نشرت الملحقيات الثقافية السعودية في ثلاث عواصم عربية (مصر، السودان، والأردن) إعلاناً عن وظائف اكاديمية شاغرة في الجامعات السعودية لغير السعوديين، في ردة فعل مناقضة وبعيدة عن خطة الاصلاح وتوطين الاستحقاق الوظيفي الذي تهدف له الدولة، وبعد أن نكأ الخبر جرح العديد من الخريجات، صرحت وزارة التعليم العالي بعزمها على استقدام مُحاضِرات من بعض الدول العربية لنُدرة بعض التخصصات العلمية، ولسد عجز الكليات والجامعات التي تم استحداثها وتوسيعها أخيراً، لتعطي الوزارة نفسها الحق في تبرير ذلك التوظيف، وكما يعرف البعض بأن وزارة التعليم العالي هي المسؤولة عن عملية التوظيف الاكاديمي في الجامعات السعودية، ووزارة العمل «بريئة من دم يوسف» وتخلي مسؤوليتها عن تورطها في اي خيانة للوطن او توظيف من الخارج، ولكن لا تُمانع من منح التأشيرات! راسلني عدد من خريجات الماجستير من المملكة وجامعة جورج واشنطن، وجامعة كاليفورنيا، وجامعات أميركية عدة ومن استراليا، يحملن تخصُصات إدارة مالية، وإحصاء، ونُظم معلومات، رياضيات، كيمياء حيوية، وآداب انكليزي، يسألن ما هي التخصصات النادرة التي تبحث عنها وزارة التعليم العالي؟ وتؤكد الخريجات اللاتي تحمل أغلبهن شهادات مع مرتبة الشرف، أنه قد قدمن ملفاتهن لدى جامعة الملك خالد، وجيزان وأم القرى وجامعة نورة وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود- وجامعة الدمام، منذ أكثر من ستة أشهر، ولم تسمع ولا واحدة منهن بأن هناك تخصصات نادرة، فإذا كانت تلك الذريعة حجة الوزارة، فلماذا تظل الحكومة تبعث في طُلاب للخارج دام مصيرهم البطالة المخطط لها مُسبقاً، لأن جميع التخصصات الحالية وفي برنامج الابتعاث الخارجي ليست نادرة! وبدلاً من ان تخلي وزارة العمل مسؤوليتها، عليها أن تتوقف عن إصدار تأشيرات للخمس سنوات القادمة إلى أن يتم تعيين أبناء وبنات البلد، وإعطاؤهم الفرصة ليثبتوا أنفسهم كما جاء في قانون العمل، في هذه المرحلة الحرجة التي يتعالى فيها اصوات العاطلين والعاطلات من حملة شهادات الماجستير والدكتوراه، ومن المفترض أن تُطالب وزارة العمل وزارة التعليم العالي بوضع قائمة بأسماء تلك التخصصات النادرة من باب الشفافية والا تكتفي بتلك الذريعة، بل من واجبها الوطني تحمل المسؤولية ونشر تلك الوظائف في مواقع الجامعات لخريجات الوطن أولاً، وإعطاؤهن الفرصة بالتقدم عن طريق موقع وزارة التعليم العالي، أو عن طريق وزارة العمل نفسها، لأنه من المخجل ان يكون لدى التعليم العالي استعداد لدفع تكاليف باهظة للاستقدام تشمل تأشيرات عضو هيئة التدريس، وتذاكر سفر لأربعة من افراد العائلة، وسكناً محترماً في المدينة الجامعية، أو بدل سكن، وبدل تأثيث، وتأميناً طبياً، وبدل تعليم، حيث تتحمل الجامعة النفقات الفعلية لتعليم أولاد أعضاء هيئة التدريس، حتى لو بلغ عددهم خمسة أو سبعة أبناء، وتذكرة سنوية إلى بلد العضو أو اي بلد يختاره بالقيمة نفسها! وفوق ذلك صرف بدل ندرة، فيما تجد في نفس الجامعة اكاديميات يحملن شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، تُهمشهُن البيروقراطية وثقافة التسلط على الحقوق، وترفض الجامعة من رفع رواتبهن او حتى اعطائهن بعض المميزات الممنوحة للوافدين. التمييز في الرواتب والمميزات الحاصل في العديد من الشركات والمؤسسات التعليمية والحكومية والخاصة في المملكة يجب ان يتوقف لأن فيه مخالفة لأبسط مبادئ العدالة، حيث لا يستند على معايير المؤهلات أو نوعية وطبيعة العمل المؤدى، بل على أساس الجنسية، وهذا يتعارض بكل وضوح مع الفقرة أ من المادة 26 من نظام العمل والعمال التي تنص «على جميع المنشآت في مختلف أنشطتها، وأياً كان عدد العاملين فيها، العمل على استقطاب السعوديين وتوظيفهم، وتوفير وسائل استمرارهم في العمل، وإتاحة الفرصة المناسبة لهم لإثبات صلاحيتهم للعمل، عن طريق توجيههم وتدريبهم وتأهيلهم للأعمال الموكلة إليهم»، وهذا التمييز الذي تتبناه شركات ومؤسسات المجتمع في الأجور يُعد اكبرعائق في سبيل الاستمرارية في العمل، بل يُعتبر أحد أساليب «التطفيش» والتضييق، التي بسببها يستقيل عدد كبير من الكوادر الشابة إلى دول قريبة بحثاً عن مميزات وظيفية عادلة، يعتبر توظيف الوافدين في المملكة بمرتبات عالية مع وجود الكفاءات الوطنية القادرة على أداء الأعمال نفسها، خيانة وطنية ضد ابناء البلد، ودليلاً على مناقضة وزارة العمل لتوطين الوظائف، حيث سبق وان صرح وكيل وزارة العمل بأن الوزارة لن تقبل أن تكون هناك أي تفرقة أو تمييز بين رواتب المواطنين والوافدين وهو اعتراف صريح بعدم نظامية التمييز الواقع حالياً - وعدم المساواة في الأجر مخالفة صريحة لما جاءت به الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية التي صادقت عليها المملكة وتجاهلتها وزارة العمل، فمن باب العدل العمل على حفظ كرامة أبنائنا بحزمة من القرارات العادلة التي تنص على أن المواطن هو على رأس الهرم في المميزات الوظيفية في وطنه، والتخلي عن التبريرات الواهية التي هي في الاصل ذريعة للالتفاف على القوانين، فأصبح من السهل ان يحتال اي شخص على أنظمة وزارة العمل، كما فعل التجار حين فرضت القرارات الملكية عليهم بتطبيق تأنيث المحلات النسائية، فطالبوا بتأشيرات من الوزارة لكي يستقدموا خبيرات من الخارج يُدربن بنات البلد على بيع ملابسهن النسائية، لأن البائعين الهنود والبنغال والعرب الموجودين حالياً في اسواقنا المحلية حاصلون على شهادات خبرة واستحقاق من قلب العاصمة الفرنسية! * كاتبة سعودية. [email protected] twitter | @HalaAlQahtani