نستطيع أن ننسى أحياناً أنّ ايطاليا بلد العشق للجمال والابداع، وانها بين مجموعة الدول الاوروبية رائدة في الصناعة وأهمها صناعة السيارات. ذلك ان ايطاليا تعيش في تناقض مستمر بين الاستقرار السياسي والامني وبين "العنف المافيوي"، بين الابداع الجمالي ونقيضه البشع … لكنها ظلت على مدى العقود، تحافظ على تفوقها بين جاراتها الاوروبيات في صناعة السيارات. ولعل كون أهم مصممي أجسام السيارات في العالم هم من الايطاليين ما يثبت هذا التفوق. والاسماء أكثر من أن تحصى: "غيّا"، "فارينا" و"جيوجارو" وغيرهم من الذين يتحفون، سنة بعد سنة، صناعة السيارات بالاجسام الانسيابية العملية والفريدة في جمالها ودقة تصميمها. الا ان "جيوفاني برتوني"، يبقى الاصل والاهم. فهو الرائد في هذه الصناعة، وتصاميمه ما تزال تحتل المراكز الاولى في العالم حتى اليوم. الابن سر أبيه منذ ما يزيد قليلاً عن ثمانين سنة، بدأ "جيوفاني برتوني" في محترف صغير في "تورينو"، عاصمة صناعة السيارات في ايطاليا، تجاربه في تصميم اجسام السيارات. دأبه الطويل جعل منه في العام 1921 الرائد في تلك الصناعة، بعدما ادهش عالم السيارات بتصميم جسم "فيات 501" الرياضية. ثم جسم سيارة "سبا 9000". وانطلق "برتوني" بعد ذلك في نجاح لا حدود له. وورث الابن حرفة ابيه. وحافظ "نوتشيو" على اسلوب ابيه، فهو منذ نعومة أظافره تشرب الحرفة وتشبع من فن أبيه وإبداعه، وهو الى ذلك لم يحد في تصاميمه عما كان اختطه والده ونهج عليه، وإن كان قد زاد عليها من خبرة العصر ما جعلها تنافس ما يصمم في العالم. فتهافتت على "برتوني" الابن كبرى مصانع السيارات تلتمس منه ابداعه وخبرته الطويلة في تصميم الاجسام المتطورة. في أوائل الخمسينات اخذت الصناعة تبتعد عن التصاميم الخاصة للاجسام وتتجه نحو توحيد الشكل العام. ووجد "نوتشيو برتوني" نفسه يغير هو ايضاً من اسلوبه حفاظاً على مؤسسته. فأبرم اتفاقاً مع شركات اميركية لتزويدها بمئات من سيارة "آرنولت" التي كان صممها وركبها على هيكل سيارة "إم. جي"، فلاقت اقبالاً ورواجاً لفتا نظر "ألفا روميو" فسعت اليه. قبل "نوتشيو برتوني" التعامل مع "ألفا روميو". فانصرف الى اعداد الدراسات والقيام بالتجارب حتى تمكن من تصميم نماذج اولية "مثل "بات 5" و"بات 7" و"بات 9". ونجاح هذه النماذج ادى في 1953 الى ظهور طراز "جولييتا سبرينت". فحمل هذا الطراز اسم "ألفا روميو" الى العالم محققاً مبيعات خيالية استمرت بالارتفاع ثلاثة عشر عاماً. تعاون "برتوني" مع "ألفا روميو" لم يثمر تفوق الشركة الايطالية في العالم فقط، بل جعل "برتوني" يحول مصنعه العائلي في "تورينو" الى مؤسسة عالمية للهندسة. فاستمال اليه كبرى الشركات العالمية. وظهرت ابداعاته في "لامبورغيني" وطراز "مارزال" منها، ثم "كارابو" و"نيفولا". في كل هذه التصاميم، وضع "برتوني" منهجاً سار عليه المصممون الايطاليون واقتبسه غيرهم في العالم. فاللمسة الايطالية، تراها في كل ما انتج في السبعينات والثمانينات في مصانع العالم. وأحدث ما صمم "برتوني" هو "بليتز"، الذي يعتبره صنّاع السيارات الاكثر تفوقاً من حيث الشكل والاداء، وهذا الطراز جعل غير عارف بعالم السيارات يقر بأنه سيكون النهج الهندسي الذي سيتحكم بصناعة السيارات حتى القرن المقبل. في 31/1/1993، سيكرم "مركز السيارات الدولية" "برتوني" الاب والابن. ففي "بانتين"، سيعرض اكثر من 25 طرازاً فريداً، كان "برتوني" قد صنعها خصيصاً لزبائن منذ ثلاثين سنة. وربما كانت جوهرة المعرض مجموعة سيارات "بات" التي يملكها ياباني مهووس بالمصمم الايطالي، وافق على اعارتها "لمركز السيارات الدولية" تكريماً لذلك المصمم الذي ترك بصماته المبدعة على صناعة السيارات. برتوني، لا "نكهة" لعالم السيارات من دونه. انه من القلة التي دخلت التاريخ عن جدارة.