يقيناً انها كانت من طينة البشر تلك المرأة التي وضعت حداً لحياتها يوم الخامس من آب اغسطس 1962. لكنها لم تكن امرأة عادية بأي حال من الاحوال. لذلك كان موتها العنيف في ذلك اليوم الصيفي، نقطة انعطاف في تاريخ السينما، او بشكل اكثر تحديداً في تاريخ علاقة المتفرج بإبطاله. من الحضيض طلعت تلك التي ماتت في شرخ صباها حاملة اسرارها وأشجانها. من الحضيض طلعت كما تطلع كل اسطورة، وصارت وهي في الخامسة والعشرين رمزاً لقوة تأثير السينما وجانبها الخرافي على حياة البشر. نورما جين مورتنسون، ذلك هو اسمها الحقيقي. ولدت في لوس انجليس في 1926: اشبه بلقيطة وابنة لأم تعاني العديد من المشاكل العصبية والعقلية. غير ان تلك الطفلة البائسة عرفت كيف تشق طريق الحياة، وكي تبني - حتى خارج الافلام الكثيرة التي مثلت فيها ادواراً لا تنسى، او ادواراً يمكن نسيانها بسرعة - اسطورتها كنجمة يتماهى معها المتفرجون، ويعيشون في حالة عشق دائمة مع صورتها، حتى لو اتسمت ابتسامتها بشيء من البلاهة وصوتها بشيء من النزق ونظراتها بشيء من براءة الطفولة. هناك في تاريخ علاقة المتفرج بنجوم السينما مرحلتان: مرحلة ما قبل مارلين ومرحلة ما بعدها. وهو تقسيم لم يقم فقط بفعل انتحار مارلين وسط هالة اسطورية نادرة، بل قام كذلك بفعل ذلك الظرف التاريخي الذي فرض حضوره، اذ ينبغي ان لا ننسى هنا ان رحيل مارلين مونرو جاء في وقت كان العالم يفيق من "عهد البراءة" الذي تلا وحشية الحرب العالمية الثانية وارتباك بدايات الحرب الباردة، ليدخل "عصر العقلانية" الذي كانته سنوات الستين ثم السبعينات من بعدها. من هنا تضافرت الظروف الموضوعية والحياتية لتجعل من مارلين مونرو، حداً فاصلاً بين مناخ سينمائي سيطر عليه نجوم حالمون ينتمون الى عوالم الرومانطيقية والاشجان وأحلام الصعود الاجتماعي اليسيرة على الشاشة العسيرة في الحياة، ومناخ آخر صار فيه النجوم اكثر واقعية وحضوراً.