قد تتحول الانتخابات الرئاسية في ايران الى قضية مملة وباهتة مع مرور السنوات على عمر نظام الجمهورية الاسلامية. هذا الشعور اوجدته ظروف ما قبل الانتخابات الاخيرة التي حسمت كما كان متوقعاً للرئيس الحالي علي اكبر هاشمي رفسنجاني، لأنه في الواقع لم يواجه مرشحين اكفاء. ومع ذلك فان استمرار التمسك بمبدأ ولاية الفقيه والدور الذي يلعبه مرشد الثورة في السيطرة على مشاعر اتباعه، مكّن الانتخابات الرئاسية الاخيرة من تخطي أخطر العقبات التي كان من الممكن ان تواجهها، وهي لا مبالاة الناخبين. وبالفعل لولا بعض الخطوات العملية التي رافقت الاستعدادات لاجراء الانتخابات الماضية، لاصبحت ايران على المحك تماماً امام خفوت بريقها وتحول الحشود البشرية التي كانت تعتمد عليها في كل مراحلها السابقة الى اللامبالاة، ان لم نقل اصطفافها خلف معارضي النظام. فقد مرت ايران في عهدها الجديد بثلاث مراحل رئيسية ميزتها: الثورة، والحرب مع العراق، وأخيراً مرحلة اعادة البناء. وفي كل تلك المراحل كانت الحشود البشرية الظاهرة الابرز، لذلك يمكن اعتبار نتيجة الانتخابات الرئاسية التي انتهت عملياً يوم الجمعة الماضي، بفوز الرئيس رفسنجاني بأغلبية مطلقة من اصوات الناخبين، بمثابة استفتاء على برامج رفسنجاني الاصلاحية وما يسمى في ايران بالاعمار واعادة البناء. وليس خافياً ان مجرد تقديم موعد الانتخابات ليتزامن مع الاحتفال باحياء ذكرى وفاة الخميني الذي قاد الثورة وأسس نظام الجمهورية الاسلامية الجديد، حمل في دلالاته اتجاهاً عملياً لتسخين حركة الانتخابات واعطائها "الحمى الانتخابية" التي كانت تفتقدها لأسباب كثيرة، منها وطأة الضغوط الاقتصادية على الناخب، وصراعات الاجنحة الايرانية على مراكز النفوذ والسلطة، والشعارات التي اعتاد زعماء الاجنحة المتصارعة اطلاقها من دون ان تجد طريقها الى التنفيذ. وكان واضحاً ان يوم الجمعة الذي سبق توجه الناخبين الى صناديق الاقتراع كان الاكثر تأثيراً في حسم نتيجة الانتخابات بالشكل الذي انتهت عليه. فامام ما يقرب من مليون شخص احتشدوا عند مقبرة "جنة الزهراء" لاحياء ذكرى الخميني وخطب فيهم مرشد الثورة آية الله خامنئي المعروف، قبل تبوئه منصبه، بقدرته على تحريك مشاعر الجماهير، مذكراً بأيام مؤسس الجمهورية الاسلامية وداعياً الى المشاركة في الانتخابات. ووسط الهتافات الجنائزية والشعارات الحماسية التي اصطبغت بذكريات احداث الثورة المريرة ووقائع الحرب، قال خامنئي ان البقاء على نهج الامام يعني التوجه الى صناديق الاقتراع. ومن جهته استعان رفسنجاني بأبناء الخميني لتأكيد سلامة نهجه وخطه وتنشيط عملية الاقتراع لصالحه. وقال احمد الخميني وشقيقته زهراء ان برامج الاصلاح تنسجم مع خط وأفكار والدهما الراحل. وذهب احمد الخميني الى ابعد من ذلك حين قال في خطاب جماهيري القاه عند قبر ابيه انه سيدلي بصوته لصالح الرئيس رفسنجاني. وبعد ذلك طلعت الجماعات والمؤسسات الدينية ببيانات تحض على اعادة انتخاب رفسنجاني. وراحت الصحف على اختلاف مشاربها تتبارى في نشر الاعلانات والبيانات الموقعة من كبار زعماء المؤسسة الدينية والشخصيات السياسية المعروفة داعية للتصويت لصالح رفسنجاني. وفي غمرة تلك الدعاية "الساخنة" لم يجد اقطاب الجناح الذي هزم في الانتخابات البرلمانية العام الماضي الا المشاركة، وقال بعضهم انه صوّت لصالح رفسنجاني على رغم تحفظاته على برنامجه الاقتصادي. آية الله عبدالكريم موسوي اردبيلي رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق، وآية الله مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق كانا من بين الذين ادلوا بأصواتهم لصالح الرئيس. وعلى رغم الانتقادات التي ما انفكت صحيفة "سلام" الناطقة بلسان الجماعة المذكورة توجهها لبرامج رفسنجاني فانها دعت قراءها للادلاء بأصواتهم لمن يرغبون من المرشحين "وان لا يكتفوا بالمشاركة ببطاقات فارغة"، وهي دعوة، خجولة لانتخاب رفسنجاني. اذن انتهت الانتخابات بفوز رفسنجاني لفترة رئاسية تستمر اربع سنوات اخرى. وقد وعد رفسنجاني ناخبيه بتنفيذ شعاراته الانتخابية، وقال في آخر خطاب دعائي له يوم الاثنين الماضي ان عدد الاصوات التي سيحصل عليها سيمكنه من تجاوز الصعوبات الداخلية وحل معضلة علاقات ايران الخارجية. ولكن هل سيتمكن الرئيس من تحقيق ذلك؟ يقول انصار الاصلاح الاقتصادي ان رفسنجاني هو رجل يصلح لكل الفصول، لكنهم لا يستطيعون الجزم بأنه سيتمكن من تحسين اداء الاقتصاد الايراني وتطوير علاقات ايران الخارجية. وقال احدهم "ان القضيتين مرتبطتان الواحدة بالاخرى، وكلما اراد الرئيس تجاوز عقبة ظهرت عقبة اخرى أصعب من سابقتها". وأشارت اوساط مقربة من ادارة رفسنجاني الى تطور علاقات ايران الخليجية وسعي الرئيس الى بناء علاقات ثقة متينة مع دول الخليج العربية، وقالت انها تعتقد بوجود اصابع تعمل على تخريب علاقات ايران الخليجية "وذلك يؤثر بالتأكيد على حل المشكلة الاقتصادية ويعرقله". ووصف مسؤول ايراني كبير التفجيرات السياسية التي ترافق بروز تحسن ما في علاقات ايران الخارجية بأنها من صنع عصابات المافيا السياسية "التي لا ترتاح لاستقرار ايران وعلاقاتها الخارجية". وتتوقع اوساط مطلعة في طهران ان تشهد مرحلة ما بعد اعادة انتخاب رفسنجاني جدلاً بينه وبين البرلمان على اسماء اعضاء وزارته. وذكرت تلك الاوساط لپ"الوسط" ان رئيس البرلمان حجة الاسلام ناطق نوري حصل على تأييد غير محدود من زعماء الحوزة العلمية في قم، على رأسهم آية الله فاضل لنكراني في المواجهة المقبلة بين البرلمان ورفسنجاني. وعلمت "الوسط" ان ناطق نوري عقد مؤخراً اجتماعاً مع لنكراني في قم وصفته الاوساط المطلعة بأنه كان على قدر كبير من الاهمية لأنه خصص لمناقشة دعم عدد من رجال الدين للبرلمان في ممارسة "حقه" امام الرئيس في المرحلة المقبلة. صحيفة "كيهان" التي تصدرها اكبر المؤسسات الصحفية في ايران انتقدت عمل البرلمان خلال السنة الماضية من عمره لأنه عجز عن مساءلة عدد من الوزراء وقالت ان على البرلمان في المرحلة المقبلة ممارسة حقه بشدة. ان امام الرئيس رفسنجاني صعوبات في الداخل والخارج، لكن الاصوات التي منحت له تشكل اختباراً لقدرته على تجاوز تلك الصعوبات.