هل تستطيع أية دولة في العالم في ظل الظروف الدولية الجديدة، امتلاك السلاح النووي بسهولة اكبر من الماضي؟ وما هي الخطط التي تقوم الدول الغربية الآن بوضعها لمواجهة الاخطار النووية الجديدة في الشرق الاوسط وسواها من المناطق؟ جوزيف فيتشت المحرر الديبلوماسي والسياسي في صحيفة "الهيرالد تريبيون" الاميركية الصادرة من باريس اجرى تحقيقاً خاصاً لپ"الوسط" حول هذه القضية المهمة، وحصل على معلومات جديدة ودقيقة من مصادر اميركية وفرنسية واوروبية غربية وثيقة الاطلاع على الملف النووي. وفي ما يأتي نتيجة هذا التحقيق: ادى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك مؤسسته العسكرية، اضافة الى وجود ادلة ملموسة على قدرة العراق على انتاج الاسلحة النووية، الى تسليط الاضواء على وجود اخطار جديدة تهدد منطقة الشرق الاوسط والعالم وتتعلق بانتشار الاسلحة النووية. والهاجس الكبير لدى المسؤولين في عدد من الدول الغربية الرئيسية هو انه اصبح ممكناً الآن قيام 10 دول جديدة في العالم قادرة على امتلاك الاسلحة النووية. ويشكل هذا الخطر الجديد "قوة دافعة" في مضمار السياسة الخارجية للدول الغربية، كما يؤثر على كل قرار سياسي تقريباً بدرجة يتم اخفاؤها في كثير من الأحيان. وعلى سبيل المثال يعكس اندفاع واشنطن الى الاعتراف الديبلوماسي بجمهورية أوكرانيا الرغبة الاميركية في بدء التفاوض مع السلطات هناك على الأسلحة النووية الموجودة على اراضيها، والتي كانت تابعة للقوات المسلحة السوفياتية. ولم تعترف واشنطن بهذا الدافع، لأنها لم ترغب في ان تبين للدول الاخرى ان امتلاك اسلحة نووية يؤدي الى تحقيق مكاسب ديبلوماسية. وعلى العكس من ذلك عقدت الولاياتالمتحدة والدول الغربية الاخرى - وأيضاً روسيا الآن - عزمها على احتواء انتشار الأسلحة النووية عن طريق مكافأة الدول المتعاونة، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية على الدول المصدرة والمستوردة للأسلحة النووية. وتعتمد الاستراتيجية الأميركية على جعل عملية تشكيل قوة نووية كاملة امراً مكلفاً، ما يدفع الحكومات الى العزوف عن هذا الخيار. وتتمثل الدعامة الأساسية لهذه السياسة في الاستمرار بانتاج اجهزة مراقبة توضع في الفضاء الخارجي وتكون قادرة على اكتشاف اطلاق اي صاروخ في أي مكان من العالم في الوقت المناسب بهدف اطلاق صواريخ من قواعد أرضية لتدمير هذا الصاروخ قبل ان يصل الى هدفه. وكانت موسكو تعارض هذا المشروع في الماضي، ولكن الروس سيقبلون الآن ان يزودهم الاميركيون بمعلومات عن طريق نظام الأقمار الصناعية للإنذار المبكر، تمكنهم من الدفاع عن انفسهم. ومن المتوقع ان يكتمل هذا النظام في نهاية التسعينات. وتهدف واشنطن من ورائه الى افهام اي دولة تحاول بناء قوة نووية في اي مكان من العالم انها ستحتاج الى مئات الصواريخ، وليس الى مجرد عدد محدود منها، لكي تتمكن من اصابة عدو تحمي الصواريخ المضادة للصواريخ جزءاً كبيراً من اراضيه. وهناك تأثيرات ديبلوماسية فعالة ايضاً لهذه الاستراتيجية القائمة على جعل اية ترسانة نووية مكلفة بصورة تصرف الحكومات عن محاولة بنائها. وتأمل الحكومات الغربية في جعل تنفيذ البرامج النووية اكثر كلفة عن طريق منع تقديم المساعدات الى الحكومات التي تحاول الحصول على اسلحة نووية. وتؤكد اجراءات نزع السلاح التي تطبقها الولاياتالمتحدةوروسيا هذه المحاولات الرامية الى تكوين المناخ السياسي المناسب من اجل عالم يقل فيه عدد الأسلحة النووية. ومن المؤكد تقريبا ان اية حكومة تسعى الى الحصول على اسلحة نووية ستحاول تقليد الاسلوب الاسرائيلي في عدم الاعتراف بانتاج هذه الاسلحة، لكن واشنطن لن تكون على استعداد هذه المرة، لأن تغمض عينيها، كما سبق ان فعلت مع اسرائيل. وعلى هذا الأساس سيعتمد اسلوب التهديد النووي في المستقبل، على الأرجح، على صيغة من صيغ الإرهاب غير المعلن، بمعنى ان تنشر احدى الحكومات بصورة غامضة انباء مفادها انها حصلت على عبوة نووية يمكنها تهريبها، اذا لم يتبق لديها اي خيار آخر، الى اراضي الدولة المعادية لها. ويمكن نشر مثل هذه الأنباء عن طريق اجهزة الاستخبارات او عن طريق "زرع" هذه الأنباء في بعض الصحف. وينطوي هذا الاسلوب الارهابي على مخاطر كبيرة، كما ان المكاسب السياسية التي يمكن ان يحققها لا تعادل الاخطار التي يمكن ان تنشأ عن اكتشافه. وتعتمد هذه الصورة الجديدة للسياسات النووية على تقويم جديد لخطر انتشار الاسلحة النووية. وقد اصبحت المشكلة اكثر الحاحاً الآن، لأن التقنية والإمكانات الصناعية المتاحة تسمح لكثير من الدول بالمضي في انتاج الاسلحة النووية، إذا كانت تلك الدول راغبة في تحمل التكاليف الاقتصادية الهائلة، وايضاً الثمن السياسي الفادح لذلك، كما اتضح من المحاولات العراقية لانتاج هذه الأسلحة، والتي تم الكشف عنها في اعقاب حرب الخليج. وبعد انهيار النظام السوفياتي، اصبح من الممكن ان نشهد ضابطاً من ضباط الجيش الأحمر برتبة كولونيل، يتولى قيادة وحدة لحراسة مستودع للرؤوس النووية التي يمكن اطلاقها بصواريخ "سكود"، ويقرر هذا الكولونيل بيع هذه الرؤوس لقاء مكاسب شخصية ضخمة. ومن الممكن ايضاً ان يتحول العلماء النوويون السوفيات الى مرتزقة نوويين. وسيتعرض الفنيون لاغراءات العمل في مجالات صناعية تقنية لانتاج اسلحة نووية قادرة على الوصول الى اراضي الدول الاخرى. خريطة التوازن النووي الجديدة ومع سعي حكومات الدول الغربية، وعلى وجه الخصوص اجهزة الاستخبارات، الى مواجهة الخطر الفعلي المتمثل في تسرب الاسلحة النووية الى دول اخرى، يعمل خبراء الاستراتيجية في واشنطنوموسكو ولندن وباريس على رسم خريطة جديدة للتوازن النووي العالمي. وتكشف هذه الخريطة عن ثلاث مناطق حيوية يختلف كل منها عن الآخر بصورة جذرية: 1 - أوروبا، حيث سيظل التوازن النووي الضمان النهائي للسلام. ولن تتخلى الدول النووية في اوروبا عن اسلحتها النووية. فبينما ترغب روسيا في الحفاظ على رادع نووي ضد اية محاولة صينية لاستعادة سيبيريا، تريد الولاياتالمتحدة الحفاظ على قوة نووية تعادل قوة الدول النووية الاخرى مجتمعة. اما فرنسا وبريطانيا فتعملان على امتلاك قوة نووية تعادل لدى الدولتين قوة روسيا التي يمكن ان تصبح معادية لهما مرة اخرى في المستقبل. 2 - الشرق الاوسط وجنوب آسيا، حيث يخيم شبح ازمة جديدة هي اكثر خطورة نتيجة للطموحات النووية الكامنة. ويواجه القادة العرب معضلة نووية جديدة مع اقتراب الترسانة النووية غير المعلنة لدى اسرائيل من التقدم والحجم اللذين يمكنان اسرائيل من تدمير العالم العربي، حتى في حال تعرض اسرائيل نفسها للضربة النووية الاولى. والى الشرق تتأرجح الهند وباكستان بين تصاعد التوتر وبين تجميد السباق النووي بينهما بأمل تحقيق التقارب. ولم تتضح حتى الآن طبيعة الخيارات السياسية التي تسعى اليها الصين في منطقة الشرق الاوسط، ولكن بكين لها علاقات غير واضحة المعالم مع ايرانوالجزائر، وربما ايضاً مع سورية. ولم يتخل العراق عن برنامجه النووي، على رغم الضربة القاصمة التي تعرض لها هذا البرنامج. 3 - في المناطق الاخرى من العالم يبدو ان الضغوط الدولية تؤدي الى انحسار خطر الانتشار النووي وعلى سبيل المثال يبدو ان كوريا الشمالية تستجيب للضغوط الدولية من اجل الحد من نشاطها النووي، بما في ذلك السعي الى انتاج اسلحة نووية. ويبدو ايضاً ان اليابان محصنة ضد اغراء السعي الى انتاج اسلحتها النووية الخاصة بها من اجل مواجهة الخطر الصيني. وفي اميركا اللاتينية نجد البرازيل والارجنتين تقفان على عتبة انتاج القنبلة النووية، ولكن كلاهما يبدو مقتنعاً الآن بضرورة تجميد برنامجه النووي حتى لا يتعرض لخطر الموت الاقتصادي. وتعين على جنوب افريقيا ايضا تحويل برنامجها لانتاج الاسلحة النووية الى عملية صغيرة سرية بسبب التغيرات التي طرأت على المناخ السياسي في المنطقة. ويفرض هذا النمط العالمي الخط الأساسي في سياسة الدول الغربية، وهو يعتمد على ان انتشار الاسلحة ليس امراً محتوماً، بل يمكن ابطاؤه، او حتى ايقافه. وهكذا فان الامر يستحق جعل عدم الانتشار احدى اولويات السياسة النشطة للغرب. وسيحصل الغرب على تعاون روسيا في تنفيذ هذه السياسة، لأن هذا التعاون شرط من شروط المعونات الغربية - لموسكو، وايضا لأن خبراء الاستراتيجية الروس يشعرون بأن انتشار الاسلحة النووية سيؤدي الى تهديد روسيا نفسها. وقد قال لنا احد المسؤولين الفرنسيين المعنيين بهذه القضية: "يجب علينا ان نوضح للدول التي تسعى الى الحصول على اسلحة نووية انها ستتعرض للعزلة، وستعتبر خارجة على القانون. ويجب علينا ايضا مقاومة اي اعتقاد بأن انتشار الاسلحة النووية امر محتوم، وبأننا سنقبله في النهاية من الناحية العملية". سرقة قنبلة نووية ولا يوافق الكل على هذا الرأي، بل يتساءل البعض عما اذا كان انتشار الاسلحة النووية يجب ان يعتبر بالضرورة امرا "خاطئاً"، او حتى "خطيراً". واذا كانت حالة السلام البارد، او الحرب الباردة، بين الدولتين الكبريين أدت، على مدى نصف قرن، الى منع وقوع اي حرب ساخنة، فان هذا الاستقرار كان يرجع فيجب جزء منه الى ان كلا الطرفين كان يمتلك اسلحة نووية مكنته من السيطرة على حالة العداء بين الجانبين. وربما يؤدي وجود رادع من هذا النوع الى تجميد البعد العسكري في الصراعات الاخرى، ومنها على سبيل المثال الصراع بين الهند وباكستان، او الصراع العربي الاسرائيلي. وربما يؤدي انتشار الاسلحة النووية، واعادة فتح باب العضوية في النادي النووي المغلق منذ 1974 عندما جربت الصين قنبلتها النووية، الى دعم الاستقرار الدولي القائم على زيادة انتشار توازن الرعب. ويكمن خطأ هذا الرأي في عدم فهم طبيعة الظروف الخاصة للمواجهة النووية بين واشنطنوموسكو. ويرجع ذلك الى انه لم تكن هناك قط حدود مشتركة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. ولم يكن لدى اي من الطرفين، في اي وقت من الاوقات، تفوق نووي واضح يدفعه الى الاعتقاد انه يمكنه ابادة قوات الطرف الآخر واكتساحه. وهكذا فانه مع الاسلحة النووية للدولتين على مدى عقود عدة، كان يصحب النمو في الترسانة النووية لكل منهما ظهور نظام واضح لتبادل الاشارات بينهما. وبدأ هذا النظام بالوسائل الديبلوماسية، ثم توج بالتجسس بواسطة الطائرات والاقمار الصناعية من اجل ارسال الاشارات الى الطرف الآخر. وكان كل من الطرفين يعرف قواعد اللعبة جيداً، وان الامر لا يستحق الحرب النووية على الاطلاق. وهكذا اصبح الرادع النووي لغة تفاهم بين دولتين تتنافسان على النفوذ العالمي. ولا يشبه هذا الموقف الظروف الحالية بأي شكل من الأشكال، ومن غير المرجح ايضا ان يكون هناك وقت كاف لمثل هذا التطور البطيء اذا تم السماح للأسلحة النووية بدخول حلبة النزاعات الاخرى. ولهذا السبب يقول الخبراء ان خطر الانفجار النووي - الذي يمكن ان يصيب ايضا الدول التي ليس لها ضلع في النزاع - اصبح اكبر الآن مما كان في ايام الحرب الباردة. ومن غير المرجح ايضا ان تكون هناك درجة امان نووي عالية لدى الدول النووية الجديدة التي لم يتسن لها الوقت الكافي لاتقان اجراءات وممارسات الأمان، والتي تضغط حكوماتها من اجل الاسراع بانتاج الاسلحة النووية فيها. ويتمثل الخطر الاكبر بالطبع في ان يستخدم زعيم دولة متطرف سلاحاً نووياً ضد دولة اخرى حتى لو كان على ثقة بأن دولته ستتعرض للدمار في الحرب النووية التي ستنشأ من جراء ذلك، وهذا الموقف "الانتحاري" هو على العكس تماماً من الرغبة في الحفاظ على النفس التي كانت اساس الردع بين الدول النووية الموجودة حالياً. لكن ما هو السيناريو الجديد المحتمل الذي يثير قلق الحكومات الغربية؟ ليس هناك خطر كبير في سرقة سلاح نووي سوفياتي وإطلاقه، اذ ان تفجير الرؤوس النووية يتطلب معرفة الرمز الالكتروني السري الذي لا يعرفه العسكريون الذين يتولون حراسة هذه الاسلحة. والى جانب ذلك يتطلب اطلاق او تفجير الصاروخ النووي او القنبلة النووية معدات صناعية متقدمة. وبالطبع يمكن استخدام قذائف المدفعية النووية بسهولة اكثر، لأن هذه القذائف مصممة اصلاً بحيث تتمكن من اطلاقها الوحدات الصغيرة على الجبهة، التي يقودها ضباط برتبة "كابتن" نقيب في حالة اختراق خطوط الجيش الأحمر. ولكن مشكلة هذه القذائف تكمن في انه لا يمكن اطلاقها لمسافات بعيدة، وبذلك لا تعتبر سلاحاً هجومياً فعالاً. والاحتمال الاكثر ترجيحا هو ان تتم سرقة قنبلة نووية وتفكيكها، بحيث تستطيع الدولة التي سرقتها استخلاص البلوتونيوم او اليورانيوم الموجود فيها، واستخدامه في صنع سلاح نووي جديد. ويتطلب تنفيذ ذلك وقتاً طويلاً للغاية، اذ يكون الوقود النووي مصهوراً في العادة مع معادن اخرى في شكل سبيكة داخل الرأس النووية، ما يجعل فصل ذلك الوقود عملية معقدة للغاية، كما ان صنع رأس نووية جديدة يتطلب اختبارات ستؤدي الى استهلاك معظم الوقود النووي المسروق. وهذه العملية خطيرة ومعقدة للغاية، لكن من الممكن ان تنجح احدى الدول في تحويل مواد سوفياتية مسروقة الى سلاح نووي بدائي على الاقل، اذا كانت تلك الدولة مصممة على صنع قنبلة نووية، ولا تهتم بالمخاطر التي يتعرض لها الفنيون، خصوصاً اذا كانوا من المرتزقة النوويين الاجانب. ويقول الخبراء ان معظم الدول التي تقف على عتبة العصر النووي تحتاج الى عامين او ثلاثة حتى تستطيع البدء في انتاج اسلحة جديدة من المواد السوفياتية سابقاً، وربما تتمكن هذه الدول في البداية من صنع عبوتين نوويتين من كل ثلاث عبوات تستطيع الحصول عليها. ومع ذلك يمكن ان يكون الخطر اكثر الحاحاً، اذ ربما تكون بعض الحكومات في حاجة الى المعدات والخبرة السوفياتية لمجرد قطع الخطوة الاخيرة في برنامجها النووي الذي قطعت فيه شوطا طويلا بالفعل. وتحتاج دول معينة، مثل كوريا الشمالية، الى العلماء، بينما تحتاج دول اخرى، مثل العراق قبل حرب الخليج، الى الوقود النووي، وهناك دول اخرى، مثل البرازيل، تحتاج الى الفنيين. وكانت هذه التخصصات كلها - بما في ذلك التقنية الفضائية - متقدمة للغاية في البرنامج العسكري السوفياتي، الذي كان اكثر القطاعات تقدماً في ظل النظام الشيوعي. وتشير التقديرات الى ان الاتحاد السوفياتي كان فيه 2500 عالم من العاملين في مجال انتاج الاسلحة النووية، واكثر من 5 الاف فني في التخصصات النووية المختلفة، وعدد لا يقل عن ذلك من الفنيين العاملين في مجال الصواريخ والمجالات الفرعية الاخرى المتصلة بانتاج الاسلحة النووية. ويحاول الغرب الآن الحصول على قائمة كاملة بالاسلحة والمعدات والتسهيلات التي كانت في الاتحاد السوفياتي، وكذلك قائمة بأسماء المتخصصين النوويين كافة، كخطوة اولى لمعرفة ما اذا كان بعض هذه المعدات وهؤلاء العلماء قد تسرب الى الخارج، ومحاولة تعقب آثاره، ولكن المشكلة تكمن في ان موسكو نفسها ليس لديها مثل هذه القوائم. من الجزائر الى الصين ومن المعتقد ان المنطقة الممتدة بين الجزائروالصين، والتي تكثر فيها الازمات، هي اكثر مناطق العالم تعرضاً لخطر انتشار الاسلحة النووية، بما يحمله هذا الانتشار في طياته من احتمال وقوع انفجار نووي، عن طريق الخطأ او العمد. وهناك رغبة قوية لدى بعض دول الشرق الاوسط في الحصول على اسلحة نووية. وترجع هذه الرغبة الى الستينات منذ ان اصبح معروفا ان اسرائيل لديها برنامج لانتاج الاسلحة النووية. وهكذا كانت هناك باستمرار دولة عربية تسعى الى انتاج القنبلة النووية العربية، وكانت مصر اول دولة تسلك هذا الطريق، ثم تبعتها ليبيا، وبعد ذلك العراق، وربما ايضا الجزائر. وكانت فكرة "القنبلة الاسلامية" تجذب ايضا باكستان وايران. ومع تغير الاتجاه السياسي لدولة من هذه الدول، كانت دولة اخرى ترث عنها السعي الى انتاج القنبلة، كما ترث في احيان كثيرة ايضا المعرفة التي حصلت عليها الدولة السابقة. ولهذا السعي اهمية كبيرة، لأن الحكومة التي تحاول انتاج القنبلة النووية تحظى باحترام كبير في الكثير من مناطق العالمين العربي والاسلامي. وحتى اذا كانت هناك شكوك حول امكان استخدام البرنامج النووي لاغراض عسكرية في احدى الدول، فان مجرد وجود الطموح النووي كان يمنح هذه الدولة مكاسب سياسية في التنافس بينها وبين نظم الحكم العربية الاخرى، وايضا في تنافس نظام هذه الدولة مع الفئات الاخرى المناوئة له في الداخل. وهناك خطورة كبيرة ناتجة عن هذ المفاهيم السياسية لامتلاك السلاح النووي. فباكستان والهند هما بالفعل في ساحة المواجهة والمنافسة في المجال النووي لذلك فان خطر "العدوى" قائم بالفعل، اذا حاولت الهند - على سبيل المثال - دعم موقفها عن طريق اقامة علاقات اوثق مع اسرائيل، او ربما مع العراق. وهناك ايضا خطر "التسرب" الاقليمي، لانه من المرجح ان تؤدي عملية انهيار الاتحاد السوفياتي الى سقوط بعض الشظايا في الدول المجاولة، ومنها ايران. وتمثل القدرات النووية الاسرائيلية بالطبع تحدياً دائماً للعالم العربي. وتأمل واشنطن في ان تنجح محادثات السلام الى درجة تسمح للولايات المتحدة بفرض حظر على اي تطوير جديد للترسانة النووية الاسرائيلية، في مقابل موافقة الحكومات العربية على عدم انتاج اية اسلحة نووية من جانبها. وفي حال انهيار عملية السلام، يمكن ان تسعى احدى الدول العربية - سورية على سبيل المثال - الى تعديل ميزان القوى عن طريق الحصول على ترسانة نووية خاصة بها. وسيؤدي ذلك الى زيادة صعوبة المساعي الرامية الى منع حدوث سباق تسلح نووي في المنطقة. ومع ذلك يمكن ان يتصاعد التوتر بطرق اخرى ايضاً. فاذا نجحت ايران في المستقبل في الحصول على السلاح النووي، فان ذلك يمكن ان يدفع دولاً مثل تركيا او دولة شرق اوسطية اخرى الى اعادة النظر في موقفها لجهة عدم السعي الى انتاج اسلحة نووية. وعلى رغم ان المخاطر تبدو كبيرة في الشرق الاوسط على وجه الخصوص، فان الجهود التي يقوم بها الغرب لمنع انتشار الاسلحة النووية تشمل العالم بأكمله. وتعمل الولاياتالمتحدة لوضع اجهزة مراقبة في الفضاء الخارجي تنذر بوجود اي نشاط صاروخي في اي مكان من العالم. وربما لا تستطيع الدول الغربية التهديد باستخدام الأسلحة النووية الا كملاذ اخير، لكن حرب الخليج بينت مدى قوة الاسلحة التقليدية المتقدمة التي سيتم استخدامها بفعالية كبير في المستقبل ضد الدول التي تهدد الآخرين ببرنامجها النووي. وسوف تكتسب المعاهدات والمؤسسات الدولية المزيد من القوة والنفوذ في سعيها الى منع انتشار الاسلحة النووية، كما يتم اعادة تنظيم اجهزة الاستخبارات الغربية - من ناحية العاملين والمعدات المستخدمة - وذلك من اجل التركيز بدرجة اكبر على اكتشاف البرامج النووية السرية. ولن يكون هناك ابداً اي خط دفاعي يضمن عدم انتشار الاسلحة النووية، ولكن الدول الغربية يمكنها ان تجعل سعي اي دولة الى الحصول على ترسانة نووية كاملة عملية مكلفة للغاية، وذلك عن طريق التنسيق بين الضغوط الاقتصادية القائمة على أساس معلومات دقيقة. ان هناك بالطبع احتمالاً في ان يستطيع احد "الارهابيين" في المستقبل التهديد باستخدام سلاح نووي. لكن بما ان القاعدة العلمية تنص على ان لكل فعل رد فعل معاكسا له في الاتجاه، فان زيادة انتشار الاسلحة النووية يمكن ان تؤدي في النهاية الى دفع الحكومات الى اتخاذ اجراءات دفاعية قوية، الى درجة ان يبدأ الخيار النووي في الانحسار في اللحظة التي تصل اخطاره الى ذروتها.