يواكب الازمة السياسية الخطيرة التي تعيشها الجزائر حالياً اقتصاد مرتبك، مضعضع ومسؤول عن تدهور حالة البلاد، لانه لم يتخلص من عوائق الاقتصاد الموجه طوال ثلاثين سنة. ولم يتحكم حتى اليوم بآليات النهج الليبرالي المعتمد منذ العام 1988. فطوال الاعوام الفائتة، تصارعت الجزائر مع مديونية جبارة تبلغ نحو 24 مليار دولار، تمتص خدمتها سنوياً نحو 8 مليارات دولار اي ما يعادل ثلثي الصادرات النفطية والغازية الجزائرية التي تمثل اجمالي صادرات البلاد تقريباً. وعلى رغم اعادة التمويل الجزئية للمديونية في تشرين الاول اكتوبر الفائت حين قدمت مجموعة من المصارف يديرها "الكريدي ليونيه" الفرنسي مبلغ 6.1 مليار دولار، اضافة الى قروض مختلفة حصلت عليهاالجزائر من مؤسسة النقد الدولي ودول المجموعة الاوروبية والتي كانت غايتها الاساسية تخفيف اعباء الدين، على الرغم من ذلك فان جهد التسديد - المتوقع ان ينتهي في العام 1993 - امتص كامل احتياط الجزائر من العملة الصعبة. شلل كامل ولقد أدى فقدان العملة الصعبة الى اغراق اقتصاد البلاد في حالة من الشلل الدرامي فباتت الحكومة عاجزة عن استيراد السلع الاساسية والمعدات والمواد الضرورية لتشغيل المصانع، وتضاعف حجم الخلل الاقتصادي وازدهرت السوق السوداء واشتعلت الاسعار. ووصلت نسبة التضخم الى 45$ في العام. واذا كان صحيحاً، ان نسبة النمو بلغت 4.2$ في العام 1990، وهو العام الذي استفادت الجزائر فيه من ارتفاع اسعار النفط خلال ازمة الخليج، فهذه النسبة تظل منخفضة قياساً الى نسبة ارتفاع عدد السكان في العام ذاته والتي بلغت 7.2$. كما انخفض مستوى المعيشة نحو 3$ في العام 1990، واصابت البطالة نحو 5.1 مليون شخص غالبيتهم من الفئات الشابة. وسجل حجم الاستثمارات انهياراً مذهلاً ولم يعد يمثل حالياً اكثر من ربع الحجم الذي كان عليه قبل عشر سنوات. وعلى رغم اعادة الاراضي التي اممت في العام 1974 الى ملاكيها، ظل القطاع الزراعي اسير ازمة خانقة يترجمها الحجم المرتفع لاستيراد المواد الغذائية التي تمتص 5.2 مليار دولار سنوياً. ليبرالية متأخرة واذا كان المجتمع الدولي اقتنع بالاقتصاد الجزائري، فالسبب يعود الى العام 1988، حين اعتمدت الجزائر سياسة ليبرالية طالت مختلف جوانب النظام الاقتصادي، فرفضت الحكومة احتكار الاستيراد، واصدرت قانون العملة والكريدي وقانون الاستثمار الذي ازال القيود عن عمل الشركات الاجنبية. ووصلت سياسة الانفتاح هذه الى حد الاعلان في تموز يوليو الفائت عن استعداد الجزائر لبيع ربع حقول نفط حاسي مسعود، اضخم حقول النفط الجزائرية. وهو اعلان عكس خطورة الازمة التي يعيشها اقتصاد بات مجبراً، كي لا ينهار كلياً تحت ثقل المديونية، على ادخال الشركات الاجنبية الى القطاع النفطي. وفي 30 تشرين الثاني نوفمبر 1991 صدر قانون المحروقات الجديد الذي سمح للشركات الاجنبية باستغلال 49$ من الاحتياط المكتشف او غير المكتشف مقابل رسوم قدرت بنحو 4 مليارات دولار. وارادت الجزائر مع هذا التحول الاستعراضي اصابة عصفورين بحجر واحد: فمن جهة تخفيف المديونية، ومن جهة ثانية انعاش عمليات التنقيب التي تراجعت بشكل واضح في الاعوام الاخيرة. وذلك لرفع مستوى الاحتياط، الذي لم يعد يكفي حالياً الا لعشرين سنة انتاج. ولكن من المؤسف، ان لا تكون السياسة الاقتصادية الليبرالية قد ادت حتى اليوم الا الى اغراق الجزائر في دوامة أزمة خطيرة.