كيف تعيش اثيوبيا في ظل رئيسها الحالي مليس زيناوي 42 سنة الذي تسلم الحكم بعد سقوط نظام الرئيس الماركسي منغستو هيلا مريام وفراره الى الخارج في ايار مايو 1991؟ اثيوبيا هادئة اليوم بعد سنوات طويلة شكلت خلالها بؤرة توتر في منطقة القرن الافريقي. لكن البعض يقول ان هدوء اثيوبيا هو من النوع الذي يسبق العاصفة، اذ بدأت المشاكل والصراعات بين القوى وفصائل الثوار التي يعتمد عليها الحكم الحالي. الحوار الخاص الذي أجريناه مع الرئيس الاثيوبي في مكتبه في قصر الحكم امتد ساعتين وربع الساعة وتناول مختلف القضايا المطروحة في الساحة الاثيوبية. وقال لنا الرئيس زيناوي ان "الوسط" هي اول مجلة عربية يدلي اليها بحديث خاص. وكان السؤال الاول الذي طرحناه على الرئيس الاثيوبي. ماذا حقق الحكم الحالي للشعب الاثيوبي منذ توليكم الرئاسة قبل سنة و3 أشهر؟ أجاب: - بدأنا عهدنا بميثاق وقعته كل الفصائل الثورية التي انتصرت على حكم "الدرك" واحتوى الميثاق على عناصر سياسية واقتصادية، ففي الجانب السياسي حولنا البلد من حالة الحرب الى حالة السلم وهذا لم يكن سهلاً بالنسبة الى بلد عانى من الحرب ثلاثين سنة، منها سبع عشرة سنة مع نظام منغستو، ولهذا فانني اعتبر ان وقف الحرب وتحقيق السلام والامان لكل مواطن اثيوبي ومنح الحرية والديموقراطية للناس لتتكلم وتعبر عن نفسها بتكوين الاحزاب والتنظيمات والصحف والمشاركة النيابية، اعتبر ان هذا من أكبر الانجازات. هل تمضي المسيرة الديموقراطية كما خططتم لها ويشارك الجميع في الانتخابات؟ - هناك بعض المشاكل ولكنها لم تؤثر على مشاركة الاغلبية، والاستقرار يزيد يوماً بعد يوم لقد كاد المواطن الاثيوبي ان ينسى معنى الحرية والمشاركة الديموقراطية واصلاحاتنا السياسية وصلت الآن الى حد تسليم السلطة لممثلي الشعب بعد الانتخابات المحلية وانشأنا الاجهزة التنفيذية للحكومات الاقليمية وستبدأ نشاطها قريباً جداً، وقد حددنا في الميثاق العلاقة المثالية بين الاقليم والمراكز، وسنطبق النظام الفيدرالي بطريقة سليمة وديموقراطية. هل تتوقعون نجاح التجربة الديموقراطية لشعب فقدها عشرات السنين، ويعيش حالة من الفقر اصبحت مضرب مثل؟ - أنا لا أؤمن بالرأي الذي يحرم الفقير من الحرية السياسية لأنه فقير معدم، ونحن نعترف بالمشكلة الاقتصادية ونعمل على حلها بالقدر نفسه الذي واجهنا به المشكلة السياسية، وقد وضعنا برنامجاً للإصلاح الاقتصادي وإعادة التأهيل والتنمية ونفذنا جزءاً من الاصلاحات والجزء الآخر في الطريق، وقد تأثر اقتصادنا بالحرب ونعمل للحصول على مساعدات خارجية للمساهمة في تنفيذ برنامج الاصلاح. هل تحصلتم على عون خارجي؟ - للأسف المساعدات الخارجية ضعيفة للغاية وتوجد وعود ولكننا لن ننتظر، فقد قررنا الاعتماد على انفسنا وقدرات بلدنا وشعبنا، ولن نقبل لأحد ان يتدخل في شؤوننا كما أننا قررنا الا نتدخل في شؤون الآخرين. ما هي تقديراتكم لحجم الدمار الذي أصاب بلادكم؟ - لم نجد احصاءات دقيقة ولك ان تتصور بلداً في حالة حرب منذ 30 سنة. ونقدر الدمار بعشرات المليارات من الدولارات ولكنه دمار كبير وهائل واشتمل على كل نواحي الحياة في اثيوبيا ووصل حال البلاد لهذا المستوى بعد ان كانت من الدول الرائدة والمؤسسة في القارة. وساطة كارتر هل لعلاقاتكم الخارجية أثر في ضعف استجابة العالم لدعمكم؟ - لا أعتقد لأن علاقاتنا الخارجية تقوم على اساس المحبة والصداقة والاحترام للجميع وحل كل المشاكل السابقة وعدم التدخل في شؤون الغير، وحالياً علاقاتنا حسنة مع كل دول العالم من دون استثناء وهذا وضع نحن سعداء به بالمقارنة مع علاقات منغستو بالعالم والجيران. ربما تكون علاقاتكم جيدة بجيرانكم لأنكم الوضع البديل لمنغستو، ما تعليقكم؟ - هذا صحيح نسبياً، فكل جيراننا احسنوا استقبالنا لأنهم عانوا الأمرين من منغستو، ولكننا ايضا نسعى للتعاون وعدم اثارة المشاكل الاقليمية، وقد وجدنا ان منغستو كان يدعم كل الحركات المعارضة لجيرانه ويفعل ما يسيىء اليهم، وعملنا على عودة الثقة ونجحنا في ذلك الى حد بعيد. كيف تقيمون علاقاتكم الخارجية الآن؟ - في أحسن حال لها. وعملنا دائرة حول اثيوبيا لتحسين علاقاتها مع جيرانها ونجحنا في ذلك ثم عملنا لتوسيع هذه الدائرة شيئا فشيئا لتمتد وتشمل كل الاصدقاء في افريقيا والشرق الاوسط. ونتطلع لعلاقات اوسع مع العرب وأوروبا وأميركا وكل العالم. تعرضت حكومتكم لهزة اولى في الأسابيع الماضية بإعلان جبهة تحرير الأرومو انسحابها من التجمع والحكومة، ما هو أثر ذلك؟ - وقعت جبهة الأرومو على الميثاق الوطني ولكنها للأسف واصلت أعمال العنف وأشاعت الكثير من الفوضى والاضطراب وعطلت الكثير من اداء الحكومة، وحاولنا احتواء الخلاف عن طريق الحوار لمدة عام كامل لكن اعضاء الجبهة آثروا اخيرا الانسحاب من الحكومة والمجلس الوطني وتحدوا الحكومة وأعلنوا انهم فوق القانون، ولهذا لم نجد امامنا سوى التصدي لمسؤوليتنا في حفظ النظام وحماية البلاد وسنقاوم كل اشكال العنف، وفي الوقت نفسه لا نزال نفتح الباب للحوار السلمي حتى لا نعود الى عهد الحرب الاهلية، وسنتعاون مع كل مواطن، خصوصاً من ابناء الارومو ممن لم يتسخدموا العنف ولم ينتهكوا قانون البلاد، اما بخصوص سؤالك عن اثر الخلاف مع الارومو على اداء الحكومة فانني اؤكد اننا الآن اكثر استقراراً وانسجاماً من اي وقت مضى والذين يعادون الحكومة هم فئة واحدة من الارومو وبقية الفئات أدانت هذا الخروج على الاجماع. ملاحظة: جبهة الأرومو اسلامية وهي جزء من التحالف الذي اسقط نظام منغستو ولها وجود قوي في الجيش وانسحابها من الحكم يضعف الى حد ما زيناوي. ما هي نتائج الجهود لاحتواء خلافكم مع جبهة الارومو، ومن أين أتت محاولات تقريب وجهات النظر؟ - كثيرون من الاصدقاء من جيراننا يحاولون تقريب وجهات النظر وكلها جهود نقدرها ونحترمها، وحتى الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر تعرض خلال زيارته لنا لهذا الخلاف وأوضحنا له الموقف وتفهم وجهة نظرنا، واطمأن كل الاصدقاء من الجيران وغيرهم الى ان هذا الخلاف لن يطول وسنحتويه في الوقت المناسب، ولم ولن يؤثر على استقرارنا، وباب الحوار لا يزال مفتوحاً، وأتوقع ان نجلس حوله ونضع حداً للخلاف. الوضع في اريتريا لدينا معلومات عن لقاءات سرية تعقد بين المنشقين من حركة الارومو وممثلين للرئيس السابق منغستو وأعضاء من حركة العقيد جون قرنق التي تقود الحرب في جنوب السودان. - أنا بدوري سمعت هذه المعلومات ولا اود التعليق عليها الآن، وننتظر تأكيدها اونفيها، ولو تأكد هذا الامر فإن لكل حادث حديث. العلاقات بين اثيوبيا والسودان تظهر الآن في احسن حالاتها هل في برنامجكم تطويرها لتأخذ شكلا جديداً؟ - نحن سعداء بهذه العلاقة التي يتمناها الشعبان، ووقعنا العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات مع السودان، وقيادتا البلدين تودان استمرار تطور العلاقة، ولدينا خياران: إما تحسين وتنفيذ الاتفاقيات الحالية، أو دراسة شكل جديد من التعاون والتكامل. وحالياً اتفقنا على الخيار الأول، وهو تنفيذ كل البروتوكولات في اقصى بنودها، ونترك للمستقبل المحافظة على هذه العلاقة الخاصة وتطويرها للأفضل. هل أنتم راضون عما وصل اليه الوضع في اريتريا الذي يشبه الانفصال والاستقلال الكامل عن اثيوبيا؟ - لا نحن ولا الحكومة في اسمرا نستطيع ان نقرر مستقبل العلاقة بين اثيوبيا واريتريا، فهذا شأن خاص بالشعبين، والاريتريون خصوصاً سيقررون ما يرونه مناسباً. وقد قبلنا مبدأ الاستفتاء وتقرير المصير ولا نزال عند رأينا. وسنقبل بالنتيجة سواء كانت الاستقلال او اي شكل من اشكال الفيدرالية او الكونفيدرالية، ومهما تكن النتيجة فان العلاقة بين الشعبين الاثيوبي والاريتري ستستمر على حالها من الحب والصداقة والاخوة والمصالح المتبادلة. كانت اثيوبيا عضواً رائداً ومؤسساً لمنظمة الوحدة الافريقية، متى تتوقعون عودة بلادكم الى ممارسة دورها الافريقي الرائد؟ - بالفعل نحن المؤسسون للمنظمة ومقرها، وقد تسبب النظام السابق في التأثير على الدور الرائد لأثيوبيا في المجال الافريقي، وكذلك انشغل منغستو بالاضطرابات الداخلية وقمعها، عن دوره الافريقي، وقد شاركت في القمة الافريقية الاخيرة في داكار وأوضحت كل الحقائق وساهمنا في تحمل مسؤوليتنا من جديد مع الاشقاء الافارقة. أعلنتم عن محاكمات عادلة للمسؤولين في نظام منغستو، متى ستبدأ هذه المحاكمات؟ - لا تزال في طور التحقيقات وحصر الجرائم التي ارتكبت في حق هذا الشعب وسيشهد هذا الشهر احد الاجتماعات الخاصة بهذا الموضوع، ويسعدني ان اعلن عبر مجلتكم اننا قررنا ان تكون المحاكمات علنية وسندعو المنظمات الدولية لحضورها وأجهزة الاعلام، فنحن لا نفعل شيئاً في الخفاء او نهدر حقوق الانسان. عودة منغستو قامت حكومتكم بحل الجيش الاثيوبي الذي كان يشكل الرقم الاول في القارة من حيث العدد والعتاد، هل ستظلون هكذا من دون جيش نظامي؟ - لا لن نظل من دون جيش وبعد نهاية الفترة الانتقالية واستلام الحكومة الجديدة سيعاد بناء الجيش الاثيوبي من جديد، ولكنه لن يكون جيشاً هائلاً كما فعل هيلاسيلاسي ومنغستو لأنه لا حاجة لنا بذلك. سيكون جيشاً "معقولاً" مهمته حماية الديموقراطية والحفاظ على التنوع القومي في اثيوبيا. هل ستستعينون بأية عناصر من الجيش الخاص بالرئيس منغستو؟ - نعم ولكن بعدد محدود فقط من اصحاب المواهب والكفاءات الفنية بعد ان نتأكد من عدم ارتكابهم جرائم في حق الشعب. هل وجدتم اية مستندات او ادلة تدل الى حجم الاموال التي هرب بها الرئيس السابق منغستو هيلا مريام؟ - لم نجد ولم نهتم كثيراً بما هرب به منغستو من مال على رغم ان المبلغ هو عشرات الملايين من الدولارات، ولكننا نهتم ونحزن للأموال التي اهدرها بسبب القمع والحروب الاهلية، فهي عشرات اضعاف ما هربه منغستو. ما هو تعليقكم على رأي يطالبكم بدعوة منغستو للعودة الى اثيوبيا والعيش كمواطن عادي؟ - نوافق بلا تردد، شرط ان يواجه المحاكمة العادلة اولاً.