كان من المزمع ان تبدأ محاكمة 32 ألف معتقل هوتي في رواندا، في السادس من نيسان ابريل الجاري بمناسبة مرور سنة على المذابح التي شهدتها البلاد العام الماضي وذهب ضحيتها نحو نصف مليون شخص من قبيلتي التوتسي والهوتي، وأجبرت حوالي مليونين من الهوتو على اللجوء الى كل من زائير وبورندي وتانزانيا وكينيا. واكتشف المراقبون الدوليون قبل ساعات من الجلسة الافتتاحية للمحاكمة ان عدد المعتقلين يفوق بكثير عدد القوات الرواندية قبل سقوط نظام الرئيس جوفينال هابياريمانا في نيسان ابريل من العام الماضي. والأدهى من ذلك تكدس 32 ألف متهم بالتورط في المذابح في أربعة مراكز لا تستوعب أكثر من 8 آلاف سجين، ما يفسر تزايد نسبة الموتى في سجون كيغالي. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل ان الحكومة الرواندية "اكتشفت" يوم بدء المحاكمة عدم وجود قضاة اكفاء وبما فيه الكفاية لمحاكمة 32 ألف معتقل، فتأجلت المحاكمة الى موعد غير مسمى، ريثما يتوافر العدد الكافي من القضاة الأجانب. وعلق مراقب دولي على موقف حكومة كيغالي بالقول: "اذا تمادت السلطة الرواندية في انتهاج هذا الأسلوب، خلف أي مبرر أو ذريعة، فلن تجد في خاتمة المطاف غير 32 ألف جثة هامدة تكون شاهدة بدورها على ضلوع الحكومة نفسها في أبشع جريمة ضد الانسانية". ويبدو واضحاً ان بعض قيادات التوتسي الذين لا يمثلون أكثر من 10 في المئة من سكان البلاد البالغ 7.1 مليون نسمة، يحاول محاكمة الهوتو الذين يشكلون 90 في المئة من سكان رواندا، وذلك لأسباب عدة، منها الانتقام من الهوتو الذين انفردوا بمقاليد السلطة منذ استقلال البلاد في عام 1962، وحتى سقوط حكومة هاجياريمانا في عام 1994، وخلق مناخ جديد من الخوف من عودة الهوتو الى السلطة، بغية اقامة مؤسسات دولية جديدة يسيطر عليها التوتسي انما مع اشراك بعض الرموز السياسية من الهوتو الذين لا يشكلون أي خطر على السلطة. وتقول مصادر ديبلوماسية أوروبية في كيغالي انه في مقابل المتطرفين من التوتسي هناك معتدلون من القبيلة نفسها، وفي مقدمة هؤلاء الجنرال الشاب بول كاغاميه نائب رئيس الدولة، وزير الدفاع، والرجل القوي في كيغالي، الذي يحاول اطفاء نار الحقد والانتقام في نفوس قبائل التوتسي، واشعال الأمل لدى الهوتو. ومع أن مهمة كغاميه ليست سهلة، إلا أن مؤشرات ايجابية ظهرت لدى الهوتو الذين يطالبون بأن تأخذ العدالة مجراها فلا تتحول المحاكمة المرتقبة الى محاكمة الهوتو على يد التوتسي أو المنتصر، كشرط محوري لفتح صفحة جديدة في تاريخ رواندا.