الصور مرايا الماضي وخزانة الذكريات، تلتقط اللحظات الهاربة وتسجل بعض التفاصيل الخاصة والحميمة فتحول دون انزلاقها من الذاكرة وسقوطها في بئر النسيان. والصور تحت مكانة كبيرة في قلوب الناس على اختلاف اهوائهم وأذواقهم، ولما كان للصور هذه الاهمية فمن الطبيعي ان نولي تعاملنا معها عناية فائقة وان نحسن مستوى ادائنا لدى التقاطها احتفاء بها من جهة واحتفاء بالمناسبات التي تجسد من جهة ثانية. كيف تطور مهاراتك في فن التصوير؟ سؤال طالما طرح نفسه بالحاح على ملايين الناس في سائر اصقاع الأرض. وللاجابة عنه تحاول جولييت هاييت ان تضع خبرة ثلاثين سنة في التصوير والتحقيقات الصحافية بتصرف قراء "الوسط". لا تشغل بالك بالمصادر التقنية للكاميرا، فالأدلة والمجلات الفوتوغرافية محشوة بالبيانات الدقيقة التي تجعل من الصعب فهم اللغة المستخدمة في شرحها، يكفي ان تتبع نصيحة تاجر معروف ببيع آلات التصوير ثم تختار الآلة التي يناسبك سعرها. ومعظم الكاميرات من نوع "35 ملم" مزودة بعدّاد ضوء اوتوماتيكي يمكن ان تتجاهله عندما تكتسب الشجاعة في التعامل مع الضوء الخلفي والتباين الحاد. ان الكاميرات من انتاج "كانون" و "نيكون" و "مينولتا" و "اولمبوس" و "بنتكس" متوافرة بأسعار تتراوح بين 150 جنيهاً و400 جنيه استرليني ثمن الكاميرا نفسها من دون اضافات. ومما لا شك فيه ان كاميرات "الكومباكت" مناسبة تماماً للحمل، الا انك ستجد عندما تألف استخدامها انها تحد كثيراً من حرية التصوير، اذ انها لا تقدم لك خياراً في العدسة. وان بإمكانك ان تحقق الكثير باستخدام ثلاث عدسات، واحدة عادية أنا في العادة استخدم 35 ملم بدلاً من 50 وعدسة ذات زاوية منفرجة مثل ال23 ملم وزوم يتراوح مداه على سبيل المثال بين 70 و200 ملم. حاول ان تعوّد نفسك على آلة التصوير قبل السفر وطالع باعتناء الدليل الخاص باستخدامها والتدرب على تشغيلها حتى تكتسب ثقة في التعاطي مع الأمور الاساسية وليس هناك ابهام في اختيار الافلام، فما تريده هو ما يتفق مع احوال الضوء. وغالبية الناس تفضل ان تلتقط صوراً بالألوان، وجميع الماركات المشهورة تعطي نتائج ممتازة، بعضها يميل اكثر نحو درجات لون حمراء اكثر دفئاً. يمكنك تدريجاً ان تجري اختبارات وتقرر ما يروق لك. وفي الآونة الاخيرة جرى احياء طريقة التصوير بالأسود والابيض. وهي بكل تأكيد تحقق نتائج مؤثرة في صور معينة كصور الوجه. كيفية الاختيار والمناظر الطبيعية في الشتاء تصبح اكثر تفصيلاً وأكثر كآبة اذا التقطت بالأسود والابيض، اما الاجواء الدافئة في الاماكن المزدحمة فما لا شك فيه انها افضل ما تكون حين تصور بالألوان. والآن امامك خيار بين الشرائح الضوئية سلايد والفيلم السلبي نيغاتيف وأما الشرائح الضوئية فانها أدق في الصور الملونة لذا يفضلها الطباعون المحترفون وأما الفيلم السلبي فهو يوفر لك كميات هائلة من الصور الرخيصة التي بامكانك ان تعرضها على اصدقائك. في الطقس الحار حيث ينتشر الضوء الساطع يمكنك استخدام فيلم بطيء سرعته تتراوح بين 50 و100 أيزو. والأفلام البطيئة تعطي صوراً اكثر تشبعاً بالألوان من الافلام السريعة. الا انه عندما يكون الضوء خافتاً كما عند الغروب او في الايام المعتمة فيلزمك فيلم تصل سرعته الى 200 آيزو. على ان تستخدم الفلاش. وتنبه للأضواء الكهربائية اذا لم تكن تستخدم الفلاش لأنها تتسبب في ظلال ضوئية تستطيع معالجتها بواسطة الفلتر. يعطي الفلاش المركب على الكاميرا صوراً اصطناعية جداً، فاذا كان لا بد من استخدام الفلاش فاعمل على التخفيف من النتائج بتدلية الضوء من سقف أبيض غير مرتفع، او اذا استخدمت رأس فلاش فحاول تغطيتها بمنديل ابيض رقيق. العناية بالكاميرا ان عنايتك بالكاميرا مفتاح السر لالتقاط صور ناجحة لذا عليك ان تبقيها في معزل عن الشمس كيلا يتلف الفيلم بفعل الحرارة. واذا كنت ستقيم في ظروف استوائية لبعض الوقت فاحفظ الفيلم في براد. ولما كان الغبار والرمل يتعجلان بموت الآلات الدقيقة، فمن الواجب ان تحفظ الكاميرا في كيس بلاستيكي قوي وأنت تعبر الصحراء، وان تضع علبة من جل السيليكا في حقيبتك كي يمتص الرطوبة. وان تنظف الكاميرا باستمرار بفرشاة تنفث هواء وان تستخدم دائماً فيلترات ما فوق الاشعة البنفسجية او "سكايلايت" على عدساتك لحمايتها والتخفيف من حدة الضوء الشديد وعليك اخيراً ان تتجنب المخاطرة باتلاف كل ما صورته من افلام بتعريضها لأشعة "اكس" في آلات المسح على المطار عن طريق لفها بحافظات مصفحة بالرصاص! مواضيع التصوير الرئيسية التي يحتمل ان تركز عليها عندما تسافر هي المناظر الطبيعية والمباني والأشخاص. والواقع ان تصوير المناظر الطبيعية هو تحد لمعظم المصورين المحترفين، اذ يحتاج الى تأطير امامي والى عناصر تشير الى وجود تدرّج. لذا حاول ان تدخل في الصورة مبنى مظللاً او يختاً يبدو من بعيد او انساناً ينظر باعجاب الى الآثار القديمة، لتعطي احساساً بالتدرج، وتقدم اضافة حية. ومن النادر جداً ان نرى منظراً طبيعياً يوحي العظمة والضخامة ما لم يستخدم له اطار من شجرة تنحني نحوه او ما يشابهها. حتى جبال الهمالايا يمكن ان تبدو مسطحة على يد مصور لا دراية له بتصوير المناظر الطبيعية. وما يجعل اللقطة تعيش طويلاً في الذاكرة هو الاستيقاظ عند الفجر او التجول بينما تغرق الشمس في البحر القرمزي. ان منظر شروق الشمس ومنظر غروبها هديتان لخلق المناخ العام والجمال والمناظر شبه المجردة. لذا حاول دائماً ان تقحم في الصورة ظلاً يشير الى مكان التقاط الصورة مثل الفلوكة في النيل، او الغندول في فينيسيا. والتصوير نحو الشمس مباشرة، خصوصاً عندما ينعكس نورها على الماء، أمر يصعب قياسه خصوصاً باستخدام عدّاد اوتوماتيكي. وأحد الحلول هو إقران لقطاتك اي تعديلها بمعدل درجتين على كل من جانبي العداد. ولا تنس غطاء عدستك فليس ثمة كاميرا تستطيع احتمال الضوء الساطع او الضوء الشارد. نصائح لا غنى عنها احدى لحظات التصوير الأكثر سحراً هي لحظة ما قبل بزوغ الفجر عندما يبدو العالم كله وكأنه مصوغ من اللؤلؤ. ولكي تبرع في التقاطها ادخل ظلال بعض الاشكال النحتية السوداء البسيطة في مواجهة الألوان الفضية والرمادية الغائمة! مثل هذه الحالات الضوئية الخاصة بالجو قد تتطلب سرعات التقاط متدنية. واذا اخترت الا تتسلح بفيلم ذي سرعة عالية فبامكانك اما ان تصطحب معك منصباً ثلاثي القوائم تريبود او ان ترتكز على جسم ثابت وتتوقف عن التنفس ثم تضغط على زرع مصراع الكاميرا فتحصل على صور نقية بسرعة جزء من 15 من الثانية. وأسوأ احوال الضوء في العادة هي في منتصف النهار في البلدان الحارة حين تقضي اشعة الشمس على التفاصيل وتمحو الألوان، ومن الافضل فعلاً ان تؤخر التصوير حتى فترة ما بعد الظهر او الى الصباح الباكر، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمناظر الطبيعية المعمارية حيث تضفي الظلال الطويلة رونقاً على المشهد. وتذكر دائماً ان ضوء الصباح الباكر سيبرّد الألوان في حين ان شمس فترة ما بعد الظهر ستولّد ظلالاً ذهبية دافئة واجواء مسترخية غريبة تذكر بالمناطق الاستوائية! اختر اللون الذي تريده بعناية لتضفي اجواء على المنظر مستخدماً اضاءة جانبية واطارية. والاضاءات الاطارية والخلفية تتطلب عناية بدرجة الانكشاف للضوء. فاذا لم يكن بوسعك ان تذهب الى موضوع التصوير لتقيسه وتسجل المسافة على العداد، عليك ان تستخدم الاقران. وأنا استخدم الاضاءة الخلفية لتصوير الزهور ما يظهر شفافيتها على أروع ما يكون. في البلدان الحارة نستطيع التخفيف من حدة الألوان القوية وحدة السماء، بالتعرض بتعميق الألوان وتعديل نسبة السماء الى المنظر الطبيعي. ولا تنس انه ليس هناك عداد يمكنه ان يتعامل مع التباين الحاد لموضوع يتعرض لاضاءة ساطعة وظلال عميقة في لقطة تصويرية واحدة. ان نتيجة ذلك تكون باحداث تباين غير مضبوط خصوصاً اذا اعتمدت على الوضع الاوتوماتيكي للعداد. وفي هذه الحالة فان منطقة شاحبة واسعة ستعكس الضوء في العدّاد مما يجعل الكاميرا تتكيف، وبالتالي فان تفاصيل الوجه تندثر. والحل الوحيد هو في ان تحاول الاقتراب كثيراً لضبط العداد بدقة على الوجه الذي سيملأ اطار الصورة كله او يكاد. وهنا قد يواجه المرء المعضلة التي يواجهها المصور الذي يملك حس المسؤولية الاجتماعية. فأخذ الصور الشخصية لأشخاص غير معروفين اعتداء على حرمة هؤلاء الاشخاص، وردود الفعل على مثل هذا الاعتداء تختلف من ثقافة الى اخرى. ففي بعض الدول يعتبر مخالفاً للقانون تصوير النساء، وفي بعض المجتمعات التي لم تصلها التكنولوجيا يعتبر تصوير الاشخاص رمزاً لسرقة ارواحهم. والافريقي في المدن يعتقد انك ستجني مالاً من التقاط صورته لذلك فهو يطالب بحصته، وبعض الهنود والفيليبينيين في الأرياف يعتبر التصوير نوعاً من الاطراء، وكثيراً ما طلب مني الناس ان ادخل الى بيوتهم والتقط صوراً للجدة العجوز ايضاً. في مثل هذه الحالات التي تضطر فيها الى الموافقة، من السهل ان تقع في فخ اللقطة التصويرية المفتعلة. وعليك إما ان تكون صبوراً فتأخذ بعض اللقطات وتنتظر ان تمحي الابتسامة الجامدة او تطلب ممن تصوره ان يفعل شيئاً. وصور اصحاب الحرف في محترفاتهم غالباً ما تكون جيدة جداً ولكن تذكر دائماً ان تدخل وجوههم وأيديهم الى الصورة. وللخلفيات وعمق المجال البصري اهمية خاصة عند تصوير الاشخاص. اما المناظر الطبيعية فتتطلب عمق مجال بصري ذا بؤرة حادة وتلك المسافة الى داخل الصورة والمعروفة باسم عمق المجال البصري تخضع لخيار فتحات الضوء. والفتحة الصغرى مثل 122 تعني ان صورتك ستكون واضحة من المقدمة وحتى المسافة البعيدة، وهو أمر ليس من الصعب تحقيقه في الضوء القوي. الا ان التقاط صورة للوجه يتطلب التركيز على نقطة حادة واحدة في عمق مجال بصري قصير حيث تمحي الخلفية حتى لا يمكن التعرف اليها في فتحة ضوء مقدارها 4 ف او اقل. وكلما اقتربت من موضوع التصوير كلما كان عمق المجال البصري اقل. ركّز على رموش العين السفلى اذا سمح لك الوقت. اما اذا كنت تريد أخذ لقطات خفية فربما اضطررت الى تحديد البؤرة فوكس مسبقاً وذلك بتوقّع مكان ما يقف فيه موضوع التصوير عندما سيظهر. والتصوير الصحافي غير الواضح يمثل تحدياً حقيقياً حتى للمحترفين. استخدام الفلتر وكلما تمرّست بالتصوير شعرت بالحاجة الى استخدام الفلتر. والستار فلتر لا يترك اثره على البؤرة فينعّمها فحسب، بل يترك تأثيرات دراماتيكية على تصوير المجوهرات اللماعة او اي شيء تصدر عنه انعكاسات ضوء قوية. واضواء الليل وغروب الشمس ونقاط الضوء اللامعة على الماء عرضة لسيل من المؤثرات الخاصة عند استخدام الفلتر في تصويرها. وأنا شخصياً استخدم بعض الفلترات التي تعطي نتائج مثيرة كاسمائها مثل "اندروميدا" و "نيبولا" و "رينبو سبوت" و "بالزيتور". فمثل هذه الفلترات يتيح للمصور العصري تشكيلة واسعة من التعبيرات العاطفية في صوره. ولجميع صورنا معان خاصة عندنا من دون شك، الا انه كلما زاد اهتمامك في موضوع الضوء والتوليف وكيفية نقل انطباعك الاصلي ارتفعت صورك الى ما فوق مستوى اللقطات المقبولة من وجهة نظر تقنية. عد مرة او اكثر الى ذلك المنظر الطبيعي او الشخص الذي تفضله اذا امكنك ذلك! واستمر في التقاط صور له في ظروف مختلفة! خصص وقتاً للتجول وتبديل زاوية النظر: اصعد او انحن، أطّر لقطاتك بعناية واجر اختبارات على الاضاءة والعدسات والفلترات! بهذا الالحاح لن تتعلم الكثير عن الكاميرا وتوابعها فحسب، بل ستنقل الى الفيلم ذلك الشعور المنشّط العظيم الذي اوحاه لك منظر طبيعي رائع او نقطة اللقاء بينك كمستخدم للكاميرا وبين موضوعك. وهذا هو معنى التصوير الفوتوغرافي...