على رغم أن المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي تعرضت لضربات غادرة في أمنها من أفراد تنظيم القاعدة، وحملات تحريض وتشويه على أمن مجتمعها ورموزها، إلا أنها ظلت تتبع سياسية الهدوء والمكافحة الأمنية الناجعة في إزالة الأفكار المتطرفة من أذهان أبنائها الذين تورطوا في الانضمام إلى جماعات التطرف داخلياً وخارجياً. ويجزم كثير من المراقبين أن المملكة التي اكتوت بنار الإرهاب وتعرضت لعمليات تفجير وقتل - لم تكن متوقعة - قبل عقد من الزمان، سرعان ما عادت إلى الحفاظ على أمنها بأقل الخسائر، كما انتهجت اتخاذ أسلوب المناصحة لأصحاب الفكر المنحرف حلاً فكرياً لم يعرفه العالم من قبل. إذ أُطلق مركز محمد بن نايف للرعاية والمناصحة واستطاع تبيان الحقيقة لمئات الشبان الذين يتم تخرجهم في المركز كل ثلاثة أشهر، كما أن عدداً من الدول العربية والأجنبية سارعت إلى نقل التجربة السعودية إلى بلادها بعد أن حققت نتائج إيجابية في المملكة. وقوف حازم ضد"العنف" وقفت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، موقفاً حازماً وصارماً ضد الإرهاب والعنف بكل أشكاله وصوره على الصعيدين المحلي والدولي. وأكد تقرير أعدته وكالة الأنباء السعودية أخيراً، أن المملكة"عانت من أعمال العنف والإرهاب الذي أصبح ظاهرة عالمية تعددت أساليبه ومسالكه، وطال العديد من دول العالم كونه آفة خطرة لا وطن ولا دين له، ولا يعرف جنساً ولا زمناً ولا مكاناً". وتصدت السعودية لأعمال العنف والإرهاب على المستويين المحلي والدولي، فحاربته محلياً وشجبته ودانته عالمياً، وأثبتت للعالم أجمع جدية مطلقة وحزماً وصرامة في مواجهة العمليات الإرهابية، كما أنها جندت أجهزتها كافة لحماية المجتمع من خطرهم، ومن ذلك القضاء على أعداد كبيرة من العناصر الإرهابية في مختلف مناطق المملكة. وعبرت عن شجبها الكامل للإرهاب بأشكاله وصوره كافة وأياً كان مصدره وأهدافه، من خلال تعاونها وانضمامها وإسهامها بفعالية في الجهود الدولية والثنائية المبذولة ضد الإرهاب وتمويله، والتزامها وتنفيذها للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وشاركت بفعالية في اللقاءات الإقليمية والدولية التي تبحث موضوع مكافحة الإرهاب وتجريم الأعمال الإرهابية أو دعمها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي تطبقها المملكة، واعتبارها ضمن جرائم الحرابة التي تخضع لأشد العقوبات وتعزيز وتطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإرهابية وتحديث وتطوير أجهزة الأمن وجميع الأجهزة الأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب، وتكثيف برامج التأهيل والتدريب لرجال الأمن والشرطة وإنشاء قناة اتصال مفتوحة بين وزارة الداخلية ومؤسسة النقد العربي السعودي لتسهيل سبل التعاون والاتصال لأغراض مكافحة عمليات تمويل الإرهاب. تنظيم مؤتمرات للقضاء على"الإرهاب" انتهجت المملكة العربية السعودية خطوات مهمة وملموسة في مكافحة ظاهرة الإرهاب الخطرة وأسهمت بفعالية في التصدي لظاهرة الإرهاب، وكانت أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي في شهر صفر لعام 1421ه/ أيار مايو من العام 2000. وكانت المملكة سبّاقة في حض المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب، ووقفت مع جميع الدول المُحبة للسلام في محاربته والعمل على القضاء عليه واستئصاله من جذوره، ودعت المجتمع الدولي إلى تبني عمل شامل في إطار الشرعية الدولية يكفل القضاء على الإرهاب ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدول سيادتها وأمنها واستقرارها. كما توجت المملكة مساعيها باستضافة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في مدينة الرياض في 25 ذي الحجة من العام 1425ه/ 5 شباط فبراير لعام 2005، بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية تتويجاً لجهودها في محاربة الإرهاب بكل صوره على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي للقضاء على هذه الظاهرة، منطلقة من إيمانها بأن الإرهاب هو مشكلة عالمية خطرة يستوجب التصدي لها وتعاون جميع الدول وتضامنها وتضافر جهودها. رعاية إنسانية ل"شهداء الواجب" في جانب إنساني وتقديراً منها للتضحيات التي قدمها رجال الأمن في مواجهتهم لعناصر التطرف، اهتمت الدولة برجال الأمن الذين يخوضون المعركة ضد الإرهاب واحتضنت أبناء شهداء الواجب منهم وأُسرهم واعتنت بالمصابين منهم، كما زار وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ومسؤولو وزارته وعدد من أمراء المناطق أسر الشهداء، وعبروا عن مواساتهم وتقديم العزاء لهم والإشادة بما قدموه من إنجازات للوطن ستظل وسام شرف في سجل الإنجازات الأمنية للبلاد. ونال رجال الأمن شرف ثقة القيادة السعودية في قدراتهم وشجاعتهم وتقديرها لتضحياتهم بأرواحهم في سبيل الحفاظ على أمن هذه البلاد الطاهرة وصون أمن مواطنيها والمقيمين فيها وقاصديها من الزوار والمعتمرين وحجاج بيت الله الحرام. أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خلال الأعوام الماضية ثقته الدائمة في رجال الأمن والقوات المسلحة بمختلف القطاعات الأمنية، منوهاً خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الإثنين 28 محرم 1427ه، بيقظة رجال الأمن وتفانيهم في خدمة دينهم ووطنهم وشعبهم وتوفيقهم بفضل الله في القضاء على فلول الإرهابيين الهاربين، وإحباط المحاولة الإرهابية في محافظة بقيق التي استهدفت منشأة اقتصادية وطنية كبرى يعود نفعها على جميع أبناء الشعب السعودي. خطط وقائية وعفو عن مطلوبين قامت المملكة بالعديد من المبادرات والجهود للقضاء على الفكر المنحرف والأعمال الإرهابية، أهمها المبادرة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 5-5-1425ه، 23-6-2004، وتضمنت عفواً عن كل من يسلم نفسه لمن ينتمي إلى تلك الفئة الضالة ممن لم يقبض عليه في عمليات الإرهاب، طائعاً مختاراً في مدة أقصاها شهر من تاريخ ذلك الخطاب، وسيعامل وفق شرع الله في ما يتعلق بحقوق الغير. واستفاد من ذلك القرار عدد كبير من الأشخاص الذي اعتنقوا الفكر الضال وسلموا أنفسهم للجهات الأمنية واستفادوا من العفو الملكي، ومن بينهم أشخاص كانوا موجودين في الخارج. ونهجت الدولة في ذات السياق أسلوباً فريداً في علاج ما ظهر من بعض أبنائها باعتناقهم الفكر التكفيري المنحرف من خلال مواجهة الفكر بالفكر، وتصدت وزارات الداخلية، والثقافة والإعلام، والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، لهذا المجال. وشكلت وزارة الداخلية لجنة المناصحة، وهي لجنة شرعية تتكون من العلماء والدعاة والمفكرين بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لدى الموقوفين ونصحهم وتوجيههم إلى تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة السلمية وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى وبينه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية، فجلسوا مع الموقوفين وقدموا لهم المحاضرات في هذا الخصوص وأرشدوهم وأوضحوا لهم خطأ فكرهم من وجوه عدة، وبينوا لهم بالأدلة الشرعية والنبوية الطريق المستقيم ودلوهم على الحق الذي ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتحققت مع هذا النهج الأهداف المرجوة في عودة الكثير من المغرر بهم إلى جادة الصواب نادمين على ما اقترفوه من أعمال. ومن أبرز ما تحقق في هذا المجال، تراجع الكثير من المنظرين للفكر التكفيري المنحرف عن فتاواهم التي استندت عليها عناصر الفئة الضالة في القيام بأعمالها الإجرامية وأكدوا أن تلك الفتاوى تلك خاطئة وتراجعوا عنها وأعلنوا توبتهم وتراجع عدد من أعضاء الخلايا الإرهابية.