كان الهم الأول ل «أبو يوسف» هو الحصول على لقمة عيش هانئة لأسرته البالغ عددها عشرة أفراد. لم يكن راتبه التقاعدي يفي بمتطلباتهم، خصوصاً أن ابنته البكر تدرس في الجامعة وثلاثة من أبنائه يدرسون في المرحلة الثانوية فاضطر إلى الدين لشراء سيارة أجرة «ليموزين» لزيادة دخله. كلما دخله اليأس من وضعه المادي أو بلغ به التعب مبلغه، تذكر مستقبل أبنائه، ممنياً نفسه بأنهم سيردون الدين ويعوضونه عن سنوات التعب والشقاء التي بدت آثارها على ملامحه، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان. فجأة وجد نفسه على السرير الأبيض، وفي اليوم التالي قرر الأطباء إصابته بجلطة في الطرف الأيمن من جسمه. هنا انقلبت الأوضاع رأساً على عقب ودخل مستقبل الأبناء في نفق مظلم، بل إن أحدهم فكر في ترك الدراسة وتوفير لقمة العيش لأشقائه عن طريق سيارة والده. يقول أبو يوسف ل«الحياة»: «بدأت الحياة تسوء بعد أن أصبت بالمرض على رغم العلاج المتواصل الذي يجعلني أتفاءل لعدة أيام فقط»، موضحاً أنه جرى علاجه بداية في الخرج، وبعد ذلك تم تحويله إلى مستشفى القوات المسلحة في الرياض، إذ يخضع لجلسات متتابعة. ويضيف: «أنا مؤمن بالقضاء والقدر ولا اعتراض على مشيئة رب العالمين، صدقوني لا أهتم بالمرض، ولكن ما يضايقني هو مستقبل أبنائي من بعدي»، مؤكداً أنه لم يتمالك نفسه عندما علم أن أكبر أبنائه يفكر في ترك الدراسة ليعيل والدته وأشقاءه. ويتابع: «وصل بنا الحال إلى أن أبنائي أحياناً لا يجدون ما يأكلونه»، مشيراً إلى أنه أكد عليهم مرات عدة أن أهم ما يملكونه هو كرامتهم أمام الناس، ولذا فإن عليهم عدم سؤال الناس أو تسولهم. كان أبو يوسف يتوقع أن الظروف المالية السيئة لأسرته لن تستمر سوى فترة قصيرة، ولكن الوضع لم يتغير رغم مرور أكثر من عام، الأمر الذي جعله وأمام تهديد الحاجة لمستقبل أبنائه أن يشرح معاناته ومعاناة أسرته إلى الإعلام. وعلى رغم أن «أبو يوسف» لا يغادر فراشه إلا لمراجعة المستشفى، إلا أن وضعه الصحي مستقر نوعاً ما، وفي المقابل فإن الزائر يرى الوجوم واليأس في عينيه، «بالنسبة لي أولى المصائب هي ضياع مستقبل ابني، فماذا سيحدث لبقية أبنائي في الأشهر المقبلة»، موضحاً أنه يحاول جاهداً أن يذكرهم بين الحين والآخر بضرورة إكمال الدراسة وعدم الالتفات لوضع الأسرة المادي. ويعتبر يوسف، وهو الابن الذي ترك مقاعد الدراسة، أن واجبه تجاه والده وأسرته فرض عليه أخذ القرار بسرعة، «ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أصيب والدي بالسرطان، وخلال أقل من شهر بتنا نذهب إلى المدرسة من دون وجبة إفطار، والله وحده يعلم ماذا كان سيحدث للأسرة لو لم أوفر لقمة العيش لأسرتي»، مؤكداً أنه ضحّى بمستقبله من أجل إخوته، وهذا أفضل من ضياع مستقبل الجميع. ويشير إلى أن والده غضب منه في بداية الأمر ولكنه تفهم الوضع بعد ذلك، «ظروفنا كانت سيئة قبل مرض والدي، ولكنها زادت سوءاً بعد أن أصبح طريح الفراش، وما أحصل عليه من سيارة الأجرة لا يكفي سوى لعلاج والدي وقليل من الأمور الأساسية»، لافتاً إلى أن بقاء الوضع كما هو سيعرض مستقبل بقية إخوته للضياع. ويتمنى أبو يوسف، الذي لم يتلقَ مساعدة من الضمان الاجتماعي، من المسؤولين في هذا البلد المعطاء وفاعلي الخير الوقوف مع أسرته للتغلب على ما تمر به من واقع مؤلم، «لا نريد شيئاً أكثر من حاجتنا، فقط دخل شهري ثابت حتى يتجاوز أبنائي مرحلة الدراسة».