أثار اقتراح بناء مخيم فلسطيني في احدى مناطق اقليم الخروب محافظة الجبل زوبعة في الاوساط السياسية اللبنانية انعكست تبادل حملات واتهامات في وسائل الاعلام بين صاحب الاقتراح وزير شؤون المهجرين وليد جنبلاط وبين رافضيه الذين يقف كثيرون منهم في موقع مخاصم له او معاد. فالبعض اعتبر الاقتراح مقدمة لتوطين الفلسطينيين المقيمين على أرض لبنان، خصوصاً انه أتى في مرحلة حصول بداية تقدم، وان غير مكرس رسمياً، على المسار التفاوضي السوري - الاسرائيلي وهو اصعب المسارات واكثرها تعقيداً. والتوطين مرفوض من اللبنانيين لأسباب عدة أبرزها ان هناك اجماعاً على رفضه ظهر في مقدمة الدستور اللبناني الجديد الذي انبثق من اتفاق الطائف. والرفض هذا يأتي من منطلقات عدة. منها طائفي - وطني اذا جاز التعبير واذا كان يمكن للطائفية وللوطنية ان تلتقيا. ذلك ان التركيبة اللبنانية التي تقوم على التوازن بين الطوائف الاسلامية وبين الطوائف المسيحية، وعلى المساواة الكاملة استناداً الى الدستور الجديد، ستتعرض الى ضربة كبرى في حال وطّن الفلسطينيون المقيمون على أرض لبنان فيه. إذ أنهم سيجعلون الميزان الفردي والديموغرافي مختلاً لمصلحة المسلمين الامر الذي يمكنهم مستقبلاً من السيطرة على هذه التركيبة وتالياً من ضرب صيغة العيش المشترك المتوازن في لبنان لمصلحة صيغة عيش مشترك غير متوازن وربما في مرحلة لاحقة لمصلحة دولة يغلب عليها الطابع الاسلامي في كل شيء. ومنها مذهبي، اسلامي. إذ أن توطين هؤلاء الفلسطينيين سيرفد أحد المذاهب الاسلامية في لبنان بعدد مهم من شأنه إحداث خلل في الميزان الاسلامي الحالي وتالياً الانعكاس سلباً على الاوزان السياسية لجهات معينة. وهنا فإن المشكلة حادة على رغم ان أحداً لا يحاول الاعتراف بها علناً لاعتبارات عدة معروفة، ذلك ان سنوات الحرب جعلت هذا الميزان مختلاً لمصلحة فريق. والتوطين قد يجعله مختلاً لمصلحة فريق آخر. أو قد يجعله اكثر توازنا الامر الذي يجعل المواقف الفعلية منه عند البعض مختلفة والى حد كبير عن المواقف المعلنة. ومنها أخيراً قومي عربي يبرر اصحابه رفض التوطين بحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وبضرورة أن تؤمن لهم هذا الحق التسوية الشاملة لأزمة الشرق الاوسط التي يتم التفاوض عليها حالياً. والبعض الآخر اعتبر ان اقتراح الوزير جنبلاط هدفه حل مشكلة وليس الترويج للتوطين والتمهيد له. فالفلسطينيون الذين اقترح بناء مخيم جديد لهم كانوا هجروا بسبب الحروب في لبنان على مدى سنوات من مخيماتهم التي كانت مقامة في بيروت وضواحيها وفي مناطق لبنانية أخرى. وكانوا صادروا بنايات وشققاً وأقاموا فيها مثلما فعل لبنانيون كثيرون في اثناء الحرب. وأصحاب هذه البنايات والشقق يطالبون بها. ولا تستطيع وزارة المهجرين الا أن تخليها. لكنها لا تستطيع ان ترمي المصادرين في الشارع. اذ عليها واجب تأمين مكان لسكنهم. التوقيت والاخطاء وهذا كان العامل الاهم وراء اقتراح بناء مخيم فلسطيني جديد. والمطروح في هذه الحال لم يكن التوطين وانما اعادة الاسكان. إلاّ أن الخطأ الذي حصل على هذا الصعيد في رأي البعض نفسه كان تلازم اقتراح الوزير الجنبلاطي والسرعة التي رافقته مع الصعوبات التي لا تزال تحول دون تسريع عودة المهجرين المسيحيين الى الجبل والتي يتعلق بعضها بعدم توافر الاموال الكافية. في حين يتعلق بعضها الآخر بسياسات معينة لها علاقة بالولاءات الحزبية أكثر من أي أمر آخر. والخطأ الآخر الذي حصل على الصعيد نفسه كان جعل قرية الدبية المسيحية مكاناً لاقامة المخيم، الامر الذي أخاف المسيحيين على أرزاقهم وقريتهم ومنطقتهم من خطر الابتلاع والامتداد. وما حصل في لبنان خلال الحرب على هذا الصعيد يبرر الخوف. والخطأ الثالث الذي حصل ايضاً، والبعض لا يعتبره خطأ، كان تحديد الجهات المعنية اقليم الخروب مكاناً للمخيم بحيث بدا ان الهدف منه نظرا الى الحساسيات المذهبية والطائفية هو تعزيز فريق في مواجهة فريق آخر وإقامة حاجز بين منطقتين ينتمي سكان كل منهما الى فريق مختلف. هل يستحق قرار اقامة مخيم فلسطيني جديد في لبنان كل الضجة التي أثيرت حوله؟ لا يمكن ان يمر موضوع كهذا من دون ان يثير اسئلة وتساؤلات وتكهنات، ذلك ان اللبنانيين "ملدوعين" من الفلسطينيين، كما أن وضع التسوية الشاملة لأزمة المنطقة على نار قوية يلقي الضوء على مشكلة اساسية ينساها اللبنانيون او يتناسونها وهي الوجود الفلسطيني الكثيف على أرضهم. لكن المبالغة في الضجة التي أثيرت لها علاقة، الى رفض التوطين لاسباب وطنية وطائفية ومذهبية وعدم معارضة البعض له ضمناً، لها علاقة بالخلافات السياسية المباشرة في البلد بين المراجع الكبيرة وبين الوزراء وبين الفاعليات السياسية. وهي خلافات تنطلق من مصالح عامة كما من مصالح خاصة بحيث بات التمييز بينها صعباً. وهذه الخلافات بدأت تتحول معركة يشترك فيها أطراف اقليميون. وهي قد تصبح شرسة مستقبلاً نظراً الى ارتباطها بأكثر من استحقاق داخلي وخارجي. واذا كان اطرافها واطراف سائر المعارك الاخرى حريصين فعلاً على مصلحة لبنان ورافضين التوطين بكل اشكاله فإن عليهم التحرك وبسرعة خصوصاً بعدما بدأت العملية السلمية وبعدما وصل قطارها الى المحطة الفلسطينية والى المحطة الاردنية. وهو الآن نحو المحطة السورية وان من دون ان يكون موعد بلوغها معروفاً او محدداً منذ الآن. والتحرك يعني الاستعداد لتحضير ملف كامل وجاهز عن هذا الموضوع مع اقتراحات معينة، ذلك ان الرفض وحده لا يفيد ولن ينظر اليه احد بتعاطف. واعداد ملفات أخرى عن سائر المواضيع الاساسية. وهذا الاستعداد لا يزال غائباً علماً ان سورية مستعدة ولديها مجموعات تدرس كل القضايا في انتظار الوقت المناسب. وظهر ايضاً ان الاردن كان مستعداً وقبله منظمة التحرير الفلسطينية. كيف ينظر الاميركيون الى موضوع الفلسطينيين المقيمين في لبنان؟ يعتقد الاميركيون استناداً الى عدد من المصادر الدبلوماسية الغربية ان مصير الفلسطينيين المقيمين على الاراضي اللبنانية لا يمكن ان يتحدد في المفاوضات الثنائية الجارية مع اسرائيل في اطار العملية السلمية منذ أكثر من سنتين ونصف سنة. وتحديده يتم في اطارين فقط، أولهما المفاوضات المتعددة الاطراف من خلال معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين في صورة عامة. وثانيهما المفاوضات الثنائية الفلسطينية - الاسرائيلية. ويفترض في هذه المعالجة ان تسفر عن تفاهم بين الاطراف المعنيين على ترتيبات معينة قابلة للتنفيذ. وعدم اشتراك لبنان في المفاوضات المتعددة الاطراف حرمه ولا يزال يحرمه فرصة البحث في هذا الموضوع مع الجهات المعنية، علماً انه معني به مثل غيره وربما أكثر من غيره. ويعتقدون ايضاً أنه لا بد من التمييز بين نوعين من الفلسطينيين، يشمل الاول الفلسطينيين الذين لا يمكن ان يمنحوا حق العودة ومعظم هؤلاء نزح من فلسطين في العام 1948 بعد نجاح اليهود في تأسيس دولة خاصة بهم على قسم من أرضها في أعقاب تحقيقهم انتصاراً عسكرياً على عدد من الجيوش العربية. ولا يمكن بالطبع تصور قبول اسرائيل عودة هؤلاء الى مدن حيفا ويافا والناصرة وعكا وغيرها. اما الثاني فيشمل الفلسطينيين الذين نزحوا من الاراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في حزيران يونيو سنة 1967 اي من الضفة الغربية وقطاع غزة. وهؤلاء يمكن ان يمنحوا حق العودة الى مناطقهم التي يفترض ان تتحول كياناً يتمتع بالحكم الذاتي استناداً الى الاتفاق الذي وقع بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في الثالث عشر من أيلول سبتمبر الماضي. لكن حصولهم على هذا الحق لن يكون آلياً ويلزمه تفاهم على إجراءات وترتيبات معينة من خلال المفاوضات. اسئلة بلا أجوبة وهذا التمييز، يزعج لبنان، ذلك انه يثير اسئلة عدة: ماذا يفعل فلسطينيولبنان الذين سيمنحون حق العودة الى أراضيهم؟ هل يغادرون فعلا اليها؟ وهل تستطيع السلطة اللبنانية ارغامهم على هذه العودة؟ وماذا يكون موقفها في حال امتنعوا عن ذلك؟ ماذا يفعل الذين لن يمنحوا حق العودة؟ هل يغادرون الى دول أخرى وتحديداً الى الدول التي تستقبل هجرات واسعة نظراً الى حاجتها الى السكان اذا جاز التعبير؟ وماذا اذا رفضوا المغادرة؟ هل يقبلهم لبنان مقيمين متمتعين بعدد من الحقوق؟ أم يقبلهم مواطنين؟ وهذا الموضوع، أي موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعتبره الجميع من لبنانيين واميركيين عقبة. لكنه في الواقع عقبة نظرية. ذلك ان قسماً كبيراً منهم قد استوعبه المجتمع اللبناني ودورة الحياة في لبنان منذ زمن. ولذلك على لبنان ان يتعاطى مع هذه المشكلة بشيء من العملية والبراغماتية. وفي هذه الحال فإنه سيجد ان عدد الفلسطينيين الذين سيبقون على أرضه اقل بكثير من عدد الفلسطينيين المقيمين عليها، الامر الذي قد يسهل عليه التوصل الى حل للمشكلة. طبعاً ليس سهلاً على اللبنانيين تقبل هذا الامر، او على الاقل على بعض المجموعات الطائفية التي تكون الشعب اللبناني، بسبب الاخلال بالتوازن الطائفي والمذهبي الذي لا بد ان يسببه. وهذه حقيقة يدركها المجتمع الدولي وفي مقدمته الولاياتالمتحدة. لكن ادراكها يدفع به الى نصح اللبنانيين بالتعامل مع هذا الموضوع - المشكلة - بمنطق وطني وليس بمنطق طائفي.