أقرت الحكومة اللبنانية اتفاقية القرض الذي حصل عليه لبنان من البنك الأوروبي للاستثمار، وهو بقيمة 53 مليون دولار للمساهمة في تمويل جزء من خطة اعادة تأهيل وتطوير مرفأ بيروت، التي تصل أكلاف المرحلة الأولى منها الى 123 مليون دولار، على ان يموَّل الجزء الباقي منها من الواردات الذاتية للمرفأ، في حين أن المرحلة الثانية المتوقع ان تمتد 7 سنوات، اعتباراً من العام 1997، لا تزال قيد المراجعة لتحديد أكلافها النهائية، ومعرفة ما اذا كانت الواردات الذاتية ستكون كافية للتمويل، نظراً الى ضخامة المبالغ التي تحتاجها، والمقدرة بحوالي 400 مليون دولار. ومع إقرار الحكومة اللبنانية لاتفاقية القرض مع البنك الأوروبي، ثم الموافقة النهائية المتوقعة من مجلس ادارة البنك في الشهر المقبل، تصبح الخطة جاهزة للتنفيذ، أقله في مرحلتها الأولى، التي ستشتمل على 11 مشروعاً، أبرزها مشروع انشاء محطة المستوعبات التي تصل أكلافها الى 26 مليون دولار، ومن المقرر ان تبت الحكومة العروض المقدمة من قبل الشركات قبل نهاية تشرين الثاني نوفمبر المقبل، على ان يبدأ العمل الفعلي اعتباراً من كانون الأول ديسمبر المقبل. وتشكل محطة المستوعبات المشروع الأهم في مرفأ بيروت، نظراً الى الامكانات التي توفرها مثل هذه المحطة لشركات الشحن العالمية لزيادة تعاملها مع المرفأ اللبناني الذي كان حتى العام 1975، "نجم" المرافئ على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ويقول وزير النقل اللبناني عمر مسقاوي، ان انشاء محطة المستوعبات بمواصفات حديثة سيساهم في اعادة الجاذبية التي فقدها مرفأ بيروت منذ منتصف السبعينات، عندما توقف العمل به، وتعرضت تجهيزاته للسرقة والتدمير. كما يتوافق هذا المشروع مع احتياجات النقل البحري العالمي الذي بات يتركز في معظمه على استخدام الحاويات لنقل السلع والبضائع. وتشتمل المرحلة الأولى من خطة تطوير المرفأ على اعادة تنظيف الحوض الأول من المرفأ من السفن الغارقة فيه منذ السبعينات، اضافة الى اصلاح الاضرار التي سببتها المعارك العسكرية التي دارت في محيطه وعلى أطرافه. وتقدر كلفة التنظيف التي تحتاج الى استقدام آليات ثقيلة من الخارج لتنظيف عمق الحوض بحوالي مليون دولار، إلا أن أهمية مثل هذه الخطوة هي أنها تكرس التخلي عن مشروع ضم الحوض الأول الى الوسط التجاري لبيروت. ويقدر وزير النقل أهمية المحافظة على الحوض الأول ضمن مشروع المرفأ بأنها تزيد من امكانات المرفأ بنسبة لا تقل عن 30 في المئة، من خلال الأرصفة الأربعة التي يشتمل عليها هذا الحوض، والتي كانت تستخدم سابقاً لاستقبال بواخر الخشب والمواشي الحية. وتوفر المرحلة الأولى من الخطة التطويرية حماية الأحواض، من خلال استكمال بناء حائط "مكسر الموج"، وهو حائط طوله 7 كلم لحماية السفن الراسية داخل الأحواض، أو تلك التي تنتظر خارجها من الأمواج الخارجية. وتبلغ كلفة المشروع 9 ملايين دولار. وتلحظ المرحلة الأولى انشاء الرصيف 15 في الحوض الرابع لاستقبال السفن العملاقة التي تزيد حمولتها عن 100 ألف طن بكلفة تصل الى 15 مليون دولار. كما تشتمل على مشاريع أخرى، مثل تبليط الأرصفة 12 و13 و14، التي بدأ تنفيذها في السبعينات وتوقف في فترات الحرب، وتبلغ كلفتها 13 مليون دولار. وتلحظ الخطة ايضاً مشروعاً لاقامة قاعة للمسافرين، خصوصاً الأفواج السياحية التي يمكن أن تزور لبنان عن طريق البحر. ويقول الوزير مسقاوي ان تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة سيجعل من مرفأ بيروت أحد المرافئ الأساسية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط من خلال الامكانات والتسهيلات التي يوفرها لشركات الشحن البحري، الأمر الذي من شأنه ان يعيد اليه جاذبيته التي فقدها في خلال السنوات ال 15 الماضية. إلا أن الوزير اللبناني لا يملك حتى الآن جواباً عن الصيغة المستقبلية التي ستعتمدها الحكومة في شأن ادارة واستثمار المرفأ وما اذا كانت الدولة تتجه الى اعطائه لشركة خاصة، على غرار ما كان عليه الوضع حتى العام 1990، عندما انتهت فترة امتياز "شركة ادارة واستثمار مرفأ بيروت" التي كان يرأسها الوزير الراحل هنري فرعون، ام ان الدولة تفكر في استعادة المرفأ لادارته واستثماره بشكل مباشر. وتقوم حالياً لجنة ادارة تضم 3 أشخاص بأعمال مجلس الادارة. ويقول مسقاوي ان مثل هذا القرار المطلوب لم تتخذه الحكومة بعد. إلا أن مصادر أخرى على صلة بالموضوع، قالت ان خلافات واسعة لا زالت تمنع حتى الآن الاتفاق على الصيغة المطلوبة، الأمر الذي يساهم في زيادة الخلافات التي شكلت الاضرابات العمالية الأخيرة في المرفأ أحد افرازاتها. وثمة صيغة ثالثة مطروحة لاعتمادها، ترمي الى تشكيل مؤسسة مستقلة تضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص، وتكون تحت وصاية المجلس الأعلى للنقل الذي يمكن أن يكون برئاسة وزير النقل، أو حتى رئيس الحكومة مباشرة. وينفي الوزير مسقاوي ان يكون للوضع الاداري والقانوني للمرفأ حالياً أي تأثير مباشر على تنفيذ المرحلة الأولى، مشيراً الى أن الجهة التي ستشرف على التنفيذ ستكون شركة أجنبية، هي "هيئة مرفأ مرسيليا" التي ستتولى المسؤولية الاستشارية للخطة بأكملها. أما المرحلة الثانية من خطة تطوير مرفأ بيروت، التي تمتد 7 سنوات اعتباراً من العام 1997، موعد انتهاء تنفيذ المرحلة الأولى، فلم تقر بعد بصورة تفصيلية ونهائية، اذ يقوم مجلس الانماء والاعمار بوضع الدراسات التفصيلية لها. إلا أن مشاريعها الأساسية، كما يلخصها الوزير مسقاوي، ستشتمل على اقامة الحوض الخامس، بطاقة استيعابية تعادل طاقة الحوضين الثالث والرابع مجتمعين، الأمر الذي من شأنه ان يضاعف طاقة المرفأ على استقبال مختلف أنواع السفن. وتقدر أكلاف هذا المشروع بحوالي 200 مليون دولار، بأسعار 1991، يمكن أن ترتفع الى 300 مليون دولار في نهاية السنوات الخمس المقبلة، وهو الموعد المتوقع ان يتم تحديده للمباشرة بالتنفيذ. اما المشروع الثاني المهم أيضاً، فهو احياء المنطقة الحرة، لكن وفق نظرة جديدة تتوافق والدور الذي تخطط له الحكومة لمستقبل المرفأ على الصعيد الاقليمي. وطبقاً للدراسات الأولية التي تم اعدادها حتى الآن، فان المنطقة الحرة التي سيصار الى اقامتها ستنتقل من حرم المرفأ، كما هي الحال الآن، الى منطقة مجاورة، تملك الدولة معظم عقاراتها، الى جانب ملكيات شخصية لا تزيد عن 30 في المئة من اجمالي مساحتها وهي منطقة الكرنتينا التي تضم في الوقت الحاضر مباني حكومية مهجورة في معظمها. ويقول الوزير مسقاوي ان المنطقة الحرة المقترحة ستصبح منطقة حرة صناعية وتجارية قادرة على اجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية التي تسعى الى دخول الأسواق المجاورة. ولم تتحدد بصورة نهائية الأكلاف التي يمثلها تنفيذ مشاريع المرحلة الثانية، الا ان تقديرات متطابقة تتوقع ان تكون الواردات المباشرة للمرفأ قادرة على تغطيتها من خلال الرسوم والعائدات التي سيحققها دخول توظيفات جديدة الى المنطقة الحرة. لقد استعاد مرفأ بيروت، حتى الآن، على رغم افتقاره الى التجهيزات الحديثة الكافية، ما كان عليه في العام 1974، وهو العام الذي يستند اليه كعام قياسي. وللمرة الأولى منذ 14 عاماً، تجاوزت حركته مستوى المليوني طن العام الماضي، كما ارتفع معدل الحركة الى 15 باخرة يومياً. ويعكس النشاط عودة متزايدة للتجار والمستوردين العرب الى استخدام المرفأ لاستيراد بضائعهم، خصوصاً الى سورية، والأردن الذي سجل أخيراً تراجعاً في وتيرة الحركة الى ميناء العقبة بسبب ما وصف باتجاه المستوردين الأردنيين الى التعامل مع مرفأ بيروت، وهو ما يحصل بالنسبة الى المستوردين السوريين الذين يتزايد عدد المتعاملين منهم مع المرافئ اللبنانية بصورة مضطردة. ويقول الوزير مسقاوي، ان لبنان سيكون قادراً على استعادة موقعه كباب الى الخليج ودول عربية أخرى في فترة قياسية، لكن شرط توفير الحد الأدنى من الاستقرار، ومن التجهيزات الحديثة والمحافظة على التسهيلات القائمة.