تمكنت وكالة الفضاء الأميركية ناسا من تحويل خيال الفنان بات رولينغز ورحلاته الفضائية المرسومة والمجسمة خلال السنين الماضية الى حقائق واقعة. كما أنها حققت أحلامه الهندسية والتكنولوجية الخاصة بالمحطات الفضائية والأقمار الاصطناعية ومختبرات الأبحاث والانشاءات الأخرى بمهارة ودقة عكست نبوغه وبعد نظره في ما يختص برحلات الفضاء الاستكشافية فوق القمر والكواكب السيارة الأخرى، والمعروف عن رولينغز انه فنان عالم عُرف ببراعته بالتنبؤ بالأحداث وترتيبها بأسلوب يسهل استيعابه ويمكن تنفيذه. مع بروز النظام العالمي الجديد انصرفت المجموعة الدولية المهتمة برحلات الفضاء وأبحاثه الى السعي جاهدة للاستفادة من الامكانات الهائلة والموارد الفنية التي يمكن أن يوفرها الفضاء الخارجي للبشرية. وعلى الرغم من تنافس تلك الدول إلا أنها تتطلع دائماً الى هدف مشترك. فالقواعد القمرية تشكل نقطة الانطلاق لاستكشاف كوكب بلوتو أبعد الكواكب السيارة عن الشمس وآخر حدود النظام الشمسي التي لم يتم استكشافها حتى الآن. وسيتمكن الانسان في بداية القرن الواحد والعشرين من تحقيق ذلك بتكلفة ضئيلة نسبياً، وذلك باستغلاله المعدات الثقيلة المتوافرة حالياً من برامج الأبحاث السابقة وتطبيق التكنولوجيا الفضائية الحديثة بشكل يسمح بإنشاء مركبات فضائية اقتصادية خفيفة تطير بسرعة هائلة توصلها الى كوكب بلوتو واجوائه داخل مدار نبتون. لذا يفكر المسؤولون والعلماء في وكالة الفضاء الأميركية ناسا باستخدام صواريخ صغيرة مثل بيغاسوس Pegasus للقيام بمهمات الاستكشاف الفضائية المحدودة بدل الاعتماد على الصواريخ الضخمة. إن صواريخ القرن الواحد والعشرين لا بد أن تكون مجهزة بتكنولوجيا حديثة توفر لها دفعاً نفاثاً قوياً للدخول في المدار الفلكي بتكلفة ضئيلة بدل الاعتماد على المعززات النفاثة القابلة للنفاذ مثل التي تستخدم حالياً في برامج الفضاء. كما أن المحركات الكبيرة الفعالة وقطع الغيار المعايرة وعمليات الاطلاق المبسطة ستمكن الانسان من تخفيض النفقات وتحقيق رؤيا التنمية الفضائية المستقبلية التي لا يمكن تجاهلها أو التهاون في انجازها نظراً لما يمكن أن توفره للأجيال المقبلة. منذ أواخر الخمسينات والأقمار الاصطناعية تلعب دوراً هاماً في حياة الانسان الاجتماعية فهي تنقل اليه البث التلفزيوني من حول العالم وتطلعه على آخر الأخبار والتطورات السياسية والاقتصادية. كما أنها تراقب التغيرات الجوية والمناخية وتحدد مواقع الأعاصير والفيضانات والأضرار الزراعية وتحركات الجيوش والمعدات الحربية، كما حصل خلال حرب الخليج، وذلك عن طريق نظام رصد المواقع العالمية للأقمار الاصطناعية. ويمتاز هذا النظام التقني بقدرته الفائقة على تحديد المواقع والأشخاص من على بعد آلاف الأميال فوق سطح الأرض وبامكانه دراسة الطبقات الجيولوجية لقشرة الأرض بحيث يكشف مواقع تخزين الوقود مثل الزيوت والبترول، وكذلك المياه الجوفية المختزنة في بقاع مختلفة من العالم. وما زال علماء في وكالة ناسا يخططون مسبقاً للقيام بمزيد من الرحلات الاستكشافية بغية دراسة نظام جوفيان الفلكي والاجابة عن بعض التساؤلات المحيّرة الخاصة بانفجار البراكين والهزات الأرضية والقوى الدافعة لها من كوكب جوبيتر التي تولد براكين هائلة مثل بركان ماوي في جزر هاواي الذي يقذف مواده الكبريتية الذائبة الى علو 170 ميلاً فوق سطح الأرض. ولم يهمل الفنان بات رولينغز المخاطر والكوارث التي قد يتعرض لها رواد الفضاء أثناء رحلاتهم القمرية فجسد بعض رسوماته الاجراءات الطارئة التي يترتب عليهم اتخاذها في حالة اصابتهم بكسور أو رضوض أثناء قيامهم بأعمال انشائية وتقنية فوق سطح القمر. وشملت رسوماته أيضاً المستشفيات المتحركة والأجهزة الطبية المتطورة التي يمكن حملها ونقلها بسهولة من أجل تشخيص الحالات المرضية وتحديد مدى خطورة الاصابة. وتجدر الاشارة الى أن الاشعاع الأزرق المنعكس عن الكرة الأرضية فوق سطح القمر يفوق الاضاءة القمرية أثناء الليل بأكثر من 70 مرة، ويمتاز ببرودته وخلوه من الوهج الحراري الشديد الموجود بأشعة الشمس، ما يساعد رواد الفضاء ومن يرغب في العيش هناك على القيام بالأعباء اليومية بحيوية ونشاط. الأهمية الطبية لأبحاث الفضاء تساهم أبحاث الفضاء في تفسير بعض الألغاز الطبية التي يصعب كشفها فوق بيئة الأرض. فهي قادرة على تحديد أسلوب رد الفعل الحيوي المسؤول عن ضبط ضغط الدم في الجسم. وقد تفسر الاستجابة الفيزيولوجية أسباب وفاة بعض الناس بعد فترة وجيزة من اصابتهم بالنوبات القلبية. وكانت وكالة ناسا الفضائية أطلقت مختبرها الفضائي عام 1991 لمعرفة كيف يمكن للناس أن يعملوا ويعيشوا بنشاط وحيوية في الفضاء الخارجي وماهية تأثير الأجواء وانعدام الجاذبية على صحة الانسان. وعلى رغم ان رواد الفضاء يمكنهم التأقلم جيداً مع انعدام الوزن، فإن المشكلة تبدأ عند عودتهم الى اجواء الكرة الأرضية حيث يواجهون قوى جاذبة تصل الى ثلاثة أضعاف قوة جاذبية الأرض، فيؤدي ذلك الى هبوط ضغط دمهم بصورة درامية والى اصابتهم بالدوران والاغماء في المرحلة الحرجة من هبوط المركبة الفضائية. وقد لاحظ البروفسور دوين أكبرغ أستاذ الطب والفيزيولوجيا في كلية طب فيرجينيا الأميركية، ان مُستقبلات الشريان السباتي الموجود في رقاب رواد الفضاء، تساعد على قياس مدى اتساع جدران ذلك الشريان من خلال إرسالها إشارات موجهة الى الدماغ تنبهه فيها من ارتفاع ضغط الدم حتى يقوم بتخفيض سرعة خفقان القلب للمحافظة على توازن الضغط. إلا أن الانعكاسات الفيزيولوجية لرواد الفضاء تصاب بالعطب فلا تهبط سرعة خفقان القلب نتيجة لارتفاع ضغط الدم. ويبدو أن هذا العامل يفسر هبوط ضغط دم رواد الفضاء عند عودتهم الى الأرض. لهذا يعتقد البروفسور أكبرغ أن تعطل الانعكاسات يفسر السبب في وفاة بعض الناس بعد فترة وجيزة من اصابتهم بالنوبات القلبية، حيث يموت العديد منهم في الأيام العشرين الأولى التي تلي الاصابة. ويحاول حالياً فريق دولي توضيح الدور الذي تلعبه المستقبلات العصبية في بقاء الناس أحياء بعد الاصابة بالنوبات القلبية. ويؤكد الدكتور أكبرغ على أن الأبحاث الفضائية قد ساهمت في توفير أدلة قيمة لا يمكن للأطباء والباحثين الموجودين فوق سطح الأرض أن يدركوها. فرواد الفضاء أصيبوا بالأعراض خلال يومين من وجودهم في الفضاء الخارجي ثم استعادوا عافيتهم بعد العودة الى الأرض. وفي دراسة أخرى لاحظ الدكتور كلارنس ألفروي من كلية طب بايلور في تكساس بالولايات المتحدة الأميركية ان جسم الانسان يتوقف عن انتاج كريات الدم الحمراء فور خروجه من أجواء الكرة الأرضية وتجاوزه حقل جاذبية الأرض. وقد انخفض حجم كريات الدم الحمراء عند رواد الفضاء بنسبة 11 في المئة خلال 9 أيام من رحلة مختبر الفضاء. ويبدو أن انعدام جاذبية الأرض يؤدي الى تجمع الدم بطريقة خادعة تدفع الجسم للاعتقاد بأن هناك كمية كبيرة من الدم تستدعي توقفه مباشرة عن انتاج المزيد من كريات الدم الحمراء. فقد لاحظ الدكتور ألفروي وجود كميات ضئيلة جداً من هورمون Erythropoeitin المصنوع في الكلى والمسؤول عن انتاج كريات الدم الحمراء داخل أجسام رواد الفضاء. ومن المتوقع أن تطأ قدم الانسان سطح كوكب المريخ أوائل القرن الواحد والعشرين، ما دفع العلماء الأميركيين والروس الى القيام بتجارب جديدة واسعة على أنواع متطورة من العربات الآلية التي يمكنها السير فوق سطح المريخ ويمكن مراقبتها والتحكم بها عن بعد بواسطة المحطات الفضائية القمرية. وانهمكوا بتطوير محركات صاروخية تعمل بالدفع الحراري النووي للوصول الى القمر ومن ثم الانطلاق بها مرة أخرى باتجاه كوكب المريخ بقصد مساعدة البشر على الانتقال مستقبلاً بين الكواكب الثلاثة وذلك للاستفادة من الثروة الفضائية الهائلة التي لم يتم اكتشافها واستغلال مواردها حتى الآن.