الأميركية وبركهارت غروب الألمانية. ومن المعروف ان كل هذه الصفقات تمت عن طريق نظام مكتب المبادلة أوفسيت أو ما يسمى ببرنامج التوازن الاقتصادي الذي تتبناه الى جانب دولة الامارات العربية المتحدة كل من المملكة العربية السعودية والكويت وهو يفرض على الدول الصدرة للسلاح التزامات لتنفيذ استثمارات في البلدان المستوردة لها مما يدعم اقتصاد هذه البلدان وبالتالي تضمن دولة الامارات العربلية المتحدة إعادة توظيف 60 في المئة من صفقاتها العسكرية في مشاريع تنموية داخل البلاد. أما مؤتمر الاتصالات العسكرية ميلكون 95 الذي أقيم على هامش فعاليات معرض الدفاع الدولي "ايدكس 95" والذي شارك فيه أكثر من 84 محاضراً من كبار العسكريين والصناعيين والأكاديميين من 16 دولة، فقد وصفه أحد المراقبين لپ"الوسط" بأنه أتاح فرصة اللقاء العلمي الشامل لأول مرة بين الخبراء العسكريين من الشرق والغرب بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة وبالذات مع علماء أوروبا الشرقية وجنوب افريقيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سابقاً وانتهاء المقاطعة ضد جنوب افريقيا أخيراً. وبصفة عامة، كانت فعاليات ايدكس/ ميلكون 95 مناسبة عسكرية - سياسية - تجارية - علمية - اعلامية ضخمة كانت فيها دولة الامارات العربية المتحدة الرابح الأكبر.