إذا أدركنا أن سبعين في المئة من جسم الإنسان مكون من الماء، وانه لا توجد عملية أو وظيفة واحدة داخل الجسم لا تعتمد على الماء، لأمكننا تقدير القيمة الفعلية لهذا السائل الرائع. فعملية هضم الطعام وامتصاص المواد الغذائية الضرورية وتصنيفها، كالفيتامينات والبروتينات والسكاكر والمعادن والشحوم ومن ثم نقلها إلى كافة أجزاء الجسم، وعملية تحويلها إلى دم وعظام وعضلات وأنسجة، لا تتم بدون الماء، وكذلك التخلص من المواد السامة والفضلات مثل ثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين والبولينة والأمونيا، وإيصالها إلى الأعضاء المختصة بعملية التفريغ والتصريف كالأمعاء والمثانة والرئتين والجلد، كلها بحاجة إلى الماء. فالماء من المكونات الأساسية الهامة لكافة الخلايا والأنسجة والسوائل الأخرى داخل الجسم، وبدونه يحرم الإنسان من نعمة اللعاب، وبدون اللعاب لا يمكن للإنسان أن يبتلع طعامه أو أن ينطق بكلمة واحدة، لأن لسانه سيلتصق بفمه. وعصارة المعدة مكونة في معظمها من الماء، وعدم وجود أو حرمان الجسم منه يؤدي إلى العجز في هضم الطعام والى اضطرابات في المعدة والأمعاء. وكذلك الدم، وهو السائل الحيوي الأساسي داخل الجسم والوقود الدافع للحياة، مكون في معظمه من الماء تسعين في المئة. إضافة إلى باقي أعضاء الجسم التي تقوم بالوظائف الضرورية للحياة، كالدماغ والجهاز اللمفاوي المعني بالمناعة والرئتين والعضلات والكبد والطحال، كلها تحتوي على الماء اكثر من احتوائها لأي شيء آخر. ويحافظ الماء على طراوة ولزوجة الأغشية المخاطية داخل الجسم، فيمنع احتكاك الأنسجة ببعضها البعض ويحول دون التصاق أعضاء الجسد، ويحمي العظام من الإهتراء والتفتت نتيجة الاحتكاك أثناء القيام بالحركات الجسدية، كما تعجز العضلات عن القيام بوظائفها بعيدا عنه، إذ أن أعضاء الجسم كافة تسبح في بحر من الماء. ويلعب الماء دورا رئيسيا في ضبط حرارة الجسم وفي الحفاظ عليها، وأي خلل في توازنه داخل الجسم يؤدي إلى تغيير في درجة الحرارة مما يشكل خطراً على الإنسان. ونظراً لأن الإنسان ونظرا لأن الجسم يضخ الماء باستمرار من الكلى والأحشاء والرئتين والجلد، فانه بالطبع يحتاج إلى وجود كمية متكافئة من الماء المشروب لتعويضه عن الماء الذي يفقده نتيجة لعملية التصريف. ويساهم العرق بدور هام في تبريد الجلد أثناء تبخره مما يساعد في المحافظة على توازن حرارة الجسم. متى نشرب الماء ليس هنالك توقيت محدد لشرب الماء، ولكن هناك حاجات ومتطلبات جسدية تفرضها الظروف البيئية والمهنية التي يعيشها الإنسان. فالأشخاص الذين يعيشون في مناطق حارة ويعملون في وظائف مرهقة جسديا يحتاجون إلى شرب الماء اكثر من غيرهم ممن يعيشون في مناطق معتدلة أو باردة ويعملون بوظائف مكتبية لا تتطلب مجهودا جسديا كبيرا. كما أن حاجة الإنسان إلى شرب الماء تزداد في فصل الصيف وتقل في فصل الشتاء، وتكون مرتفعة خلال النهار ومنخفضة خلال الليل. أما القاعدة العامة لشرب الماء فهي تلبية حاجة الجسم كلما شعر الإنسان بالعطش، مع الحرص على عدم تجاهل هذه الاحتياجات والالتزام بتعويض الجسم عما يفقده من الماء، مع تفادي اللجوء لتناول المشروبات الخفيفة المرطبات كالكولا وغيرها كبديل للماء، لأنها لا تروي العطش ولا تسد حاجة الجسم. وفي الولاياتالمتحدة وأوروبا يشرب الناس هذه السوائل أكثر من شربهم للماء، ما عدا الفئة القليلة من الناس التي تحاول الحفاظ على رشاقتها. وللأسف فان الدلائل تشير إلى انتقال عادة شرب المرطبات المصنعة إلينا نحن العرب حيث أصبح أولادنا أسرى لها ولمادة الكافيين الموجودة في زجاجات وعلب الكولا، إضافة إلى ما يتناوله الناس من الشاي والقهوة. إن هذه العادة السيئة تضر بصحتنا وصحة أولادنا ولقد حان الوقت لتعويدهم وتعويد أنفسنا على شرب الماء والتوجه إلى الينابيع الطبيعية بدل التأثر بالإعلانات المنمقة والجذابة التي تغسل الدماغ وتدفعنا للاعتماد على تلك المواد الكيماوية الاصطناعية. إن أفضل طريقة لسد حاجة الجسم من الماء ومقاومة الإدمان على شرب المرطبات، هي تناول كأس من الماء في الصباح قبل الإفطار، وتناول كأس من الماء قبل أي من الوجبات الأخرى بعشر دقائق. وفائدة ذلك تكمن في أن شرب الماء قبل الطعام يمنع الشعور بالعطش أثناء الأكل وبعد الانتهاء منه، ويخفف من الرغبة في تناول كميات من الطعام تزيد عن حاجتنا، مما يساعد في المحافظة على رشاقة الجسم. وبما أن الماء يترك المعدة بعد خمس دقائق من وصوله إليها، فان يستحسن تناوله قبل الطعام، لأن تناوله أثناء الطعام أو مباشرة بعد الانتهاء منه يؤدي إلى مضاعفات صحية نحن في غنى عنها. فالعصارة المعدية سائل كغيره من السوائل يمتزج مع ما نشربه من الماء أو المرطبات أثناء الطعام فيصبح مخففا ويخرج من الماء مع المعدة، مما يؤخر عملية الهضم ويؤدي إلى الأعراض والآلام التي تصيب الجهاز الهضمي والتي يعاني منها الكثير من الناس. كما أن الشرب أثناء تناول الطعام يؤدي إلى عدم مضغ الطعام جيدا والى سرعة ابتلاعه وصعوبة هضمه. لذلك يستحسن عدم الشرب قبل ساعة أو أكثر من الانتهاء من الطعام، وإذا لم نستطع الانتظار طوال هذه المدة فلا بأس من شرب جرعات بسيطة جدا وفي فترات متقطعة حتى لا تتأثر عملية الهضم، ويفضل تناول الخيار أو الكرافس بعد الطعام لأنهما غنيان بالماء ولا يؤثرا على وظائف الجهاز الهضمي بل يساعدانه. هناك خلاف بالرأي حول الكمية التي يجب على الإنسان شربها وما إذا كانت هناك ضرورة لتحديدها. فالحاجة إلى الماء تعتمد في الدرجة الأولى، على كمية الماء الموجودة في الطعام، وكلما قلت هذه الكمية كلما ازدادت حاجتنا لشرب الماء. وبما أن طبخ الطعام أو تصنيعه يفقده الكثير من الماء، فان القاعدة الأساسية تبقى في شرب الماء عند الشعور بالعطش. ولا بد من التنبيه إلى ضرورة توخي الحرص والحذر قبل اتباع النصائح العشوائية التي نسمعها من الغير أو نقرأها في بعض المجلات الصحية وبخاصة ما يتعلق بشرب كميات معينة ومحددة من أكواب الماء يوميا دون النظر إلى حاجة الجسم ودون التمييز بين من يتناولها، سواء كان رجلا أم امرأة، وما إذا كان هذا الشخص طويل القامة أم قصيرا، نشيطا أم كسولا، صغير أم كبيرا، يعيش في جو حار أم في جو بارد، كل هذه أمور يجب أخذها بالاعتبار، لأن المبالغة في شرب الماء تضر بالصحة كالمبالغة في تناول الطعام. فالماء الزائد يعوم الأنسجة ويخفف من كثافة سوائل الجسم ويعطل وظائف الخلايا ويضعف من قدرة الدم على امتصاص الأوكسجين ونقله، ويزيد من إفراز العرق. إن كمية الماء التي نشربها تعتمد على أسلوب الحياة التي نحياها وعلى نوعية الطعام الذي نتناوله، والمناخ الجوي الذي يحيط بنا والنشاط الجسدي الذي نبذله. أنواع الماء، مزاياها وخفاياها في الماضي كان الناس يشربون الماء المتوفر لهم من حنفيات المنازل أو الأنهار أو الينابيع أو الآبار دون تردد، وكانوا يستمتعون بطعمها ومذاقها ولا يساورهم أي قلق أو تساؤل عن محتوياتها أو أخطارها. أما اليوم وبعد انتشار الوعي الصحي أصبح الناس أكثر حساسية لموضوع الماء وللتلوث البيئي المحيط بهم، مما دفع الكثيرين للجوء إلى شرب المياه المعدنية الطبيعية المعبأة واستخدام أدوات الترشيح والمصافي المنزلية لحماية صحتهم من أية أخطار محتملة. وفي ما يلي توضيح لأنواع الماء المتوفرة ومشاكلها. مياه الشرب العادية: وهي المياه الأكثر استهلاكا والأكثر تعرضا للتلوث، إذ أن عملية تصفية المياه أو تحليتها تمر بمراحل عديدة في محطات التصفية والتحلية، تشمل مرحلة الترسيب والترشيح والتخثير والتليين والكلورة والتشريب بالبروم واليودنة والفلورة، وهذه عمليات صناعية يضاف خلالها العديد من المواد الكيماوية التي تتضارب الآراء حول فوائدها ومضارها. فمادة الكلور، مثلا، تستخدم لقتل الجراثيم الموجودة في مياه الشرب وتسميمها، إلا أنها تؤدي أيضا إلى ترسيب الشحوم والدهون في الأوعية الدموية من جراء اتحادها معها وتكوينها لمادة لزجة تلتصق بجدران الأوعية الدموية وتساهم بالإصابة بأمراض القلب. ومادة الفلور التي تضاف أيضا إلى الماء بحجة أنها مفيدة للإنسان وتحمي أسنان الأطفال من التسوس، وتحافظ على سلامة اللثة، هي أيضا مادة سامة تستخدم في تسميم الفئران والصراصير في صنع مبيدات الحشرات والأدوية المضادة للفطريات والجراثيم، إضافة إلى دورها في صنع المواد البلاستيكية والأصباغ والمواد المستعملة في مكافحة الحرائق والمبخرات والمذوبات وغيرها. أما البخار الذي ينتج عنها فهو أكال وحارق للجلد ومؤذ للعيون وقاتل إذا تعرض له الإنسان لفترات طويلة. والفلور موجود في غازات البراكين وقادر على اختراق معدن الفولاذ خلال دقائق معدودة. ويقول الدكتور "دين بيرك" رئيس قسم الكيمياء الحيوية السابق في المعهد الوطني للسرطان في الولاياتالمتحدة يموتون سنويا من السرطان الذي يسببه الفلور الموجود في مياه الشرب، ومنها سرطان الجهاز الهضمي والكلى والمثانة والثدي والمبيض. وللتأكيد على خطورة مادة الفلور، فان حالات الوفاة التي تسببت بها خلال السنوات الخمس ما بين عام 1981 وعام 1986 بلغت ربع مليون حالة مقارنة بعشرة آلاف حالة تسبب فيها مرض "الإيدز" في الفترة الزمنية نفسها. إلا أننا لا نسمع ونقرأ الكثير عن مرض الإيدز وأخطاره ونكاد لا نسمع سوى المديح لمادة الفلور وكأن هناك تعتيماً متعمداً من قبل الشركات المصنعة لإخفاء الحقائق حول مخاطر هذه المادة على سلامتنا وسلامة أطفالنا. ومهما كانت التجارب التي يقال أنها أثبتت فعالية الفلور في التخفيض من حالات تسوس الأسنان، إلا أنه لا توجد دراسة واحدة تثبت هذا التخفيض يعود إلى تأثير الفلور وحده، كما أنه لا يوجد ما يثبت بأن الفلور يصلح للاستهلاك البشري. والواضح للعديد من العلماء والأطباء، بمن فيهم أطباء الاسنان، إننا نسمع جانبا واحدا فقط من الحقيقة حول مادة الفلور، وأنه لا بد من طرح كافة الحقائق لإظهار الوجه الآخر لهذه المادة والأسباب الحقيقة التي تبرر وجودها في مياه الشرب. أما المواد الأخرى التي يمكن أن تلوث مياه الشرب فهي ملح حامض النتريك المستخدم في الأسمدة الزراعية والذي تحوله الجراثيم الموجودة داخل أحشاء الإنسان إلى ملح الحامض النتري وهو من المواد التي تسمم دم الأطفال وتحرمه من الأوكسيجين فتسبب مرض المتهيموغلوبين القاتل أحيانا. ويتحول ملح حامض النتريك إلى مادة الأمين النتري عند اختلاطه مع الطعام داخل جسم الإنسان، وهذه المادة المعروفة بتسببها بأمراض السرطان عند الحيوان. وهنالك مبيدات الحشرات PESTICIDS التي تلوث المياه المكشوفة والتي تسبب التشوهات الخلقية وربما السرطان إذا استهلكت بكميات كبيرة، والطحالب التي يتسبب 65 في المئة منها بتسمم الكبد واضطرابات الأمعاء والكلى والتهاب العيون. والألمنيوم الذي يدخل الماء من تربة الأرض بفعل المطر الحمضي، والذي يضاف إلى الماء خلال عمليات التصفية ليحافظ على لون المياه وطعمها، قد يتسبب بمرض فقدان الذاكرة الشيخوخي. والرصاص الذي يدخل إلى مياه الشرب في الأنابيب الرصاصية الموجودة في العديد من المنازل، قد يؤثر على الدماغ والعضلات ويسبب فقر الدم. ولقد نشرت مجلة "B M J" الطبية البريطانية المرموقة مقالا بتاريخ 18 كانون الثاني يناير 1992، أكدت فيه على هذه المخاطر وعلى إمكانية تلوث الماء بالمواد التي سبق ذكرها، وبتاريخ 16 كانون الثاني يناير 1992 نشرت مجلة نيو انغلاند جورنال أوف ماديسين وهي من المجلات الطبية الشهيرة في العالم، دراسة عن تسبب مياه الشرب بإصابة عدد من الناس بمرض "المحاربين القدماء". كما تناقلت بعض الصحف بتاريخ 21 كانون الثاني يناير 1992، نبأ احتجاج اللجنة المفوضة من قبل مجموعة الدول الأوروبية على إهمال الحكومة البريطانية لسلامة مياه الشرب وتقاعسها في تحسين مستوى هذه المياه، على الرغم من التحذيرات التي قدمتها اللجنة للحكومة البريطانية منذ ستة أعوام. ولقد تعهد وزير البيئة البريطاني في حينه، مايك هيسلتاين بأن مسؤولين من وزارته ومن وزارات دول المجموعة الأوروبية سيجتمعون قريبا لحل هذه المشكلة، كما تعهد بإنفاق حوالي بليوني جنيه إسترليني لتحقيق هذه الغاية بحلول عام 1995. أدى القلق على سلامة مياه الشرب وصلاحيتها، إلى ازدياد نسبة مبيعات المياه المعدنية في أميركا بمعدل 93 في المئة، بينما ارتفعت هذه المبيعات في بريطانيا من ثلاثة ملايين ليتر الى 128 مليون ليتر ما بين عامي 1976 و1986. وتنتشر المياه المعدنية الطبيعية المعبأة في قوارير وزجاجات وعلب مختلفة في بعض الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم، ومصدرها الينابيع الطبيعية. وتقوم هذه الدول بتعبئة المياه النقية الصافية من هذه الينابيع التي لا تحوي السكر أو الحافظات الاصطناعية أو المنكهات أو الفلور أو الكلور وهي خالية من الحراريات وغنية بالأملاح المعدنية المفيدة كالكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم. وأفضل هذه المنابع وأشهرها تلك الموجودة في الدول الاسكندنافية وفرنسا. وتعطي هذه الدول تراخيص خاصة لتعبئة المياه وتسويقها، وتتم تصفية المياه اثناء تدفقها من بين الرمال الجليدية، مما يرودها بالاملاح المعدنية بكميات معتدلة جدا وسليمة لا تؤدي إلى أية مضاعفات صحية. أما أكبر شركة "بيرييه سورس" الفرنسية القريبة من بلدة "نيمز" والتي تعبئ حوالي البليونين من الزجاجات والعلب في العام ويتم تسويقها في مختلف أنحاء العالم. إلا أن المياه المعدنية تواجه بعض الانتقادات من مؤيدي استخدام المياه المقطرة كبديل أفضل لمياه الشرب. ويرتكز نقدها على أن الأملاح المعدنية الموجودة فيها هي معادن غير عضوية وبالتالي لا يمكن للجسم استخدامها أو الاستفادة منها، وأن إدخالها إلى الجسم يؤدي إلى رفضها وتجمعها كترسبات في أنسجة الجسم المختلفة مما يسبب حصى الكلى وحصى المرارة والتهاب المفاصل وتعظم الدماغ وتصل الأوعية الدموية. كما أن تناولها يضر بالجسم لأنه يفرض عليه القيام بمجهود إضافي للتخلص منها. والحقيقة أن هذه الانتقادات لا تنطبق كليا على المياه المعدنية لأن كميات المعادن الموجودة فيها ضئيلة جدا. كما أن التجارب أثبتت إمكانية استفادة الجسم من المعوضات المعدنية والفيتامينات غير العضوية. وينتقد مؤيدو استخدام المياه المعدنية بدورهم استعمال المياه المقطرة كبديل عن مياه الشرب، بحجة أن المياه المقطرة كبديل عن مياه الشرب، بحجة أن المياه المقطرة تمتص الأملاح المعدنية العضوية داخل الجسم وتحرمه منها. إلا أن الفريق الآخر يجيب على أن المياه المقطرة تمتص الأملاح غير العضوية التي لا يحتاجها الجسم. ومما لا شك فيه أن هذه الانتقادات المضادة ستستمر طويلا وسيبقى قرار اختيار المياه الأصلح للشرب بيد المستهلك.