حرص السيد محمد سالم باسندوه وزير الخارجية اليمني، إثر مجيئه الى الوزارة مباشرة في حكومة الائتلاف الثلاثي في 30 أيار/ مايو الماضي، على وضع علاقات اليمن بجيرانها في مقدم مهمات وزارته، بوصفها المسألة الحيوية التي تحظى باهتمام خاص لدى القيادة السياسية وكبار المسؤولين في الجمهورية اليمنية. واستطاع باسندوه، في الشهرين الماضيين، ان يجسد هذا التوجه، وان يحرك الركود الذي شاب العلاقات اليمنية - الخليجية، طوال السنوات الثلاث الماضية، بما تميزت به هذه الفترة من زيارات ولقاءات متبادلة ومكثفة نسبياً، مثلت بداية الانفراج في اتجاه اعادة العلاقات الى طبيعتها. هذه اللقاءات وما سبقها ورافقها من تصريحات للوزير اليمني، فتحت قنوات جديدة للاتصال، واوجدت آلية مستمرة للحوار بفضل ما لقيته من تجاوب من قبل المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي. وطرحت من جهة موازية، كثيراً عن التساؤلات حول طبيعة الاتصالات الجارية وأعمال اللجان المشتركة التي شكلت ومستقبل الانفراج وعلاقته بما هو مطروح من المبادئ، اساساً للمصالحة العربية - العربية، وغيرها من التساؤلات أجاب عنها وزير الخارجية اليمني، في حديث شامل خصّ به "الوسط"، وتناول فيه ما يجري حالياً على هذا الصعيد وآفاق المستقبل، في موازاة الثوابت التاريخية لعلاقة اليمن بجيرانها. حققت لقاءاتكم مع المسؤولين في دول الخليج نجاحاً في ازاحة حال الركود في العلاقات اليمنية - الخليجية. في إطار هذه اللقاءات وما تضمنته من محادثات ما هي أبرز النتائج العملية لهذه اللقاءات، وتصوركم لمستقبل العلاقات في ضوئها؟ - كثيرة هي النتائج التي تمّ التوصل اليها مع معظم دول الخليج العربية التي جرت بيننا وبين قادتها أو المسؤولين فيها لقاءات، سواء في صنعاء أو في جدة أو في المنامة. غير أن أهم نتيجة تمخضت عن كل تلك اللقاءات، تتمثل في وجود رغبة مشتركة في استئناف العلاقات الاخوية الحميمة بالتدرج، مع تجاوز الجفوة التي وقعت من جراء أزمة الخليج الثانية، وتباين الاجتهادات حول سبل حل مشكلة الغزو العراقي لدولة الكويت. ولا شك في ان اللقاءات التي عقدت ساهمت في كسر الحواجز النفسية وتحقيق المصالحة. لكن عودة الحرارة المطلوبة الى العلاقات، تتطلب استمرار التواصل وتكرر اللقاءات المباشرة وتوالي تبادل الزيارات. ومع مرور الوقت، سيتحقق المزيد من التحسن في العلاقات باذن الله. ولا بد من هذا، لأنه من غير الممكن ان نكون بعيدين بعضنا عن بعض ونحن اخوة متجاورون، يربطنا تاريخ مشترك واواصر رحم وقومية واحدة وعقيدة واحدة. ومثلما تصبح اليمن أقوى بوقوف دول الخليج معها، فإن دول الخليج الشقيقة، تصبح هي الاخرى، اكثر قوة بتلاحم اليمن معها. وكلما ادركنا جميعاً اهمية هذه الحقيقة، احسسنا بحاجتنا بعضنا الى بعض وأسرعنا في تطوير علاقاتنا ايضاً وتعزيزها. وفي ضوء ما لمسته من ادراك عميق لهذه الحقيقة لدى من التقيتهم من الاشقاء، أستطيع القول ان الشهور والاعوام المقبلة ستشهد عودة العلاقات اليمنية - الخليجية الى أفضل مما كانت قبل شهر اغسطس آب 1990، تاريخ الغزو العراقي للكويت. مشكلة الحدود والعلاقات الى أي حد ترون، أن تميز العلاقات اليمنية - السعودية يمثل عاملاً مساعداً، في الدفع بها الى تجاوز حال الركود، وهل تعتبرون لجنة الحدود المشتركة في الوقت الحالي تمثل وسيلة في اتجاه هذه الغاية؟ - لا شك في ان خصوصية العلاقات بين اليمن والمملكة العربية السعودية، تفرض على البلدين الشقيقين والجارين، العمل معاً من اجل تعزيز التنسيق والتعاون في شتى المجالات. اما الركود الذي اعترى العلاقات بينهما في السنوات الثلاث الماضية، منذ آب اغسطس 1990، فيمكن القول انه تم تجاوزه بالفعل. ومع تسليمي بأهمية حل مشكلة الحدود لتحاشي حدوث خلافات من حين لآخر، ولخلق ظروف افضل، للإرتقاء بالتعاون والتلاحم بين الدولتين العربيتين المتجاورتين الى أعلى مستوى ممكن، إلا ان العلاقات بينهما كانت وثيقة ووطيدة، قبل تفجر أزمة الخليج الثانية التي نجمت، ويا للاسف، عن غزو العراقالكويت واحتلاله، على رغم ان مشكلة الحدود كانت موجودة. وعليه يتضح ان هذه المشكلة، لم تكن هي السبب في ما اصاب العلاقات اليمنية - السعودية من ركود وفتور وجفاء. هل تقصدون بهذا، استقلال مسألة العلاقات عن مشكلة الحدود؟ - أقصد بهذا ان بقاء مشكلة الحدود عالقة، ينبغي الا يحول دون تطبيع العلاقات وتطويرها. بل اعتقد بأن العلاقات بيننا وبين المملكة الشقيقة، كلما تحسنت وتطورت، ساهم ذلك في جعل حل مشكلة الحدود، أسهل وأيسر. وإذا كان مطلوباً البحث عن حل لمشكلة الحدود، الا أن هذا لا يعني ان يبقى تحسين العلاقات وتعزيزها رهناً بالتوصل الى اتفاق على مشكلة الحدود، ذلك لأن التوصل الى مثل هذا الاتفاق، قد يحتاج الى شهور او اعوام، وليس الى مجرد أيام. وليست لدينا اي نية لترك هذه المشكلة من دون حل، بل لا بد من انهائها بالتفاوض الاخوي المباشر في أقصر فترة ممكنة بإذن الله. أما لجنة الخبراء الفنيين المشتركة، فمهمتها تتلخص في تحديد الآلية المناسبة للتفاوض. فهي إذاً، لجنة اجرائية اكثر منها لجنة مفاوضات. والمهم في نظري، ان تسود روح الاخاء والرغبة الجادة والصادقة، في الاتفاق بين ممثلي القطرين الشقيقين والجارين، سواء في هذه اللجنة او في أية لجنة تكلف التفاوض، وان يكون رائدنا، ليس الكسب بقدر ما ينبغي ان نتوخى تحقيق اتفاق منصف وعادل للطرفين. فبين الاخوين، يجب الا يكون هناك خاسر وكاسب او غالب ومغلوب، وإنما يجب ان يراعي كل منهما مصلحة الآخر قدر مراعاته لمصلحته، واليمن والسعودية كل منهما تشكل العمق الطبيعي للاخرى. وكيف تعبرون عن الانطباع الذي خرجتم به من لقائكم مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ثم مع الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران، في ما يخص مسألة العلاقات الثنائية؟ وهل لمستم ان هذه المسألة تنتظر توافر عناصر محددة لها في إطار العامل او العنصر الزمني؟ - خرجت من اللقاءين مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ومع سمو الامير سلطان بن عبدالعزيز، بانطباعات جيدة عززت في نفسي الامل بحتمية زوال سحب الصيف العابرة التي كدرت اجواء العلاقات اليمنية - السعودية. لكن تحسن العلاقات الى المستوى المطلوب، قد يأخذ مداه لأنه لا يمكن ان يتحقق في يوم واحد، وإنما لا بد من ان يتم تدريجاً. والمهم في تصوري، هو ان تسير الاوضاع الى الامام باستمرار، وان لا تكون هناك عودة الى الخلف مطلقاً. من كل هذا، هل تتوقعون لقاءات على مستوى القمة، بين اليمن وجيرانها خلال هذا العام؟ - آمل ان يتم مثل هذه اللقاءات والزيارات، على مستوى القمة في أقرب وقت ممكن. لكنني لا استطيع التوقع الآن امكان حدوث أية زيارات او لقاءات قريبة قبل نهاية هذا العام ما لم يتم الاتفاق على عقد اي لقاء قمة في الشهور الباقية من هذه السنة. إنما لا شك في ان لقاءات القمة ستساهم كثيراً في دفع العلاقات الثنائية والجماعية، بين دول المنطقة قدماً الى الامام، على طريق التعاون والتنسيق والتلاحم. ما هو تفسيركم للموقف المتحفظ لبعض الاطراف وأثره في بداية الانفراج في العلاقات اليمنية - الخليجية عموماً؟ - قد تكون هذه الاطراف، لا تستطيع ان تنظر الى أبعد من مواطئ اقدامها، أو لا تعرف مصلحتها حق المعرفة. ومع ذلك لا أدري من تقصد بهذه الاطراف المتصلبة حيال الانفراج في العلاقات اليمنية - الخليجية. فمهما بلغ تصلبها - أياً كانت هذه الاطراف - فان تيار الانفراج سيجبرها حتماً مع مرور الوقت، على تعديل موقفها والسير في الاتجاه العام والسباحة مع التيار الجارف. مهمة اللجان المشتركة تشكلت أخيراً، لجان مشتركة، بين وزارتكم ونظيراتها في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، كيف تحددون المهمات العملية لهذه اللجان، وملامح البداية التي ظهرت حتى الآن؟ - مهمات هذه اللجان المشتركة، بين وزارة الخارجية اليمنية ووزارتي الخارجية في كل من سلطنة عمان ودولة قطر حتى الآن، لأنه لم تتشكل بعد لجان مماثلة مع بقية الدول الخليجية الشقيقة، هي التنسيق في المواقف، وتبادل وجهات النظر في كل القضايا ذات الاهتمام المشترك، والبحث في سبل تعزيز أوجه التعاون الثنائي. وملامح البداية تتمثل في وجود تفاهم على ضرورة توطيد العلاقات الثنائية، والعمل على التحضير لعقد اجتماعات دورية من حين لآخر، وتبادل الزيارات على مختلف المستويات، والسعي الى إحياء التضامن العربي من جديد على أسس صحيحة. اقترحتم في بعض كتاباتكم، لاستقرار العلاقات العربية - العربية مشروعاً يبدأ من الجامعة العربية في ضوء المستجدات الدولية، ما هي في تصوركم، أبرز أسس هذا المشروع وأبرز الثغرات في الميثاق الحالي للجامعة العربية؟ - أبرز الثغرات يكمن، في افتقار نظام العمل العربي القائم، الى طابع الالزام. واشتراط ميثاق الجامعة العربية توافر الاجماع في اتخاذ القرارات المصيرية الحاسمة، وعدم وجود آلية قضائية، تبت قضايا الخلاف أو النزاع بين الدول العربية بعضها مع بعض. وأرى وجوب إنشاء محكمة عربية عليا، لأحكامها صفة النفاذ، وذلك بتعاون الدول العربية في اتخاذ موقف موحد ضد أي دولة عربية ترفض ما يصدر عن المحكمة من أحكام في حقها. هل ترون ان اجتماع وزراء الخارجية العرب في إطار مجلس الجامعة العربية الذي انعقد اخيراً في دمشق حقق تضامناً عربياً أكثر مما كان متوقعاً له، وهل لمستم أنه جسد استراتيجية عربية، ام انه مجرد انعكاس آني لواقع العدوان الاسرائيلي على لبنان؟ - ما حدث من اجماع على مشروع القرار الذي طرح أمام المؤتمر الوزاري في دمشق، يعتبر خطوة مهمة على طريق عودة التضامن العربي، لكنها مجرد بداية مشجعة، إلا أنها غير كافية.