ان آخر ما كان يفكر به وزير الخارجية الاسباني وأحد أقطاب الحزب الاشتراكي، خافيير سولانا، ان يخلف ويلي كلاس، كتاسع أمين عام لمنظمة حلف شمال الاطلسي، خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الحلف والتحولات الاستراتيجية في أوروبا. على العكس، كانت التوجهات تشير الى لعب سولانا دوراً سياسياً مهماً على الصعيد الداخلي، من خلال خلافة فيليبي غونزاليس على رأس الحزب الاشتراكي وترؤس الحملة الانتخابية في الانتخابات التشريعية المقررة في آذارمارس المقبل. لكن مسألة تعيين سولانا على رأس القيادة السياسية للحلف الاطلسي، أتت نتيجة تراكم ظروف مؤاتية، خصوصاً ان اسبانيا غير منخرطة فعلياً في جميع القيادات العسكرية للحلف. من ناحية، تتولى اسبانيا الآن وللمرة الاولى اهم منصب اطلسي، اضافة الى ان هذا البلد انضم الى الحلف في فترة زمنية متأخرة نسبياً وليس من الاعضاء المؤسسين، وحتى مجرد الرجوع الى الماضي السياسي لسولانا، ليس مشجعاً من هذا القبيل، فالوزير الاسباني، الذي شارك من دون انقطاع في كل الحكومات الاسبانية منذ عام 1982، تميز اوائل الثمانينات وخلال حملة سياسية عنيفة حول انضمام اسبانيا الى الحلف، فانتقاده هذا الاتجاه، كما ان فترة دراسته الجامعية في الولاياتالمتحدة تميزت بالمشاركة في التظاهرات احتجاجاً على حرب فيتنام. ان العامل الحاسم في تعيين سولانا في منصبه الجديد، والذي لم يكن متوقعاً في الاوساط الاطلسية، هو الفيتو الذي وضعته الادارة الاميركية، على الرئيس السابق لوزراء هولندا رود لوبيرز، المعروف بأنه ذو توجه اطلسي مؤكد، ثم امام رفض لاهاي تقديم ترشيح المفوض الاوروبي هانز فان دين بروك، وعدم الرغبة التي عبر عنها وزير الخارجية البريطاني السابق دوغلاس هيرد في الانتقال الى بروكسيل، طُرحت مسألة ترشيح سولانا، غير ان البعض نظر اليها بشيء من الحذر، انطلاقاً من حجة مقنعة نسبياً، وهي الانخراج الجزئي لاسبانيا في البنى العسكرية الاطلسية. وهناك مسألة اخرى لا بد من الاشارة اليها في اطار هذا التعيين، هي ان مشاركة اسبانيا في القوات الدولية في البونسة واستعدادها لارسال وحدات ضمن قوة السلام الاطلسية، لعبت دوراً ايجابياً، غير ان هناك عاملاً آخر هو التحول القائم الآن في الاستراتيجية العامة للحلف، بحيث يلعب في المستقبل دوراً سياسياً متزايداً. ولم يكن من باب الصدفة، ان تعيين سولانا، رافقه تطور ايجابي عبرت عنه فرنسا، من خلال مشاركة متزايدة في الهيئات العسكرية، من دون ان يعني ذلك انخراطاً متقدماً في القيادة العسكرية الموحدة. في اي حال، لم يكن وارداً ان يتم تعيين اسباني اميناً عاماً للحلف الاطلسي، زمن الحرب الباردة، ولم يكن وارداً كذلك الانخراط الجزئي لفرنسا في الهيئات الامنية، واذا اخذنا في الاعتبار ان الامين العام السابق كلاس كان احد اقطاب الحزب الاشتراكي البلجيكي، وخلال فترة ما رئيساً للاحزاب الاشتراكية في اوروبا الغربية، تمكن ببساطة ملاحظة التحولات التي طرأت، سياسياً، على التوجه الاطلسي منذ انهيار حائط برلين وتفكك حلف فرصوفيا. ان تعيين سولانا يشير الى المستقبل ويشكل احدى علامات الانفتاح السياسي للسنوات المقبلة.