وزير الخارجية الفرنسي رئيس وزراء الإتحاد الأوروبي الان جوبيه أكد ان الإتحاد متمسك بمبدأ وحدة الأرض واحترام سيادة الدول. وفرنسا انتقدت ومثلها فعلت المانيا وبلجيكا. والعراق اعترض. وماذا بعد؟ العملية العسكرية التركية في كردستان العراق مستمرة بتأييد أميركي وروسي علني، وصمت إقليمي واضح . ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها القوات التركية الأراضي العراقية، بالتفاهم مع بغداد أو من دون التفاهم معها. ولم تقصر إيران من قبل في انتهاك أجواء هذا البلد بحجة ضرب "الإرهاب". لكنها المرة الأولى تأخذ فيها العملية هذا الحجم وتبلغ هذا العمق تواكبها تصريحات من أنقرة أنها ستستمر حتى القضاء على حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان. إنها سابقة خطيرة قد يكرسها النظام الدولي الجديد قانوناً دولياً، وإن احتجت الأممالمتحدة وبعض الدول الأوروبية. كان توازن القوى ومبدأ تقاسم النفوذ والردع المتبادل أيام الحرب الباردة، يحول دون مثل هذه العمليات الواسعة التي تشكل انتهاكاً صارخاً لسيادة أي دولة. كانت سيادة الدول التي تدور في فلك أحد الجبارين جزءاً من سيادة هذه الدولة العظمى أو تلك. ويمكن القول أن مفهوم السيادة يومها كان مطاطاً بانتشار قواعد حلفي الأطلسي ووارسو في أوروبا، شرقيها وغربها ووسطها، وفي أنحاء أخرى من العالم. ويمكن القول أن تحكم إقتصاديات دول متقدمة باقتصاديات دول ضعيفة شكل في الماضي ويشكل اليوم نوعاً من انتهاك السيادة ما يجعلها محدودة. لكن التدخل العسكري، كمثل الذي تقوده أنقرة، لا يمكن أن يجد له تبريراً، خصوصاً أن نتائج هذا التدخل ليست مضمونة النتائج ولن تحل مشكلة أقليات، كالأقلية الكردية في تركيا، تصارع وستظل تصارع من أجل حقوقها الإنسانية التي ينادي بها النظام الدولي الجديد، والتي يقول وزير الخارجية الفرنسي أنها ليست محترمة اليوم. كما أن مثل هذه العملية الواسعة لا يمكن أن يفرق بين الناس العاديين والعناصر "الإرهابية". بالأمس أقامت إسرائيل "حزاماً أمنياً" في جنوبلبنان لا يزال قائماً... وقامت القيامة احتجاجاً على احتلال دولة أراضي دولة أخرى بذريعة حماية أمنها من "الإرهاب"، لأن ذلك يسقط مفهوم الحدود الجغرافية وحرمتها، ويصبح لكل دولة مفهومها الخاص بأمنها الذي يتسع ويضيق تبعاً للمصالح. وكانت الولاياتالمتحدة ولا تزال وراء مفهوم الدولة العبرية لأمنها الذي اتسع وشمل ضرب المفاعل النووي العراقي مطلع الثمانينات، وهي الآن وراءها في مفهومها للتهديد النووي الإيراني لأمنها وستسكت حتماً إذا كررت عملية المفاعل وشنت هجوماً على الجمهورية الإسلامية الصامتة الآن على العملية التركية، والتي مارست مثل هذا الخرق بعمليات عسكرية جوية في العراق. ولا ترى واشنطن اليوم إلى العملية التركية انتهاكاً للقانون الدولي، ما دام هدفها الدفاع عن النفس في مواجهة "الإرهاب". لكنها تدرك جيداً أن نتائج هذه العملية لن تكون أفضل حالاً من نتائج "الحزام الأمني" الذي أقامته إسرائيل في جنوبلبنان ولم يحل مشكلة "الإرهاب" ولم يحقق الأمن للدولة العبرية، بل شكل ويشكل عقبة في وجه التسوية التي تقودها في المنطقة. من يمنع غداً هذه الدولة أو تلك من تكرار ما تفعله إسرائيل في لبنان وغير لبنان وما تقوم به تركيا، بحجة الدفاع عن أمنها أو الدفاع عن النفس كما تقول الإدارة الأميركية؟ هل يتكرس هذا قانوناً في النظام الدولي الجديد ينذر بتهديم آخر ما تبقى من مفهوم السيادة... كأن طغيان الشمال على الجنوب لا يكفي، وكأن إقتصاد الدول الصناعية الكبرى والمؤسسات النقدية الدولية أبقت شيئاً من هذه السيادة... أو أن أنظمة بعض الحرب الباردة، بعض العالم الثالث، تركشيئاً من حقوق مواطنيه من دون انتهاك.