أفغانستان التي تشغل أحداثها الناس بعد انتصار المجاهدين واختلافهم، ما هي صورتها كمجتمع في تلك الهضبة العالية الوسطى؟ في هذا التحقيق تقدم "الوسط" صورة عن المجتمع الأفغاني في مكوناته الحضارية والثقافية وفي جذوره التاريخية وتشكيل مزاجه العام. كما يضيء التحقيق جوانب من ادب الرجال وأناشيد النساء اللنداي تعبر عن شخصية أفغانية تحتضن تناغم العالم على طريقتها. تحقيق بقلم أرواد إسبر "يشكل الأفغان واحدا من المجتمعات النادرة في العالم التي حافظت على أصولها وجذريتها، وهو مجتمع نقي يحتضن تناغم العالم على طريقته". هذا ما قاله الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير عندما طلبت منه "الوسط" أن يتحدث عن حياته في أفغانستان وخبرته هناك، وتابع القول أن الأفغان "ليسوا أوباشا كما تصفهم الصحافة عموما، بل مجتمع يتغدى بالأدب والشعر، ويخضع لتقاليد صارمة تدور حول مفهوم الشرف، وعقوبة الموت توقع بمن يتخطاها. وقد تبدو أفغانستان من الخارج بلاد التناقضات، لكن شعبها يجسد في مثله وسلوكه عالما بات اليوم أسطوريا". والكلام عن الأفغان مسألة معقدة، "فالمجتمع الأفغاني مجتمع مركب وليس من السهل فهم حركة الحياة فيه" كما يقول فيلتير. ويزداد التعقيد بقدر ما هي التركيبة الاتنية في أفغانستان معقدة. راجع الكادر الاسم من البيروني تدل الدراسات اللغوية والتاريخية على أن أجداد الأفغان أتوا من خوارزم على ضفاف بحر آرال. أما التسمية "أفغان" فقد ظهرت للمرة الأولى عند البيروني في القرن الحادي عشر. ووصفهم الرحالة ابن بطوطة بأنهم قبيلة من الفرس تمكث في كابول والجبال المحيطة بها، وبأن معظمهم من اللصوص. مما لا شك فيه أن تاريخ أفغانستان والتي كانت تعرف بخراسان في القرون الوسطى الفكري والثقافي والحضاري تأثر بموقعها الجغرافي. كانت ولا تزال على حدود عوالم مختلفة تمام الاختلاف سياسيا وثقافيا. فقد تم اجتياح أفغانستان واحتلالها تباعا على يد جيوش الفرس واليونان والعرب. كما تعرضت لهجمات عدة متتالية من قبل الشعوب المترحلة التي أتت من الشمال. وحتى القرن السادس عشر كانت الأحداث تجري على الشكل التالي: يقوم شعب ما لأسباب اقتصادية وسياسية ومناخية بمغادرة مكان سكنه التقليدي ويجتاز نهر الأوكسوس أمو داريا حاليا محتلا شمال أفغانستان. وبعد فترة استراحة يجتاز هذا الشعب جبال الهندوكوش ويستقر قي واحات كابول وقندهار. وبعد استراحة ثانية يهبط إلى سهول نهري الهندوس والغانج حيث يندمج مع الهنود. ثم تتعرض حدود الهندوس المهملة إلى هجمات جديدة وتدخل موجة جديدة من الشعوب الرحل التي تلاقي مصيرا مشابها، بعد أن تكون اتبعت منذ البداية الطريق نفسه عبر أفغانستان. والقوافل تتبع الجيوش، فبعد كل موجة اجتياحية، كانت أفغانستان تستعيد دورها كمنطقة تبادل ومرور إجباري للقوافل، كما كانت بمثابة مستودع للبضائع المتبادلة بين البلدان. ولم يقتصر التبادل على البضائع هي وحدها المتبادلة بل كان يتم أيضا على صعيد الأفكار، إذ كانت القوافل تساهم في نقل الأفكار الجديدة والثقافات. فعبر أفغانستان انتقل الفكر البوذي من الهند إلى الصين والشرق الأقصى. وعبرها دخلت الحضارة الهيلينية إلى الهند مع فتوحات الاسكندر المقدوني. وعبر أفغانستان أيضا انتشر الإسلام في الهند وآسيا الوسطى. ومن المؤكد أن اليوم أن الأرض الأفغانية لم تكشف عن جميع أسرارها وكنوزها والحضارية إجمالا. فلا عجب والحالة هذه، إذا رأينا في قصص أفغانستان التقليدية والشعبية، الاسكندر المقدوني موجودا إلى جانب تيمورلنك وهارون الرشيد. ولا عجب إذا كان الأطباء التقليديون في بازار كابول اليوم يقولون أن علمهم موروث عن اليونان. هذا العالم الذي عاش مغلقا منعزلا، محافظا على مزيج فكري وفلسفي، نستشف وقعه في روحانية الأفغان وفي حبهم للشعر والموسيقى، ونستشفه أيضا في بعض التفاصيل التي قد تبدو ثانوية لكنها تدل على حساسية مرهفة، مثل أهمية الورد وضرورة اقتناء طير مغرد، غالبا ما يكون كنارا وفقا لأخبار الرحالة. وربما كانت أفضل طريقة للتعرف على خصوصية العالم الأفغاني وماهيته هي الاطلاع على رأي وخبرة أندريه فيلتير الذي أمضى سنوات عدة في أفغانستان. يرى أندريه فيلتير أن الوقت الذي أمضاه هناك كان ضروريا لتكوينه الشخصي الداخلي، وأنه في أفغانستان وجد نفسه وتصالح معها. يتذكر كيف ذهب إلى كابول للمرة الأولى في شهر تموز يوليو 1976، مصادفة، من دون أن تكون أي توقعات. ذهب بدعوة من صديق له حدثه عن الصحارى: "وصلت إلى كابول منهكا بعد ثماني ساعات من الترانزيت في موسكو ووجدت بلدا مؤثرا فلم اشعر بالغربة أبدا. كابول عاصمة فريدة ونادرة، عاصمة بقطعان من الخراف والماعز. مدينة على ارتفاع 1800 متر، يحيط بها حزام من الجبال الشاهقة. في هذا المكان الذي لا يمكن وصفه كنت أذهب على حصاني إلى الصحراء، ولم تكن تستغرق المسافة أكثر من خمس دقائق. إنها مدينة - قرية مليئة بعناصر الطبيعة. وفي الشتاء يسطع نور خاص هو نور الثلوج". تعرف أندريه فيلتير على المدينة وعلى أودية البنشير. كما تعرف على الصحاري الأفغانية المتباينة، فهناك، على امتداد ألف كيلومتر ستة أو سبعة أشكال مختلفة من الصحاري: "يعرف عن أفغانستان أنها بلاد قاسية وفقيرة. لكنني سحرت بكبرياء الأفغان وعنفوانهم. كما سحرت بأهمية مفهوم الشرف المطلق. على الرجال في جميع أنحاء العالم أن يكونوا على هذا النحو ... الصداقة في أفغانستان من أولويات الحياة. عندما يمنحك شخص صداقته، تكون هذه الصداقة نهائية بل متعصبة ومتطرفة. أذكر مثلا عندما كنت في النورستان كان مضيفي ينام على عتبة الباب خوفا من لصوص وهميين أسطوريين كنت أعرف أنهم لن يأتوا. لكن شرف المضيف يتطلب أن يأخذ جميع الاحتياطات من أجل سلامتي". كتاب عن البازار ويعترف أندريه فيلتير أنه لو كان المر يتعلق به وحده، لكان بقي في كابول يهتم بالأحصنة، ويخرج إلى الصحراء مع أصدقائه الأفغان في كوكبة فرسان، مرتديا زيهم التقليدي، وحاملا سلاحه الخاص مثلهم . لكن، كان عليه أن يسوغ وجوده هناك أما السلطات. لذلك باشر بمشروع دراسة بازارات كابول. كان قبلها وضع كتابا أشبه بالمجمع حول الأدوات الحرفية وحول جميع الحرف الموجودة سابقا وحاليا في فرنسا. ووجد الصناعة الحرفية تنبض حياة في كابول. ظهرت دراسته حول كابول في كتاب عنوانه "بازارات كابول" منشورات أ. م. ميتيليه - باريس 1986. والكتاب يجمع بين السيرة والدراسة الاتنولوجية. أي أنه يروي قصة البازار ويدخلنا إليه زقاقا زقاقا، ونتوقف معه عند كل حانة في البازار وعند كل صانع، نتعرف على المواد المستخدمة والأدوات والآلات، كل واحدة تسمى باسمها. كما أنه يروي عن وارث الصانع أو التاجر، ويذكر أبرز القصص التي حصلت في البازار، ويحكي عن الأحداث البارزة في حياة التجار والصناعيين. نظرته وقلمه مثل كاميرا تسير على هدى داخل البازار وتنقل لنا أفقية حركته وضوضاءه. كما أنها تنقلنا عموديا إلى ماضي هذا البازار وتاريخه. ويقول أندريه فيلتير أن "الطريقة الفضلى للكلام عن أفغانستان هي دراسة البازار على الأرض لأنه في رأيي مكان رمزي". هكذا نعلم أن عند كل "خليفة" أو معلم صبيا تلميذا يتعلم على يده. ولن يستطيع التلميذ الاستقلال والعمل لصالحه إلا بعد أن يسمح له معلمه بذلك و"يحرره" ويقول أندريه فيلتير حول عمل الأطفال في إطار مجتمع تقليدي أن هذا العمل "هو جزء من نقل المعرفة، وليس في هذا العمل أي استغلال رأسمالي، فجزء من التربية يقوم بشكل عملي وملموس في ميدان العمل والحرف. طبعا، هناك دائما التجاوزات. لكن في أفغانستان يذهب الأطفال إلى المدرسة نصف نهار، ويعملون في النصف الثاني. هذه أفضل طريقة كي يصبحوا مكتملين متوازنين، وهو افضل مليون مرة من هذه المسوخ المستهلكة التي يخلقها النظام التربوي الغربي. المجتمع الأفغاني ليس ضيقا مثل مجتمعنا. انه مجتمع متنوع. وعندما يفقد أي مجتمع بنيته الحرفية يفقد انسانيته". يجتمع أهل كل حرفة في نقابة أو أخوية وينتخبون "وكيلا" يتم اختياره لجدارته ومكانته، ويبقى وكيلا حتى موته. وعلى الوكيل أن يمثل أهل حرفته أمام السلطات، ويدافع عن مصالحهم، كما عليه أن يكون وسيطا لحل المشكلات. ومن تقاليد حرفيي بازار كابول أن يقيم أهل كل حرفة عيدا خاصا بهم مرة في السنة. على مزاج التاجر أما التجار، فلا شيء يجبرهم على البيع وأحيانا يرفضون البيع، بكل بساطة. "أحيانا" فقط لأنه لا يريد أن يأخذ مالا من أوروبي، غالبا ما يختار بالقرعة ضرورة البيع أو لا. فيأخذ الأفغاني مصادفة مجموعة من حبات سبحته، ثم يعد: "واحد، آدم" اثنان، حواء" ثلاثة، شيطان" واحد، آدم..." إذا كان حظك على آدم، تكون الصفقة سهلة، والمساومة للشكليات فقط. إذا وقع حظك على حواء، تكون الصفقة صعبة، ولن تحصل على سعر جيد. أما إذا اختارت المصادفة الشيطان، فلا جدوى من المحاولة لأنك لن تحصل على البضاعة ولو دفعت وزنها ذهبا". ولن يجرؤ التاجر على الغش، فحتى فترة قريبة كان الذي يغش يدق مسمارا بأذنه على بابا حانوته وهذا العقاب ينتظر اللصوص الذي يعلقون بالطريقة نفسها على باب البيت الذي سلبوه. لكن "الجوديبارنباز" لن يسرق. فمهنته هي "لاعب دمية الريح" أو طيارة الورق. ولا نجد تلك المهن إلا في بلدان تكون الاسطورة فيها جزءا من الحياة. قصص البازار كثيرة، لا يمكن سردها هنا، قصص تمزج الواقع بالخيال، يحكيها الأفغان فيما يشربون الشاي في "السماوات" أي مقاهي الشاي، حيث يقدم لهم السماواتشي، حسب الفصول، الشاي الروسي في الصيف والشاي الهندي في الشتاء. الأدب فارسي وبشتوني خلال الحديث مع اندريه فيلتير سألناه عن الأدب الأفغاني، فأجاب ان الكلام عن الأدب مسألة معقدة فما هو الأدب الأفغاني؟ هل هو الأدب المكتوب باللغة الفارسية؟ لكن لماذا إذا، لا ينسب إلى الأدب الفارسي؟ هل هو الأدب المكتوب باللغة البشتونية؟ لكن إذا كان البشتون هم الأكثرية، فلا يمكن غض النظر عن الاتنيات الأخرى، لا سيما الطاجيك، علما بأن أبرز الكتابات في أفغانستان وضعت باللغة الفارسية وهي متأثرة بالشعر الفارسي وقواعده. ولئن كانت اللغة البشتونية هي اللغة الرسمية في أفغانستان، فان لغة الأدب هي الفارسية والأجواء الأدبية متأثرة بالشعر الفارسي الكلاسيكي. نشا الأدب الأفغاني في القرن السادس عشر مع المتصوف بايزيد انصاري الملقب بير روشن، وقد كتب بالفارسية والعربية معا. وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر قام الأدب الأفغاني أساسا على نسخ الأدب الفارسي. فعلى الرغم من التغييرات التاريخية في أفغانستان والتنوع الثقافي والاتني واللغوي، فان الثقافة والأدب الفارسيين كانا من دون منافس منذ دخولهما أفغانستان، لأن في الفارسية كتابات عديدة منذ القرن السابع. كما أنها لغة تتمتع باحترام كبير من قبل الأفغان أنفسهم وفي الخارج أيضا. ومنذ القرن العاشر تميز الأدب في البلدان الناطقة بالفارسية أي إيرانوأفغانستان وطاجكستان بكتابة شعرية رفيعة ذات روحانية عالية. وكانت المرحلة الأولى مع الفردوسي وملحمته "الشاه نامه" كتاب الملوك التي لا يزال يلقيها الشعراء المنشدون في الساحات العامة في أفغانستان، علما بأن هؤلاء غالبا ما يكونون أميين. ثم توالت الأسماء الكبيرة في الشعر الغنائي، لا سيما عمر الخيام ورباعياته وسعدي في "بستان الورد" جولستان وديوان حافظ، وطبعا جلال الدين الرومي، هؤلاء الشعراء وغيرهم يشكلون حتى اليوم غذاء الأدباء الأفغان الأدبي والروحي. ولهم أيضا حضور قوي لدى قسم كبير من السكان. فعلى رغم نسبة المتعلمين الضئيلة في أفغانستان، يتعدى تأثير الشعر إطار الذين يعرفون القراءة والكتابة. ويقال أنه في كل منزل تقريبا توجد كتب أو مخطوطات للشعراء الكبار، يرجع إليها في جميع الميادين. ومن أجل توضيح بعض الأمور المتعلقة بالأدب الأفغاني التقينا في باريس همايون مجروح وهو ابن أخ السيد بهاء الدين مجروح ويعتبر وريثه الروحي راجع الكادر الذي قال أنه "على الرغم من وجود لغتين رسميتين في أفغانستان البشتونية والفارسية فان هناك عددا أكبر من المطبوعات بالفارسية، بسبب التأثير الثقافي الإيراني. هذا لا يعني أنه لا توجد كتابات باللغة البشتونية، إلا أن الفارسية أكثر وجودا وانتشارا على الصعيد الأدبي. وهناك كتاب كبار باللغة البشتونية لكنهم مغمورون بسبب الميل إلى الفارسية". وهؤلاء الشعراء يطلق عليهم لقب "بابا" احتراما لمعرفتهم، منهم "خو شهال ختك" الذي كان زعيم قبيلة وكتب شعرا ملحميا مستوحى من الحرب. وهناك أيضا "رحمان بابا" وكان شاعرا وفيلسوفا. الموسيقى عنوان الكلام ويؤكد همايون مجروح وحدة التاريخ الأدبي بين إيرانوأفغانستان وسيادة الشعر عموما في الكتابة الأدبية. ويقول أن الرواية حديثة جدا في أفغانستان، فلم تظهر إلا في بدايات القرن العشرين. لأن الأدب تقليديا مرادف للشعر. "حتى بهاء الدين عندما كتب الصيغة الأولى من "الأنا - المسخ" بمعنى الجحيم هي الأنا، مقابل كلمة سارتر "الجحيم هي الآخرون" وأعطاها لجدي الشيخ شمس الدين مجروح، الذي كان أيضا شاعرا، جاءت الملاحظة كالتالي: في كلماتك الكثير من المعنى، لكن ليس فيها موسيقى وليس فها روح. إنها بحاجة إلى موسيقى والى إيقاع". ويشرح همايون مجروح انه لم يتم أي تغيير على صعيد الإيقاع والأوزان، إلا أن الشاعر الوحيد المعاصر الذي كسر الوزن هو السيد بهاء الدين مجروح، لكن ذلك لا يعني انعدام الإيقاع في قصائده. في حين أن معظم الشعراء الآخرين يكتبون الرباعيات والغزل متبعين قوالب معروفة". لكن كيف يتم استقبال كتابات بهاء الدين مجروح؟ يقول همايون أن ما يهم هو المضمون، وانه على الرغم من كسر الوزن حافظ مجروح على موسيقى داخلية. حتى الكتابة الروائية والقصص القصيرة هي حتما شعرية فلسفية. فليس في أفغانستان مثلا رواية بوليسية، وليس هناك كتابة "تجارية" حتى عندما يتكلم كاتب عن الأشياء البسيطة واليومية، يكون ذلك عبر رؤيا شعرية. وعلى سبيل المثال، صدرت بالفرنسية قصص قصيرة لكاتبة أفغانية اسمها سيوجماي زرياب عنوان المجموعة الفرنسية "سهل قايين" ترجمها ديدييه لوروا عن الفارسية الأفغانية وهي صادرة عن منشورات "سوفل" باريس 1988 تنطلق سيوجماي زرياب في قصصها من واقع قاس ودموي غالبا لتحوله إلى عالم خيالي مخيف في كتابة هذيانية، تذكر بعض الشيء بعالم الكاتب الإيراني صادق هوايت. وعالمها يغمره السواد، حيث لا يوجد الفرح إلا في سنوات الطفولة الأولى، وحتى هذا استثنائي. قتلوا 90 ألف مثقف وما هو الوضع اليوم في أفغانستان على الصعيد الأدبي" يجيب همايون مجروح أن "اثر الاحتلال السوفياتي سلبي جدا. فقد قتل حوالي 90 ألف مثقف، بين كتاب وجامعيين وصحافيين وفنانين. وهذه الأعداد لا شك فيها وأكدتها الأممالمتحدة. إذا، اختفى قسم كبير من الكتاب وهاجر قسم آخر، ويعتبر ذلك انقطاعا مزدوجا. أولا توقف الإنتاج الأدبي وثانيا حصل تغيير في طريقة التعبير. فكل الكتابات التي نشرت متأثرة بالفكر الماركسي، وكرد فعل على هذا التيار الماركسي، كتبت من جهة أخرى نصوص إسلامية، كما ظهر أدب متأثر بالحرب وأنشدت قصائد تمجد الشهداء. ومن الصعب الآن إصدار الأحكام أو حتى الكلام على الحياة الأدبية لأن الأمور تتطور بسرعة". التغيرات التي شهدتها أفغانستان إضافة إلى الوضع الراهن تجعلنا نثير بعض التساؤلات حول مصير "اللنداي"، هذا الشعر الشعبي باللغة البشتونية. و"اللنداي" أي المختصر السريع هو قصيدة قصيرة جدا تتكون من بيتين لا يخضعان لتفعيلة معينة، لكنهما يستندان إلى إيقاعات داخلية متينة. وغالبا ما يأتي "اللنداي" خلال الأحاديث والمناقشات تأكيدا لفكرة أو توضيحا للمشاعر. وميزة هذا الأدب الشعبي الخاص بالبشتون هو حضور المرأة فيه حضورا فعالا. كل يوم بعد الظهيرة، عندما تذهب صبايا القرية إلى العين، أو عندما يرقصن ويغنين في الأعياد والأفراح، ترتجل تلك الصبايا "اللنداي" وأفضلها ينطبع مباشرة في الذاكرة الشعبية. نشيد النساء قام الشاعر الأفغاني السيد بهاء الدين مجروج بجمع أشهر وأجمل "اللنداي" النسائي، وترجمها إلى الفرنسية مع الشاعر أندريه فيلتير وصدرت في كتاب عنوانه "الانتحار أو النشيد" عن منشورات لو كاييه دي بريزان - باريس 1988. ويعلق مجروح على "اللنداي" النسائي قائلا أنه خارج الحقل الثقافي المحصور بالرجال، وبالتالي هو خارج الحقل الاجتماعي. "فالمشاعر والأفكار التي عبر عنها "اللنداي" لا تترك مجالا للشك في هوية مؤلفيه: فلن يجرؤ أي رجل في البشتون على الإشارة إلى بعض علاقات الحب، ولو بشكل ساخر. وعلى الصعيد النفسي أو السيكولوجي، من المستحيل أن يتكلم الرجل عن عاشق ذل عنفوانه". ذلك أن البشتون جماعة من المحاربين المتكتلين في بنى قبلية وعشائرية ومجتمعهم يخضع لقيم ذكورية فالقانون الأساسي هو مفهوم الشرق. في هذا الإطار تخضع المرأة لضغط مزدوج. ضغط جسدي أولا، إذ عليها تقع معظم الأعمال إن لم تكن جميعها. كما أنها تخضع لضغط نفسي، فحتى زوجها لا يتنازل في كبريائه ويقبل مشاركتها الطعام. في "اللنداي" يدور نشيد المرأة البشتونية حول ثلاثة موضوعات لها مذاق الدم هي الحب والشرف والموت: "اليوم، خلال المعركة، أدار حبيبي ظهره للعدو أشعر بذلك لأنني رأيته البارحة" لكن كل هذا كان قبل ليلة من شهر آذار مارس 1979، في تلك الليلة شنت مجموعة من المقاومين الأفغان هجوما على مركز حكومي في مقاطعة كونار. في اليوم التالي تم توقيف جميع الرجال في كيرالا وجمعوا في ساحة القرية. أمر قائد السرية بإطلاق النار على المجموعة. وهكذا قتل جميع الرجال وكان عددهم 1700. لم يبق على قيد الحياة سوى النساء والأطفال. وكتب السيد بهاء الدين مجروح راويا أن يتامى وأرامل كيرالا نقلوا إلى باكستان ويعيشون في جزء خاص بهم في مخيم للاجئين. ويصف مجروح المخيم قائلا "انه مكان يسيطر عليه السكون، بين الحزن والجنون، حيث لم تعد أية امرأة تغني". بهاء الدين مجروح السيد بهاء الدين مجروح هو الوجه الأبرز في الأدب الأفغاني المعاصر. يعد وريثا لسعدي وفريد الدين العطار وعمر الخيام، ومن القلائل إن لم يكن الوحيد الذي أدخل نفسا جديدا في الشعر الأفغاني. ولد السيد بهاء الدين مجروح في الثاني عشر من شباط فبراير 1928 في كابول. درس في فرنسا حيث نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة، وعين لدى عودته عميدا لكلية الآداب في جامعة كابول. كتابه الرئيسي هو "الأنا - المسخ" الذي ترجمه سيرج سوترو إلى الفرنسية منشورات فيبوس. وهو مكتوب على شكل أسطورة شعرية، يتخيل فيها المؤلف حاضر ومستقبل بلد نعرف أنه أفغانستان تتهدده أخطار عديدة. الراوي مسافر منفي يكشف عن أشكال الطغيان. الجزء الأول من "الأنا - المسخ" ذو صبغة تنبؤية، إذ انه كتب قبل اجتياح أفغانستان. اختار مجروح الانضمام إلى المقاومة الأفغانية وعاش في المنفى في بيشاور منذ العام 1980 حيث أسس المركز الأفغاني للإعلام وأصبح الناطق باسم المقاومة. قتل السيد بهاء الدين مجروح في الحادي عشر من شباط فبراير 1988، عشية ميلاده الستين وهو يفتح باب داره في بيشاور لمجهولين. وبهاء الدين كان بشتونيا، لكنه كان قبل كل شيء أفغانيا حرا ومتنورا.. تشكيلة المجتمع الأفغاني *ينتمي اثنان أو ثلاثة في المئة من سكان أفغانستان إلى أقليات ضئيلة العدد البلوش والعرب والنورستانيين *عشرة في المئة هم من الهزارا ذوي الأصول المغولية ويعيشون في الجبال الوسطى حيث يشكلون أقلية نشيطة، وان كانوا من الفقراء الذين احتقرتهم السلطة المركزية في الماضي. *خمسة عشر في المئة من سكان ذوي أصول تركية أوزبكيين وكازاخيين وتركمان وهم مزارعون ومربو ماشية يعيشون في السهول والجبال في الشمال والشمال الشرقي. أما القرغيز، فجميعهم هاجر بعدما احتل الاتحاد السوفياتي مناطقهم على سفوح البامير. *هناك حوالي ثلاثين في المئة من الطاجيك ذوي الأصول الفارسية *أخيرا، أكبر نسبة من السكان مكونة من البشتون. هناك من يقول انهم يشكلون 50 في المئة من السكان وآخرون يقولون أنهم لا يتعدون 35 في المئة. وأكبر نسبة من الرحل الأفغان هم من البشتون، ويقدر عددهم بحوالي 800 ألف. *اللغة البشتونية هي اللغة الرسمية في أفغانستان بموجب مرسوم صدر في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر 1936، ودراستها إجبارية في المدارس.