جولييت بينوش ممثلة فرنسية شابة اشتهرت بعدما عملت مع السينمائي الكبير اندريه تشينيه في فيلم "موعد"، ثم استمرت في الصعود على سلم النجاح بأفلام جيدة وصعبة تحت اشراف جان لوك غودار وغيره من المخرجين اللامعين، الى ان جاء في العام 1988 فيلم "سطحية المرء التي لا تحتمل" للاميركي فيليب كوفمان، الذي فتح امامها ابواب السينما العالمية. ومنذ ايام فازت جولييت بينوش بجائزة "فيليكس" في المانيا كأفضل ممثلة اوروبية للعام 1992 وذلك عن دورها في فيلم "عشاق الجسر الجديد". وبهذه المناسبة التقتها "الوسط" وحاورتها حول حياتها المهنية والشخصية وكان التحقيق الآتي: اشتهرت جولييت بينوش بطريقة ادائها المميزة في السينما، فهي تعبر عن المشاعر المختلفة التي تشعر بها شخصيتها الروائية حيث تجسدها دون اي مبالغة في الكلام او الضحك او البكاء. وهذا لا يمنع من وصول المشاعر بشكل فعال الى المتفرجين، لان الشيء الاول الذي ينبع من شخصية جولييت هو الحس المرهف الممزوج بقدرة هائلة على جذب عين الكاميرا وخطف انتباه المتفرج عن اي عنصر آخر، بشري او مادي، قد يحيط بها في لقطة سينمائية ما. فمن الواضح ان العطاء الكامل هو سبيل جولييت في مهنتها، لكنها اثبتت عبر تصرفاتها ان حياتها الخاصة تخضع ايضاً للاسلوب نفسه، اذ انها سيطرت على اختياراتها المهنية في اكثر من مناسبة. وجولييت هي في الحياة، خطيبة السينمائي الفرنسي الشاب ليوس كاراكس، صاحب الفيلم الصعب جداً "عشاق الجسر الجديد" الذي دام تصويره ثلاثة اعوام كاملة بسبب تنازل منتجيه عن تمويله اثر ما اطلقوا عليه "جنون المخرج" في نظرته الى الامور ورغبته في بناء ديكور باريسي ضخم، وسط مدينة مونبللييه الريفية، بملايين الفرنكات. وكانت جولييت هي بطلة الفيلم وساندت خطيبها في كل خطوة في كفاحه لتنفيذ فيلمه، رافضة العروض المغرية الفرنسية والاميركية التي تلقتها طوال ثلاث سنوات، بالمشاركة في افلام كبيرة وجيدة، وكانت النتيجة فوزها بجائزة "فيليكس" الالمانية كأفضل ممثلة اوروبية للعام 1992عن دورها في هذا الفيلم. وعندما التقيناها بدت خجولة مضطربة كما في افلامها ومنتبهة الى ابعد حدّ للاسئلة الموجهة اليها، التي بدأناها كالآتي: العثور على دور اميركي من الصعب على ممثلة فرنسية، عامة، العثور على ادوار في افلام اميركية. كيف تحققين انت هذا الانجاز؟ - لو كان سؤالك يخص فيلمي الاخير "أضرار"، فألفت انتباهك الى كون مخرجه هو الفرنسي لويس مال، فربما يكون فضل اختيار فنانة من بلده لاسباب وجدانية، الا تعتقد؟ لا اعتقد ان المنتجين والموزعين الاميركيين يتأثرون بالميول الوجدانية لاي مخرج الا اذا كان عنصر الربح التجاري المصطحب بالجودة الفنية هو محرك هذا الوجدان، ثم انك عملت مع مخرجين اميركيين سابقاً. ما رأيك؟ - أعرف ان الاميركيين يقدرون لويس مال الى درجة كبيرة ويحترمون رأيه، فلا شك انهم منحوه ثقتهم في اختيار ابطال فيلمه. وبالنسبة الى عملي سابقاً مع فيليب كوفمان او اختيار ايليا كازان لي لبطولة فيلمه فلا استطيع تفسير الامر، وكل ما اعرفه هو اني اتسلم العروض الاميركية والفرنسية وادرسها بالعناية نفسها قبل ان اوافق عليها او ارفضها. فالمهم عندي ليس جنسية الفيلم ولكن مضمونه. ما هو مضمون فيلم "أضرار" الذي يعرض حالياً في فرنسا تحت عنوان آخر هو "قاتل" فاتال؟ - أفضل الا احكي تفاصيل الفيلم لاني لست موهوبة في سرد السيناريوهات بقدر ما اجيد اداء دوري فيها. والاحسن هو مشاهدة العمل وتكوين فكرة شخصية عنه تبعاً لذلك. كل ما استطيع البوح به هو ان الفيلم يروي حكاية حب قاتلة، مسمومة ومليئة بالاضرار بين رجل خمسيني وامرأة تصغره بحوالي 25 سنة. وانا مستعدة للكلام عن ظروف التصوير اكثر من سرد المواقف في حد ذاتها تبتسم. تعبير داخلي وخارجي انت مثلت الى جوار جيريمي ايرونز احد اكبر المممثلين العالميين حالياً والفائز بجائزة الاوسكار الاميركية كأحسن ممثل عن دوره في "انقلاب الحظ" او "سر فون بولو". كيف عشت هذه التجربة؟ - توقعت منذ البداية ان تكون التجربة صعبة الى حد ما، لاني سمعت عشرات المرات ان النجوم الاميركيين يخافون العمل مع الاجانب وبخاصة اذا كانوا لا يعرفونهم. ومن ناحيتي كنت اعرف ايرونز مثل كل الناس عبر افلامه واقدره كفنان كبير. والذي حدث هو ان الايام الاولى من التصوير لم تكن ايجابية جداً من حيث جو العمل، رغماً عن قضائنا اكثر من شهر كامل في التدريب قبل بدء العمل الفعلي. وفهمت في ما بعد ان جيريمي ايرونز لم يكن اعتاد اداء الادوار العنيفة، فكان يخاف بعض الشيء اللقطات القوية التي تدمج بين الحب والدراما. واضافة الى ذلك لم يعرفني ابداً ووجد ان ادائي يتميز بنوع من التعبير الداخلي اكثر من اللازم، على عكس ما يحبه هو، أي التعبير الخارجي. ونصحه المخرج لويس مال بمشاهدة احد افلامي حتى يكون لنفسه فكرة عن طريقة ادائي كما تبدو فوق الشاشة، فوافق ايرونز وراح يشهد "موعد" لاندريه تشينيه، واقتنع حسب ما قاله بصلاحية اسلوبي في الاداء بعدما لاحظ الفارق بين ما افعله في الطبيعة ونتيجة ذلك فوق الشاشة من حيث التأثير على مشاعر المتفرج. ساد الاتفاق عملنا في ما بعد، انا وجيريمي ايرونز، لكني اعتقد ان العلاقة بين المخرج وجيريمي ظلت اصعب من تلك التي نشأت بيني وبين كل واحد منهما. فلويس مال يعرف ما يريد الوصول اليه كمخرج ويرفض تدخل الممثلين في عمله الا في اطار ادوارهم. وجيريمي مثل العدد الاكبر من الممثلين الكبار في اميركا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وذلك في كل مشهد، مما اثار اعصاب لويس مال في مرات عديدة الا ان مصلحة العمل تغلبت على هذه التفاصيل في النهاية ودار التصوير في جو جيد. انت رفضت العمل في اعمال كثيرة لمجرد الاستمرار في مساندة المخرج ليوس كاراكس طوال فترة تنفيذه فيلم "عشاق الجسر الجديد". هل يمكن اعتبار المسألة شجاعة ام تهوراً؟ - انا عانيت من موقف اهل السينما تجاهي طوال فترة العمل في "عشاق الجسر الجديد"، فالوسط السينمائي ينظر الى كاراكس وكأنه قد قدم من كوكب آخر لمجرد انه يرفض الخضوع الى القواعد التجارية المفروضة. فالهامشية صارت الآن جنوناً وهذا ما يثير غضبي خاصة اني لا انظر شخصياً الى ليوس كاراكس كمخرج هامشي، بل كمخرج يرغب في اتقان عمله وتنفيذ افلامه كما يخططها في رأسه وليس كما يحبها اهل شركات الانتاج وهم وراء مكاتبهم. إن أي فيلم في النهاية يحمل اسم مخرجه، وكم من مخرج في ايامنا هذه يبيع نفسه للمنتجين لمجرد ان يحقق امله في توزيع فيلمه في الاسواق. وما فعله ليوس كاراكس هو الصمود والمثابرة الى ان عثر على الامكانات اللازمة من اجل تصوير فيلمه طبقا لرؤيته الاساسية، ورفض التنازل عن مشروعه بعدما ابتعدت عنه الشركة المنتجة الاصلية، واستغرق الامر ثلاثة اعوام لكن المهم هو ان الفيلم موجود الآن وبالشكل الذي اراده مخرجه. هل كان من المفروض ان ابتعد عن فيلم وافقت على المشاركة فيه في اول الامر؟ لو كنت اقدمت على هذا التصرف لكان الامر تعارض تماماً مع ابسط القواعد التي اتبعها في الحياة. فأنا لا اخوض اي تجربة الا بعد الموافقة الكلية على مضمونها. وانا كنت مقتنعة بمشروع الفيلم وبنظرة ليوس كاراكس إليه، فلم استطع رفض العمل فيه لان هذا السينمائي اللامع او ذاك راح يعرض عليّ في الوقت نفسه، مشروعه الجديد. لقد كمنت سعادتي في المشاركة كممثلة في "عشاق الجسر الجديد"، فالمسألة اذن ليست شجاعة وتهوراً بل مجرد انانية، للرد على سؤالك بالتحديد. هل حققت طموحك حتى الآن عبر ادوارك الدرامية؟ وبالتالي الا ترغبين في خوض تجربة الكوميديا في يوم قريب؟ - لا شك في اني اود خوض اكبر عدد من التجارب في حقل مهنتي كممثلة، وربما اكون فنانة فكاهية ممتازة لا يدري بها احد حتى الآن. والواقع اني شاركت مرة واحدة في بداية حياتي الفنية في عمل كوميدي عنوانه "صهري قتل اختي" من اخراج جاك روفيو ومن بطولة ميشال سيرو وميشال بيكولي. لم ينجح الفيلم تجارياً، لكني تعلمت الكثير من وراء احتكاكي مهنياً بفنان مثل ميشال سيرو. فهو الآن اكبر ممثل فرنسي في الساحة الفنية الباريسية سواء في السينما او المسرح. لكن دوري في "صهري قتل اختي" لم يكن فكاهياً في حد ذاته، بل كان يدخل في اطار حبكة كوميدية وبوليسية في آن. وما اتمناه هو العثور على دور فكاهي يسمح لي بإضحاك الجمهور بموهبتي الشخصية، لكن مستوى الكوميديا في فرنسا في الوقت الحالي لا يعجبني اذ اني لا اعثر فيه على اي شيء جديد. ربما ان هناك نقصاً في المواهب من ناحية المؤلفين في الجيل الجديد. وفي ما يتعلق بطموحي كممثلة، فلا استطيع التأكيد بأني حققته حتى الآن رغم سعادتي بالادوار التي مثلتها، فأنا اريد اكثر واكثر وهذا شيء طبيعي، والا توقفت عن العمل وبحثت عن مهنة ثانية. ولا اعتقد اني سأحقق طموحي بشكل كلي ابداً بما اني سوف ابحث دائماً عن اثارة اكبر وتحدٍ من نوع جديد. انا حصلت على جائزة احسن ممثلة شابة منذ ثلاث او اربع سنوات، وحملت الجائزة اسم الراحلة رومي شنيدر. فأتذكر سعادتي في لحظة تسلمي هذا التقدير، ليس لاني حققت طموحي كأحسن ممثلة، فهذا الامر لم يهمني ولا يزال لا يهمني على الرغم من فوزي منذ ايام بجائزة فيليكس لافضل ممثلة في اوروبا، بل لاني حملت شهادة تحمل اسم الممثلة التي طالما احببتها وحملت ذكراها في قلبي. وانا لا اعتقد ان السينما الفرنسية ستعثر في يوم ما على من تحل مكان رومي شنيدر فوق الشاشة. ماذا عن المسرح في حياتك الفنية؟ - حاله حال الكوميديا، جربته وانتظر الآن العروض الجيدة التي قد تأتيني من ناحيته. وعندما يحدث ذلك سوف اضحي بكل المشروعات السينمائية حتى الممتازة منها، لاخوض تجربة مثيرة فوق الخشبة سواء كان ذلك في فرنسا او الولاياتالمتحدة الاميركية او اي مكان في العالم.