أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناقدان وروائيان يناقشون مشكلة تأصيل القصة في الواقع المحلي . القصة السعودية بدأت من "خواطر من أجنحة "
نشر في الحياة يوم 04 - 05 - 1992

ناقدان وروائيان تحدثوا ل "الوسط" عن واقع القصة في المملكة العربية السعودية ومدى استجابتها لتطور المجتمع وتقدم الاشكال الفنية.
وفي المواجهة التالية بين النقد والابداع تتكشف ايجابيات ومشكلات في القصة السعودية التي تكاد تغيب عن ساحة مبدعيها التي بدأت في عشرينات هذا القرن.
حين اصدر عبدالله الجفري عام 1962 مجموعته القصصية الاولى "حياة جائعة" اعتبرت البداية الحقيقية للقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، وسبقت "حياة جائعة" تجارب عدة في القصة منذ النصف الثاني من العشرينات حين اصدر محمد حسن عواد كتابه "خواطر مجنحة" عام 1926، ونشر عبدالوهاب آشي في العام نفسه محاولة قصصية بأسلوب المقامات اتبع فيها خطى المويلحي في "حديث عيسى بن هشام"، ووصفت محاولة محمد حسن عواد بأنها مقالات قصصية وليست قصصاً فيما وصفت محاولة آشي بالمحاكاة.
وفي العام 1930 كتب عبدالقدوس الانصاري "التوأمان" وهي قصة طويلة وصفها شاكر النابلسي في كتابه "قراءة في تضاريس القصة السعودية" بالسذاجة. وتعاقبت المحاولات فكتب احمد السباعي عن مشاهداته في القاهرة، وكتب محمد حسن كتبي "عقل عصفور"، ونشر حمزة شحاتة في العام 1936 "الخنفشيعات" ثم "حمار حمزة شحاتة" لتبدأ المرحلة الثانية من تطور القصة السعودية بحسب تصنيف كتاب النابلسي المشار اليه والتي كان روادها حمزة شحاتة ومحمد سعيد العامودي ومحمد امين يحيى واحمد رضا حوحو ومحمد عالم الافغاني، ثم المرحلة الثالثة بدءاً من عام 1960 ورموزها، الى جانب الجفري، ابراهيم الناصر وسليمان سندي وأنور الجبرتي وعبدالله السالمي وسباعي عثمان ومحمد علوان وآخرون.
مراحل التمهيد والتأسيس تلك افادت من التراث العربي كما في محاولة آشي التي تبع فيها اسلوب المويلحي، او من تراث القصة في مصر كما في "حمار حمزة شحاتة" الذي حاكى حمار توفيق الحكيم، ورسائل السباعي التي جاءت على غرار رسائل الطهطاوي من باريس، ليحدث بعدها تحول مهم على يدي عبدالعزيز مشري الذي يعد رائداً للقصة الواقعية في السعودية بعد ان تجاوز نزعات التجريد والشكلانية في مجموعته الاولى "موت على الماء" ليطل علينا بعد ذلك ب "الوسمية" 1985 و "اسفار السروى" 1986 و "بوح السنابل" 1978 و "الزهور تبحث عن آنية" 1987 و "الغيوم ومنابت الشجر" 1989. وتلاه عدد من الادباء الشبان منهم عبده خال وعبدالله باخشوين يؤصلون الآن لقصة جديدة وفق رؤى مغايرة شكلاً ومضموناً.
النقاد يتهمون
الآن تتهم القصة السعودية بأنها لم تواكب التغيرات التي شهدها المجتمع السعودي وخصوصاً منذ الطفرة البترولية في اعقاب حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 واستمدت طرائق تحديثها من مدارس غربية.
وهنا مواجهة بين ناقدين وكاتبي قصة ساهموا في اثراء الواقع الأدبي في السعودية، على منصة النقد شاكر النابلسي وسعيد السريحي، وفي الجانب الآخر عبدالله الجفري وعبدالعزيز مشري.
يتهم شاكر النابلسي كتّاب القصة السعوديين بأنهم تنصلوا من واقعهم ويفند اسباب اتهامه:
في العام 1975 شهد المجتمع العربي في السعودية تحولاً كبيراً يعود الى عدة امور، منها:
- الطفرة المالية التي حصلت في تلك الفترة نتيجة زيادة اسعار البترول.
- تدفق العمالة بمختلف مستوياتها من كل الجهات ما أدى الى عملية اتصال اجتماعي وثقافي بين الوافدين والمقيمين.
- تغير مظاهر المجتمع بحيث اصبحت استهلاكية بحتة، تستهلك ولا تنتج... ولا تبدع ايضاً.
- تنامي الطبقة الوسطى الاجتماعي والثقافي وتعزز الدور الذي تلعبه في المجتمع نتيجة اتساع قاعدة الوظائف والتعليم.
هذه الصورة الجديدة هل انعكست في القصة السعودية باعتبار ان الادب سواء كان شعراً او قصة او رواية شاهد على عصره؟
هذا لم يحدث. فالقصة اكتفت وفي تجارب محدودة بوصف ما حدث لكنها لم تقدم نتائج كما لم تقدم شواهد، بعكس مصر مثلاً التي يمكن ان تقرأ تاريخها من خلال ما كتبه نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف ادريس وغيرهم.
لا اتكلم عن واحد او اثنين انما عن تيار، وبدلاً من التنقيب في الواقع بدأوا في استيراد مشاكل وقضايا من الخارج، وهذا سببه ان الرؤية الفنية والادبية كانت مفتقدة او ضيقة، وكنا نقرأ عن اشياء ساذجة بمعالجات اكثر سذاجة فكأنك تشاهد مسلسلاً تلفزيونياً عادياً. حتى عبدالعزيز المشري يقف دائماً عند حدود التوصيف ولا يقدم شهادته على العصر.
وليس لهم حجة في انهم لم يجدوا تراثاً من القصة يستندون اليه، فالتراث ليس اقليمياً بطبيعته، اعني ان تراث الادب العربي كله تحت ايديهم، وبالتالي امكانية الاستفادة من الجاحظ ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف ادريس ليست بعيدة المنال.
وما يثار عن اتساع دائرة "التابو" عند كتّاب القصة السعوديين وتأثيرها على انتاجها فهو غير صحيح، لأن المبدع يتستر والناقد يكشف. فوظيفة المبدع ان يؤصل من خلال ادوات خاصة به مثل الخيال والاسطورة والرمز لكن النقد يفكك الرمز والاسطورة ويفنّد الخيال. المبدع في امكانه ان يعمل في جو الحرية وفي الانغلاق اما الناقد فلا يمكنه ان يعمل الا في جو الحرية. ولذا ليس عجيباً ان تجد ادباً عظيماً في اميركا اللاتينية ولدى اكثر الشعوب الافريقية تخلفاً. لأن للنقد شروطه الموضوعية اما الابداع فشرطه ذاتي في الدرجة الاولى.
سعيد السريحي ناقد وشاعر ايضاً، ولذا التزمت اجاباته الى حد بعيد جانب المبدعين، يقول:
لا يُطلب من فن ما ان يكون انعكاساً لأوضاع معينة، فيتقدم اذا ما تقدم المجتمع اقتصادياً ويتخلف اذا تخلف المجتمع وانتشر الجهل بين الناس. ان للفن استقلاليته التي تنبع من استقلالية الفنان نفسه، ولذلك اؤثر ان انظر الى فن القصة عندنا من خلال بنيته وما طرأ عليها من تطور داخلي حاول من خلاله كتّابها ان يرسوا لأنفسهم تقاليد وان يكتشفوا جماليات العمل الذي ينضهون به.
واذا كانت القصة القصيرة عندنا بدأت استنساخاً للمنجز الاوروبي ومنبتة عن جذور فن السرد في التراث العربي، فان جهد الكاتبين بعد ذلك اتجه نحو اكتشاف هوية خاصة لهذا الفن. ومن هنا يكون بإمكاننا التمييز بين اتجاهات عدة في كتابة القصة القصيرة السعودية لعل من اهمها:
اولاً، تحول القصة القصيرة الى عمل لغوي بحت يفتقر الى البناء السردي، حتى اصبح يشبه الخاطرة تتجلى فيها قدرة اللغة على الاستعارة وتفجير التراكيب، ويمكننا ان نلمح لذلك مثالاً في تجربة عبدالعزيز مشري الاولى "موت على الماء".
ثانياً، نشأ عن الاتجاه السابق ردة فعل عنيفة افرزت القصة القصيرة التي تحاول جاهدة رصد انعكاسات الواقع على نحو حرفي في محاولة لاكسابها هوية تنبع من الموضوع الذي تتناوله وانتماء من خلال الانتماء لمشاكل البيئة التي تنتج فيها، وهذا ما يمكن ان نجده في قصص المشري الاخيرة مثل "الزهور تبحث عن آنية".
ثالثاً، محاولات استلهام تقنية السرد العربي والاستفادة من منجزاته في خلق عالم متجاوز ومواز للعالم الواقعي يتسم بأدبيات الخطاب الشفوي وما يمكن ان يتمظهر فيه من دهشة وغرائبية وحرية انتقال في الزمان والمكان. ونذكر في هذا الباب القاص عبده خال والقاصة رجاء علي.
اضافة الى هذه الاتجاهات الثلاثة نعثر ايضاً على القصة النفسية التي تحاول ان تنغرس في اعماق النفس البشرية لاستحضار انكساراتها، وهمومها كما نجد عند عبدالله باخشوين.
وفي ما يتعلق بعدم وجود تراث للقصة في السعودية، فإنه اذا كان ثمة تمايز بين الشعر والقصة فان اهم تمايز بينهما هو ان الشعر جاء منطلقاً او ثائراً على ارث عريق يستفيد منه بقدر ما يعترض عليه. اما القصة فقد جاءت منبتة عن تراثها ولذلك حاولت جهدها ان تخلق لنفسها ادبيات من حيث تقنية الفن القصصي باستخدام التداعي والمونولوج والاسترجاع وتوالي اللقطات او من خلال الموضوع الذي تبحثه: النفس البشرية او المجتمع.
ولكنها في كلا الامرين ظلت منبتة عن ارث السرد العربي حتى ظهر القصاصون الجدد فاستلهموا بنية السرد كما تتجلى في "الف ليلة وليلة" او السير الشعبية او حتى كتب التاريخ والتراجم، فعادت القصة للانتساب الى ارثها بما يتميز به من روح تتجاوز تقنيات السرد لتصبح رؤية عامة للعالم والانسان.
نتفق على صحة الاتهام
واجهنا عبدالله الجفري وعبدالعزيز المشري بالاتهام الموجه الى كتاب القصة السعوديين بأنهم لم يواكبوا في كتاباتهم التغيرات التي حدثت في بلادهم خصوصاً منذ اواسط السبعينات فاتفقا على صحته واختلفا حول اسبابه.
يقول الجفري:
نعم... الاتهام صحيح، ولكنه ليس ذنب القصة وان كان كتّابها يتحملون هذه المسؤولية على رغم التسبيب!
القصة ليست عملاً اعلامياً، وان كانت في جوانب من مهمتها: التسجيل للمرحلة، او للمتغيرات، او لملامح الجيل.
ومواكبة المتغيرات... تتطلب - في رأيي - عملاً روائياً ابداعياً... لأن القصة القصيرة في هذا المجال تُصور شريحة فقط، او تحدد "بالزوم" على ملامح انسانية نبتت مع المتغيرات.
اما الرواية... فهي التي تواكب وتسجل، وتصور وتضيء الابعاد.
والمملكة تفتقر الى كتّاب رواية... فاذا اردت ان اثبت هذا الافتقار اشرت الى عدد الروايات التي صدرت في المملكة في السنوات العشر الاخيرة وتلفّتُ بحثاً عن اسماء تبدع في كتابة الرواية وتجيد كتابتها:
لدينا "عبدالرحمن منيف"... وهو يعيش خارج وطنه الاصلي، ويصور في رواياته ما حفر في ذاكرته، وتسامع عنه، ووصف له، واضافاته التوعوية والثقافية.
اما اسبابها... فترجع الى: غياب القنوات التي تفتح مجالات التشجيع والتحريض لكتابة الرواية... لأن المواهب متوفرة في رحم هذا الوطن لكنها مواهب تحتاج الى فتح مجالات، وقنوات... مثل الجوائز، والمسابقات، والتركيز في فعاليات المهرجانات على التنقيب عن مبدعين واقعيين لا يكتبون التهويم ولا يستغرقون في الرمز، ولا يقلدون مدارس ابداعية غريبة عن مجتمعاتهم... لأن مواكبة التغيرات تتطلب وجود الكاتب الذي يستمد صوره، وافكاره، وشرائح قصصه من واقعية الحياة من حوله.
وسألنا عبدالله الجفري عن مدى التقدم الذي حققته القصة السعودية، وفي اي اتجاه، فأجاب:
اذا قارنا مستوى القصة السعودية اليوم بما كانت عليه قبل اكثر من عشر سنوات... فاننا نستطيع القول: انها انطلقت الى مسافات اطول!
واذا كانت هنالك محاولات "للتغريب" بالقصة، ومحاكاة وتقليد الآداب الاجنبية، والقصة الحديثة في الغرب، والمترجمات... فاننا لم ننجح حتى الآن في هذا التقليد، ولا ادري هل اردف هذه العبارة: لم ننجح في هذا التقليد بكلمة: للأسف، ام بكلمة:الحمد لله؟
لدينا كتاب قصة ما زالوا يوظفون الرمز في ابداعهم القصصي.. فلا يتقنون الطرح.
ولدينا - ايضاً - من يستخدم التهويم: لغة، واسلوباً في القصة... فيستغرق في التيه!
وان اردت الجانب النقدي... فلا بد ان ينصب على مناخ القصة، ومعالجاتها.
وهذا الجانب قد اثر على القصة العربية عموماً... فهناك تأثر واضح بمدارس القصة الجديدة في الغرب، ومحاكاتها.. وذلك ما بعد الخمسينات بقليل.
اما الشرائح الجديدة من القصة المعاصرة، وبالذات ما يكتبه الادباء الشبان، فأحسب انها تراوح ما بين التقليد، والتأثر بالمترجمات، والاندهاش بملامح القصة في الغرب... بينما نحن نفتش عن الملامح العربية اللصيقة بمجتمعنا العربي، وهمومه، ومتغيراته فلا نجدها الا في امثلة محدودة!
لكن هذا لا يعني افتقار المملكة لكتاب القصة القصيرة... بل ان القصة - كفن متميز - تكاد تكون في العالم العربي اليوم هي: الفن المتطور، في حين تقلص مستوى الشعر، اذا ما قورن بالفترة الذهبية والمتقدمة مع ظهور: نازك، والسياب، وعبدالصبور، وحجازي.
بدأت محاولات القصة في المملكة مع ظهور من نسميهم الرعيل الاول، من خلال ما كتبه الاديب الراحل عبدالقدوس الانصاري في قصته "التوأمان"، وما كتبه محمد علي مغربي في قصته الطويلة "البعث"، وما كتبه الراحل احمد السباعي في نتاجه الذي غلب عليه البناء القصصي.
ثم تبع ذلك الجيل شبان حاولا التطوير، وعلى رأسهم: ابراهيم الناصر، وحامد دمنهوري، وعصام خوقير، وحمزة بوقري، ومحمد علوان، ولطيفة السالم، ورقية الشبيب، وعمر طاهر زيلع، وعلي حسون، ومحمد صادق دياب ومحمد عبدالله مليباري وسباعي عثمان.
وكانت لي معهم محاولات عبر مجموعات قصصية اصدرتها، هي على التوالي: "حياة جائعة"، "الجدار الآخر"، "الظمأ"، وقصتان طويلتان هما: "جزء من حلم" و "زمن يليق بنا".
وظهر جيل ثالث.. هو الذي يحاول اليوم محاكاة التحديث، وتقليد الغرب!
مشكلة البداية
سألنا الجفري عن معاناته كأحد رواد القصة السعودية، من عدم وجود تراث للقصة في المملكة، يمكن الارتكان اليه، فأجاب:
جيلي كله كان يعاني من ذلك الغياب... لكننا اذا اتفقنا - في البدء - على ان حركة الادب، والشعر على وجه الخصوص، انطلقت من الجزيرة العربية، وعمّرت عقل الانسان العربي، وشذبت وجدانه... فانه ذلك "البدء" الذي زها به العصر الجاهلي قبل الاسلام، ثم العصور الاسلامية المتلاحقة، حقباً، ودولاً، ودويلات ايضاً!
فالجزيرة العربية كانت هي الام لكل منطلقات عقل الانسان العربي وروحه، وليس ادل على ذلك من هذا التراث العظيم من منطلق القرآن الكريم، وفيه تراث للقصة العربية عموماً، بلسان عربي مبين.
ولعل التفاتتي هذه تتبلور كشاهد تاريخي راسخ... حتى اذا دخلنا عصراً آخر، وهو ما تعارفنا ان نطلق عليه مسمى العصر الحديث، وهو المسمى المرتبط - بكل اسف - باقتحام الاستعمار المتعدد لأرضنا العربية، وما حدث من تمزق لوحدة الارض، ومعاناة وكفاح... فقد شملنا التأخر قاطبة في العالم العربي... وحدثت محاولات نسف التراث، في زوابع الانحطاط الفكري!
ونتيجة لذلك... تعددت مراحل الادب، ومدارسه، وتأثره بالاستعمار والترجمة.
لكن... بقي وجه مضيء للأدب في جوانب قليلة من الوطن العربي.
وعن اهم مشكلات كاتب القصة في السعودية قال الجفري: هي المشكلات نفسها التي يشكو منها كاتب القصة في اي قطر عربي، فلا بد من جرعة الرؤية للكاتب لأنها الضمان الذي ينهل من معاناة جيله ومن هموم مجتمعه، فالرؤية تتموه في ضباب يغرّبها.
وقال الجفري رأياً جريئاً في الجهود النقدية المتابعة للمنجز الابداعي في السعودية.
نحن نعتز الآن بوجود نقاد متخصصين ودارسين لمدارس النقد في العالم: القديم مها والحدث، لكنهم انشغلوا باستعراض عضلات ثقافتهم، او دلق اوعيتهم الفكرية مما حفظوه، واقتبسوه، ونقلوه من مدارس الغرب!!
وبكل أسف جعلوا هذه قضيتهم: ان يسرقوا اهتمام القارئ الى هذه الاجواء والمدارس النقدية - دون استيعاب من القارئ - لأن ما قدم اليهم جاء في قوالب من النظريات النقدية الجامدة كأنها الطلاسم.
بينما تصدر المطابع عشرات من الابداعات الجديدة في السعودية، من قصة، وشعر، ورواية، وابداع... لم نجد واحداً من هؤلاء النقاد، اهتم باصدار واحد وكتب دراسة نقدية عنه... كأن الناقد يترفع، ويستعلي على هذه الاصدارات... لأنها - كما قال احدهم "ليست في مستوى ثقافتي النقدية"!!
وهكذا صار "المبدع" في غربة... يفتش عن ناقد واع ومحايد، و... متواضع، يؤمن ان مهمته بالنقد تتركز على تقديم ابداعات جديدة، وصقل مواهب تعلن اعمالها عنها!!
الوصف كسمة للقصة
ويقول عبدالعزيز مشري:
في الاتهام جانب كبير من الصحة، ذلك ان ولادة القصة الحديثة المحلية كانت ولا تزال في مهدها اوائل السبعينات مشحونة بالصراخ والتمرد على التقليد، وفي الوقت ذاته: محاولة ارساء لغة مغايرة بديلة وجديدة. وهذه الولادات الجديدة كانت تعد على اصابع اليد الواحدة، ومن المسلم به في نظري ان يكون لهذا الامر مبرره في ذلك الوقت، لقد كانت جبهات الصراع متعددة، فهناك مواجهة التقليد الذي يعتمد اللغة المتوارثة المألوفة - على صعيد الشكل - ويعتمد "المثل" الانموذج المستقى من مخزون السلوكيات السابقة التي لم تعد تتلاءم مع ما فرضه ايقاع العصر - على صعيد المعالجة والمضمون - وجبهة تأسيس البديل الذي لم يكن ليلقى تقبلاً لدى المتلقي، ثم جبهة الصراع مع الذات المثقفة في نمنمات تكوينها الابداعي وتغربها ثقافياً واجتماعياً.
في تلك المرحلة كنت واحداً من الجنود الذين حاربوا في هذه الجبهات، ولم يكن الامر مختلفاً بالنسبة لي، حيث لم ابدأ في ترسيخ سحنتي القصصية الخاصة الا بعد سنوات سبع من اصدار المجموعة الاولى "موت على الماء".
واما اتهامي بأني وقفت فقط عند حدود التوصيف، فإن كان معنياً به الوصف الهندسي للاشياء، وهذا ما اظنه، فأنا لم التفت الى هذا الشأن، والعمل قبل كتابته يبدأ بنواة وينبني عليها - اعني الفكرة - ثم يتكون النسيج وتتقاطب خيوطه. والوصف هو احد المقومات التي تشكل العمل، وربما كان ذلك وارداً في كتاباتي، ذلك ان طبيعة مكان المادة الكتابية - القروية - التي اعتمدها مسكونة في حواسي كإبن بيئة وكملتقط وراصد.
ولم تكن مواكبة التغيرات او التحولات الاجتماعية واضحة في كتاباتي الا بعد صدور المجموعة القصصية الثانية: "اسفار السروى"، والرواية الاولى "الوسمية" اي بعد الخروج من مرحلة التأسيس التي مثلتها المجموعة الاولى 1974 - 1976.
العودة الى عالم القرية
ويضيف عبدالعزيز مشري الذي اختار ان يكتب عن الواقع:
الجيل الذي سبقنا لم يعتن بالواقع الشعبي وموروثه، فقد كان لكل وجهته ومسلكه، وعندما شغلتني مسألة الواقع الشعبي - بعد انقطاعة تأملية طويلة - وكانت تتوهج في داخلي بحنين شديد نحو عالمي - عالم القرية - الذي انبنيت من كل فتافيته وقيمه ونزاهة انسانه، وتعمرت بنطية انتاجه، لم اكن اعتمد على اعمال محلية سابقة في هذا الشأن، ليس لأنه لم يسبقني احد بل لأن عالمي الكتابي كان موجوداً وحياً في داخلي وفي الواقع، والحميمية في الكتابة عنه كانت تحميني حتى منابت شعري.
عانيت من بعض الاقلام الثقافية الابداعية عدم تقبلها لهذا المنحى الابداعي الواقعي، واعتبارها الكتابة عن الموروث الشعبي نوعاً من الرجوع الى الخلف، وانها لازمة اقليمية واشياء من هذا القبيل، من دون اظهار تبريرات لهذه الاتهامات... ما شغلني طويلاً ولا يزال بينما كانت الاعمال تلقى لدى القارئ ترحيباً عارماً وتقبلاً، جعلني أحس بالمسؤولية وبالتقصير احياناً.
وعن مدى مواكبة النقد للقصة السعودية قال المشري:
الازمة النقدية تكاد تكون عربية شاملة، الا انها نسبياً تناولت اعمالي تناولاً مدركاً ومفيداً لي وللقارئ، واقول نسبياً قياساً بما تقع عليه الايدي حسب المصادفات، فنتاجنا المطبوع محلياً لا يصل خارج الحدود الا في مناسبات محدودة جداً، ونادرة كالمعارض الجماعية.
انني اعاني بشدة من هذا الشأن، فالناقد المحلي يهمه ان يكتب ليثبت شخصه الاكاديمي وليس للقراء او للمبدع، ولن اكون اميناً اذا عمّمت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.