أقامت دار "شانيل" الفرنسية أخيراً في متحف الفنون الحديثة في باريس تظاهرة جمالية عنوانها "الاضواء والالوان وجمال الوجه"، حضرها عدد كبير من المهتمين بفنون التجميل بينهم مجموعة من ممثلي الصحافة العالمية. "الوسط" حضرت هذه التظاهرة وعادت منها بالتحقيق الآتي: الزمان مساء يوم غارق في الغيوم والمطر. المكان متحف الفنون الحديثة او المعاصرة المستلقي على ضفة السين غير بعيد عن برج ايفل. المناسبة تظاهرة جمالية دعت اليها دار شانيل عنوانها "الاضواء والالوان وجمال الوجه". الحضور مجموعة من ممثلي الصحافة العالمية. إشارات تحمل اسم شانيل مزروعة في ممرات المتحف الخارجية والداخلية تقود الى قاعة الاضواء. جدية فنية وجمالية صارمة تفرض ذاتها منذ الدخول الى القاعة. كل لوحات المتحف كانت تشترك في الاستقبال وفي التظاهرة الاحتفالية لفلسفة الالوان والاضواء وانعكاسها على تجميل البشرة. كان يجب المرور في ردهات وقاعات المتحف المنحنية على اجمل اللوحات والقطع الفنية المعاصرة قبل الوصول الى القاعة التي سيقام فيها اختبار نزول الضوء على اللون وانتقال هذا الى الوجه. على مدخل القاعة الاحتفالي كانت فيرونيك سافوريه المسؤولة عن تنسيق العلاقات الخارجية في دار شانيل وعن الشؤون الصحافية العالمية للدار، تنتظر على الباب. الى جانبها اريان كوفينيه، الملحقة الصحافية التي تعمل معها. كلتاهما تهتم بالاستقبال والتوجيه نحو قاعة الانوار. الطقس احتفالي فعلاً وقد فرض صمتاً اخاذاً على الحضور المختار من كل لون وبلد. بدأت الانوار البيضاء تسقط في الممر العريض المؤدي الى القاعة. "دومينيك مونكورثوا" مدير الابتكارات العالمية عند شانيل في مقدم الحشد الصحافي الصغير. دخل فوراً في المغزى من هذا الاجتماع الاستثنائي في هيكل الضوء واللون الابيض الخارق حيث قال "ان شانيل تحب الضوء لأن الضوء هو الحياة. بعض الاضواء تجمد التقاطيع وتؤذي جمالية البشرة وتسمح للتجعيدات الكبيرة والصغيرة بالتشعب في الوجه. بعض الاضواء الاخرى، اللطيفة والدافئة، التي يسيطر عليها الاصفر، تعطي بريقاً ومسحة من الشباب للوجه. ليس هناك اكثر ملاطفة وسحراً من ضوء الشموع. ان الوجه ذاته، والبشرة ذاتها، يمكن ان يظهرا بشكل مختلف. وتحدي شانيل الحالي في فن التجميل يتلخص في التركيز على لون الوجه في جميع حالاته. الصحة المشرقة عليه تتألف من خلال تلوين اساسي للبشرة. ثم تأتي بقية الالوان في عملية تجميل الوجه. هذه هي ثورة شانيل في عالم التجميل: اللون الضوئي المتغير السارح على البشرة. جديد في مفوهمه الجمالي، وهو يحمل لجميع النساء، بكل انواع بشرتهن حلاً قائماً على تجارب طويلة في حقله. لننظر الى بشرتنا الآن تحت هذا الضوء الابيض الشفاف الذي لا يشابهه ضوء واقعي. انها تلمع، تتغير، تتألق. نحن لا نملك بشرة واحدة في نوعيتها. غير ان هذه البشرة صارت متشابهة في كل منا، بتأثير الضوء على اللون وخاصية الجفاف والدهنية. تجربة الضوء واللون في القاعة الكبيرة الواسعة المخصصة لاجراء تجربة الضوء ولون البشرة، كانت مقاعد جلدية طويلة تتوزع بشكل غير منتظم فيها. لونها ابيض، في الوسط جلست شابة وراء آلة موسيقية كبيرة تشبه الربابة. واجهة زجاجية طويلة صامتة على الحائط المقابل. يطلب المرافق ان يأخذ كل من الحضور مكانه على مقعد، ويقول: "يمكن الاسترخاء جلوساً او نوماً. الضوء سيتماوج مع الموسيقى. خلف الواجهة الزجاجية ستظهر عملية تجميل بالضوء واللون. الضوء سيكون ايجابياً عبر مادة لون الوجه الجديدة الذي ابتكرته شانيل. راحت الشابة تمرر اصابعها على الربابة منحنية عليها كاحدى موسيقيات الف ليلة وليلة. الاسترخاء صار تاماً على المقاعد وكل على طريقته. لمعت الواجهة الزجاجية وظهرت عارضة وراءها. امسكت بزجاجة من سائل شانيل الضوئي وبدأت تمسح به وجهها. سقط لون ابيض، ثم ازرق، ثم اخضر. وبعدئذ سقط اللون الاحمر والاصفر والاسود، كان وجهها يتخذ اشكالاً جمالية مختلفة تبعاً لكل لون. سائل شانيل تدخل بين البشرة ولونها. وواجه مرور الزمن عليها ولعب لعبته التجميلية. كأن الساحر يلعب بعصاه وراء الواجهة. وجه العارضة يتبدل بتأثير الضوء واللون وبسبب سائل احتل البشرة وسمح لبقية المستحضرات التجميلية ان تحتفظ بخصوصيتها عليه". "دومينيك" مدير ابتكارات شانيل الانيق يكمل شرحه حسب حركة العارضة وهي تمرر السائل الاساسي التجميلي على وجهها: "الاساس التجميلي الضوئي هو مستحضر تلويني مائع وشفاف الى اقصى الحد، يضفي على الوجه لمعاناً خفياً واخاذاً، يتكون هذا السائل من مركب عضوي سيلسيومي يمتاز بتبخره. ووضعه سهل على الوجه لأنه لا يترك بقايا دهنية لزجة عليه. وظيفته تصحيح الضوء واللون والسماح للاصباغ الملونة بالتوزع بشكل متناسق وطبيعي. هذا الاساس اللزج من الضوء واللون يتوزع بين الابيض الذي يخفف من تعب السحنة الظاهر، والزهري الذي يضفي اماناً وحيوية على البشرة، والدراقي الذي يوقظ الوان الوجه التعب سواء اكانت البشرة برونزية ام لا. ثم البرونزي الذي يعطي البشرة لون الشمس مباشرة ويزيد من السمرة الطبيعية في "ايام العطل". الجمهور الصحافي صامت في القاعة التي كانت تغرق في لون اصفر جميل. الربابة لا تزال تعزف، والجميلة في الواجهة الزجاجية لا تزال تجرب على وجهها تنوع الالوان الجديدة التي اطلقت عليها شانيل اسم لون الوجه في جميع حالاته. الانطلاق من اساس ضوئي في عملية التجميل، مجال جديد لشانيل. شيئاً فشيئاً تختفي الجميلة من وراء الواجهة، وتذهب الالوان من حيث أتت، لتضيع في حضن السواد الذي كان يغمر الخارج. تتوقف الربابة، تعود الاضواء الكهربائية العادية، وكان من الصعب ازاحة الجمهور الاعلامي عن المقاعد الوثيرة. لكن صوت "مونكورتوا" بقي يتتابع، كأنه عالم نفس ضخم في مجال التجميل، وليقدم الجميلة على الطبيعة. نهض الجميع لينظر في وجهها. كان يلمع بطبيعية. هذا هو الجديد التجميلي في عالم المستحضرات التقنية اليوم. شانيل منذ بداية العشرينات كانت اطلقت اول حمرة للشفاه. وبقيت امينة على عهدها في ايفاء حقها من الجمال، في الزي والعطر ومستحضرات التجميل، كانت تضع البودرة على وجهها والكحل حول عينيها والاحمر على شفتيها، وتتناول عشاء خفيفاً. كانت تقول: "الوجه مرآة يعكس تموجات الحياة الداخلية، لذا يجب توجيه اكبر قدر من العناية له". بهذه العبارة، انتهت التظاهرة. بعض الاوراق حملت تعابير كوكو شانيل حول الجمال والتجميل. "يجب اللعب والتحايل مع العيوب في الوجه". كانت شانيل طبقت لعبة التجميل على وجهها بالذات. كان فمها كبيراً جداً. وقد حولت هذا العيب فيه الى جمال خاص باستعمالها حمرة الشفاه التي زادت من حركية التقاطع ومن حيوية التعبير. التواضع أناقة وجمال بقيت كوكو شانيل مغناجة حتى آخر يوم في حياتها. في كل صباح، كانت ترسل في طلب مزينها الخاص من اجل تحضيرها للخروج من مسكنها. كانت تقول: "الزينة هي علم قائم بذاته. والجمال، اي سلاح هو؟ التواضع، اية اناقة خارقة يتبلور بها؟". كانت قاعدتها في التجميل والاناقة هي ابراز اشراقة الوجه. كانت تعرض وجهها للشمس لاكتساب السمرة الطبيعية. ومن تجاربها الخاصة على وجهها وقامتها، كانت تكشف عن حركة في علم الاجتماع هامة جداً. كانت تحول الذهنية عن ملابسات التقاليد الصارمة وتدفعها بهدوء في حقل التطور الجمالي المتواضع. في العام 1931 اطلقت كوكو شانيل مجموعة من المستحضرات التجميلية الشمسية موقعة باسمها. تطورت المستحضرات في مختبرات دارها، وفي الثمانينات بدأت العودة الى "البشرة البيضاء"، والى اللون الفاتح جداً. في 1986 ظهر مستحضر "ابيض شانيل" الذي حافظت تركيبته على ذهنية "كوكو" في التجميل. لأن هذا المستحضر ترك البشرة تتنفس مع تغذيتها باشراقة نضرة جداً. كانت كوكو شانيل تدعي ان التأنق هو غزو ذهني وفكري للحواس. وقد سبقت في مفهومها هذا الكاتبة الاميركية ديان اكرمان التي وضعت كتاب "الحواس" حديثاً، بعشرات السنين. فمن اجل تمجيد الحواس الخمس عند الانسان، قامت ديان بسفر طويل حول الجسم والروح. من الرائحة عبر التاريخ الى السمع مع اناشيد الحيتان، الى العين المعايشة لقوس القزح في الوانه المتفوقة، مزيج من العلوم والآداب، فيخرج المرء من قراءة الكتاب بحكمة مفادها ان الجسم لا يمكنه ان ينسى مطلقاً رعشات الروح. ولم يكن ارسطو مخطئاً حين قال: "ان الجمال هو شفاعة تأثيره واكبر بكثير من اية رسالة توصية". غير ان شكسبير في "حلم ليلة صيف" يعكس هذا المنطق في عبارته الشهيرة "الحب لا يرى بعينيه، لكن بروحه". في نص عن "اللون" في كتابها، كتبت ديان ما يلي: "عند الغسف، ترتجف اجنحة زهرية على قمم التلال، ويرقص اللون البنفسجي على وجه البحيرة رقصة الشبح. حين يسقط الضوء على سيارة حمراء تقف في زاوية الشارع، تنعكس الاشعة الحمراء في العيون فقط. ونقول احمر، بقية الالوان تتحشرج في دهان السيارة. حين يضرب الضوء علبة بريد زرقاء، يتألق اللون الازرق، ونقول: ازرق. نحن لا نرى الا الالوان المعكوسة في انظارنا ونقول: التفاحة حمراء. في الحقيقة هي كل شيء ما عدا انها حمراء". لعبة الالوان في الحس تعكسها العين، فلا تستقطب الا المباشرة منها. وهذا ما يحدث بشكل ما في تحليل الالوان الستة التي تعتمدها شانيل في نظريتها الحديثة التطبيقية عن التجميل. فهل يكون هذا فعلاً حدث العام 2000 المقبل، وان البداية تنطلق من مستحضر تجميلي ناتج عن عملية مخبرية مجهدة وطويلة اساسها الضوء واللون وغايتها الحفاظ على طبيعية البشرة. التجربة قيد التطبيق اليوم. والمستحضر بدأ يحتل مكانه الى جانب المستحضرات التجميلية التي لا يحصى ابتكارها في العالم. ويبقى التنافس بينها يقوم على مصداقية فاعليتها. فما فلسفة الالوان الستة التي تقلب المفاهيم التجميلية المعتادة: الابيض، الاصفر، الاحمر، الازرق، الاخضر، الاسود؟ خصص لكل لون مجلد يحتوي النظري والعملي عنه وبأقلام الكبار في مجاله الاجتماعي والنفسي والجمالي والعلمي والطبيعي. للابيض ثلاثة اسرار، ما هي؟ المعروف عن الابيض انه مركب بمهارة، وهو احد الساحرين في ابراز الجمال. مجمّل حقيقي للون البشرة، فهو يليق ويضيء ويحوّل وينقي ويبعث الشباب في لمساتها. وقد عرفت شانيل كيف تستغل هذا البياض في التجميل حول ثلاث نقاط. السر الاول منها، اختيار الابيض كاساس تجميلي، وكأساس الرسم في ولحة الرسام. والثاني، الابيض كخليط من اجل تمويه لون البشرة. اكثر ذهبية في الصباح، اكثر شفافية في المساء. الثالث، الابيض كلمسات تجميلية نهائية. وكاستعماله في تعديل عملية تجميلية تكثفت من جرائها المستحضرات على العين وجوانب الانف مثلاً. والتاريخ عبر عصوره القديمة والحديثة مليء بأخبار استعمال الابيض وتقاليده. فقد جعل القدماء من الابيض شعاراً للالوهية. وفي القرن الثامن عشر كانت البودرة تستعمل قناعاً للوجه، وكانت تنثر على الثياب. كانت كوكو شانيل تحب الابيض لانه لون الضوء. كانت ترتدي الابيض في المناسبات الاستثنائية، وقد ارتدت ثوباً أبيض في جنازة دياغيليف لانه قال عنها: "كم كنت جميلة، في البياض الكلي". كانت زهرتها المفضلة: الكاميليا البيضاء. قال الشاعر الالماني غوته مرة "منذ الآن فصاعداً حين يتوجب علينا الكلام عن الالوان افلا يفترض ان نشير الى الضوء قبل كل شيء"؟. والعكس هو الصحيح أيضاً، فنحن حين نأتي على ذكر الضوء، الا يجب العمل على بعث الالوان؟ ان المزج بين "الالوان والضوء" يبدأ بالاصفر. لأن الاصفر هو الضوء بذاته، والاكثر تألقاً بين الالوان جميعها. الاصفر هو الشمس. اي النصر على الظلمات. وقد قال "بازيل الكبير" "ان الشمس تقود خطواتنا وتدلنا على الزمان والمكان". بقي هذا اللون رمزاً للمرض والمجاعة والخيانة في اوروبا، لمدة طويلة. انه لون غامض عرف النصر حين اصبح لون الذهب الذي يعكس القوة والمجد. الاصفر مادة شعرية خصبة: امواج هوائية في حقول القمح، وشعر الاميرة الاسطورية الذي ينسدل على ظهرها. حين يتم تركيب مستحضره بشكل جيد، فهو يضيء الوجه، هذا اساس فن التجميل عند شانيل، بل هو فن قائم بذاته لا يملك اسراره سواها. وقد ذكر المؤرخ "جان ناجل" ان الانيقات لم يكن يخشين من تمرير الزعرفان على وجوههن. وكان المصريون القدماء يدهنون اجساد موتاهم باللون الاصفر كرمز لعدم فنائها. الاحمر يأتي من الارض التي تتشقق. الاحمر الذي يحرق والذي ينقي. هو في الحقيقة وعد بالسعادة. انه لون القلب. كما يعني القوة والرجولة والفتح. سلاح للمرأة حين يحيط بشفتيها ويخطّ على أظافرها. دومينيك مونكورتوا وهيدي موراوتز، ثنائي لا ينفصل في العمل على ابتكار مستحضرات تجميل شانيل على الصعيد العالمي، في سياق مقال لهما عن اللون الاحمر، جاء "ان أهم ما يحدث في عملية تجميلية هو معرفة المزعج بين الاحمر والضوء لأجل اعطاء الحياة الى الوجه عبر هذه اللعبة الفنية، ومنحه فجأة كل جاذبية العالم. في المساء، على ضوء الشموع مثلاً، يجب استعمال الاحمر الجاف. من أجل ضوء نهار عادي، يفضل استخدام احمر متوسط ولمّاع. الاحمر يخلق دائماً بداية للجاذبية". اندريه شليمير، طبيبة نفسانية وباحثة كبيرة في مجال علم النفس تطبق علاجاً باللون الاحمر على مرضاها تقول "من اجل دعم القوة الجسدية والتحلي بالشجاعة وموهبة التصرف، يجب التفكير بالأحمر. وعند التردد امام قرار ضروري، الاحمر يبعث الشجاعة". الأزرق والأخضر والأسود الازرق يأسر، انه الفضاء والعمق والدوخة. "طبقات من الشفافية، تراكمات من الفراغ". يحمل الأزرق الاحلام، من اعالي السماء حتى اعماق البحار. لون الزمرد ولغة العيون. يحيط بها، فتكبر الاهداب، ويصبح الوجه منظراً جميلاً. في العصور الوسطى، صار الأزرق لون الملوك في فرنسا. انه لون لائق، أدبي وباختصار انه لون بورجوازي. في القرنين الثاني عشر والثالث عشر حدثت تحولات هامة الحساسية كان لها نتائج كبيرة على الالوان. اتخذ الأزرق لمظاهر عدة. واقع ثقافي ضخم، يمكن تسميته بالثورة الثقافية في ميدان مستحضرات التجميل عند شانيل، فالأزرق الليلي يمنح العين والنظرة عمقاً خيالياً. كوكو شانيل كانت تتكلم عن السماء والماء. والزرقة هي لعبة الظل والضوء. الأخضر لعبة الوان في تجميل الوجه انه شريك النظرة والمتواطئ معها في الغموض. هذا اللون يحمل شرارة حيوية لعين سوداء، ويحدد براءة البياض في القرنية. الاخضر الفاتح يمنح العينين الخضراوين ظلالاً مزرورقة. الزمردي الشاحب منه، يلطف النظرة. غامق مائل الى الرمادية، يعطي القوى وحسن التعبير للوجه، ممزوج بالأزرق، فهو يوحي بالعمق والجدية. في الواقع، والاخضر انيق في تجميل الوجه. والسحري منه هو الذي يداخله لون الدخان. وهو يستعمل في تظليل الاهداب والاجفان وأسفل العين. وبعض الاخضر الشاحب يمكن ان يقلل منه احمرار البشرة وحساسيتها. والاسود هو الارض الخصبة في عمقها، وككثافة الصمت. هو اناقة وندرة في الفخامة. ولكن هل هو لون؟ انه مضاد للأبيض، فهو يخفي ويكشف معه الظلال والاضواء. عيون المرأة الجميلة تحاط دائماً بكحل اسود. الكحل الشرقي يحمي العين من الشمس، يعمل على تكبيرها. في عملية التجميل يكون اللون الابيض اساسياً ويكون الاسود لا بد منه. الاسود عند شانيل هو فلسفة حياة بأكملها، وفلسفة تجميل بحد ذاتها. هذه الالوان الستة تمزج وتحضر في مختبر شانيل الخاص تحت اشراف دومينيك كونكورتوا وهيدي موراوتز. هذا الخبيران في التجميل لا يفارقان المبنى الجميل الواقع في اجمل احياء باريس، والذي يعكس اناقة وارستقراطية شانيل. واسع ومضيء، موزع بين الابيض والاسود، لونا شانيل المفضلين. انه مكان العمل المتواصل وان كان لا يبدو على اجوائه ذلك. دومينيك وهيدي مكلفان بالابتكار العالمي لمستحضرات تجميل شانيل. هذا الثنائي ملتصق الواحد منه بالآخر، كما يلتصق الظل الملون بالحاجب. بدأ دومينيك بالعمل في حقل الماكياج، في الثامنة عشرة من عمره. كان يصمم الأقنعة والشعر المستعار في كواليس السينما. مرت بين يديه رؤوس النجوم السينمائية الشهيرة: بريجيت باردو، جان مورو، لويس دو فونيس وجينا لولو بريجيدا. وفي العام 1968 اكتشفت شانيل دومينيك، وهو بدوره اكتشف شانيل. وقع كل منهما في حب فن الآخر. ومن الصعب التصديق ان دومينيك يبلغ اليوم السادسة والاربعين من عمره، وان وراءه اربعة وعشرين عاماً من العمل في صروح شانيل التجميلية. فمظهره لا يدل على عمره. انه حيوي ومتحمس وجذاب. يعمل مع فريق عمل في انتاج مستحضرات التجميل. ويمضي بين سنتين وأربع سنوات في ابتكار مستحضر جديد، وهو المدير لابتكار هذه المستحضرات منذ العام 1970، وقد سمح لشانيل بنيل عدة جوائز. وكان اكبر اختراع قدمه دومينيك لدار شانيل هو تدجين الضوء وادخاله في تركيب مستحضر يعيد للبشرة نضارتها بصورة طبيعية. الى جانب هيدي موراوتز، النمساوية الاصل والتي تعمل في دار شانيل منذ اثني عشر عاماً، ابتكر دومينيك العجائب التجميلية. كان قد "خطفها" من دار ايف سان لوران كي تعمل معه. يظهر على هيدي الحياء. وهي لا تتكلم كثيراً. بل تترك المجال لدومينيك كي يحلق في اجواء العبارات المثيرة حول آخر ابتكاراته الضوئية في حقل تجميل الوجه. على طاولة العمل تستريح مجموعة لا حصر لها من الاقمشة والحصى والحبال والازرار والباستل عجينة من صبغ مسحوق تستعمل في صنع الاقلام الملونة قادمة من نبات عشبي زراعي للاصباغ والعلب والصور وأشياء اخرى من جميع الالوان. مغارة علي باب مخصصة للتجميل. ليس هذا كل شيء. فالضوء قد يكون كاملاً في عملية التجميل. هذا ما يقوله جان كلود لوجوليف. "المستحضر التجميلي عمل ابداعي متجدد. ومزج الضوء به يجعله مريحاً على الوجه كأنه مادة طبيعية. وهو من اجل امرأة تحب التجميل النقي والنظيف في حياة عملية، اي في حياة عصرية. لذا تم تزاوج المادة التجميلية مع الطبيعي. ويتم هذا باختبار اصبغة تبخيرية تترك على الوجه آثارها فقط، كالهالة الفرحة. قناع تجميلي يبدو الوجه معه لماعاً بكمال طبيعي او كامداً برصانة. والمستحضر الجديد هذا هو ناعم ودقيق مئة مرة اكثر من اي مستحضر تقليدي. لم يسبق لأحد ان ادخل الضوء في مستحضر تجميلي اساسي، ووصفة شانيل بهذا الصدد تكلف كثيراً، وقتاً ومادة، لأن اساسها نوعية المواد المستعملة فيها. وهي مشتقات نشوية زيتية لا يدخل فيها الماء، ومما يسمح لها ان تسرح مع الضوء والالوان على وجه جميل، فتزيد من تألقه دون ان تفقده نضارته الطبيعية الاصلية".