أكثر من ثمانية اتصالات هاتفية وعشرة اجتماعات رصدتها الاستخبارات الأميركية بين المكسيكونيويوركوطهران، انتهت بنجاح واشنطن في القبض على المواطن الإيراني - الأميركي منصور أرباب سير في 29 أيلول (سبتمبر) 2011 وكشف خطة اغتيال السفير السعودي عادل الجبير «بتوجيه وتمويل» إيراني. نص شكوى وزارة العدل الأميركية الواقع في 21 صفحة أشبه بروايات التجسس. فالحلقة التي بدأت أول الربيع الفائت خلال زيارة أرباب سير إلى إيران وتطويعه من قبل أحد أنسبائه ذي الرتبة العالية في «فيلق القدس» للقيام «باتصالات بتجار المخدرات» في أميركا اللاتينية، انتهت اليوم بأزمة إيرانية -أميركية وكم من المعلومات حول عمل الفيلق التابع ل «الحرس الثوري» الإيراني. وتستند الشكوى بمعظمها إلى تسجيلات صوتية ونصوص وتذاكر جمعتها الاستخبارات الأميركية قبل اصطياد أرباب سير وبعده. ويوضح النص أن التعارف بين المتهم الإيراني - الأميركي والمخبر المتخفي بدور عنصر في أحد جماعات التهريب المكسيكية البارزة، جرى للمرة الأولى في 24 أيار (مايو) الفائت. المخبر هو مهرب سابق في عصابات المخدرات كان في قبضة السلطات الأميركية وجرى إطلاق سراحه قبل أعوام مقابل تعاونه في القبض على مهربين، وأرباب سير تاجر سيارات في ولاية تكساس. وخلال اللقاء أطلع أرباب سير المخبر بأنه «مهتم باستهداف السفارة السعودية» ورد المخبر بالتأكيد «بأن لديه القدرة على استخدام متفجرات سي 4». وتلى اللقاء الأول رحلة دولية للمتهم لم يحدد النص مكانها، قبل أن يعود ويجتمع مرة ثانية في 14 حزيران (يونيو) مع المخبر في دولة المكسيك على الحدود مع ولاية تكساس، وفي ذهنه فكرة اغتيال السفير السعودي «كخطوة أولى». وفي اللقاء الثاني الذي تم بالإنكليزية قال المخبر لأرباب سير أنه «يحتاج إلى أربعة أشخاص على الأقل» وما قيمته مليوناً ونصف المليون دولار لاغتيال الجبير. وتم البحث بكيفية الدفع، لناحية المصرف والحسابات، وأبلغ أرباب سير المخبر بأن «المال هو في إيران» وأعطاه تفاصيل عن نسيبه مشيراً إلى أنه «مطلوب من الولاياتالمتحدة ويعمل في الخارج لمصلحة الحكومة الإيرانية وقام بعمليات في العراق». وفي الاجتماع الثالث بين المخبر والمتهم، في 17 تموز (يوليو) في المكسيك، قال المخبر لأرباب سير أن «لديه شخصاً في واشنطن يتعقب تحركات السفير»، وأوهمه بأن الجبير لديه «بين سبعة وثمانية رجال أمن وهو يتردد مرتين في الأسبوع إلى مطعم مشهور في واشنطن (كافيه ميلانو)». وقال أرباب سير أن نسيبه الإيراني «يريدك أن تقتل هذا الرجل» ولا يهم إذا تم ذلك «داخل المطعم أو خارجه». ولفت نظره إلى أن نسيبه «لديه دعم الحكومة الإيرانية». وفي الاجتماع نفسه استحصل المتهم الإيراني على رقم حساب المخبر لتحويل الدفعات الأولى إليه. وتحدث أرباب سير للمخبر عن الكولونيل غلام شكوري الذي يعمل لدى نسيبه في إيران وهو الذي يأتي بالمال ويمثل قناة الاتصال، ونقل عنه قوله إن «الاغتيال يجب أن يتم حتى ولو وقع ضحايا». وفي 20 تموز غادر أرباب سير المكسيك إلى دولة أجنبية. أما في أول آب (أغسطس) فتلقى المخبر دفعة أولى بقيمة 49960 دولاراً من مصرف غير إيراني، بواسطة حوالة مرت عبر نيويورك. وفي 6 آب تحادث الرجلان هاتفياً، ثم تلقى المخبر الدفعة الثانية بالقيمة نفسها بعد ثلاثة أيام، واتصل أرباب سير بعد يومين للتأكد من وصولها. وفي الثاني من أيلول اتصل أرباب سير بالمخبر، وسأله «هل يتم طلاء البناية» في إشارة إلى التحضيرات. وكان هناك اتصال آخر في 12 أيلول لتأكيد مبلغ المليون ونصف المليون دولار. وفي 20 أيلول، اتصل أرباب سير مرة أخرى، وقال له المخبر انه جاهز إنما يريد نصف المبلغ سلفاً أو أن يأتي أرباب سير إلى المكسيك، وهو ما قبل به المتهم. وفي 28 أيلول سافر أرباب سير إلى المكسيك وتم رفض دخوله وتحويله إلى مطار «جون أف كينيدي» في نيويورك تمهيداً للقبض عليه لدى خروجه من الطائرة. وبعد توقيفه تم العثور على أموال إيرانية و3900 دولار وجوازي سفر إيراني وأميركي وتذكرة للعودة إلى طهران في وقت لاحق من هذا الشهر. ووافق أرباب سير على التحدث إلى المحققين وقال إنه «تم تطويعه وتمويله وتوجيهه من فيلق القدس»، وإن الفيلق كان «على اطلاع، ووافقوا على توظيف المخبر ودفع المال والوسيلة لقتل السفير». وتبين لاحقاً أن نسيبه حاول الاتصال به عندما كان في إيران، وقال له إنه يريد «تكليف أحدهم بخطف السفير السعودي، وأن على أرباب سير إيجاد أحد يعمل في تجارة المخدرات لأنه يكون مستعداً للقيام بجرائم مقابل المال»، كما أخبره بأن غلام شكوري يعمل لديه. وعند اجتماعه بشكوري قال له هذا إن عليه «تدبير خطف أو قتل السفير ويجب أن يتم ذلك سريعاً». ووافقت الجهات الإيرانية لاحقاً على خطة تفجير المطعم وأطلقت تسمية «شيفروليت» على العملية. وقال شكوري لأرباب سير إن» قائد فيلق القدس قاسم سليماني على علم بما يفعل، ويمكن أن يلتقي به في المستقبل». وكان لافتاً أن شكوري لم ينصح أرباب سير بالاستماع إلى المخبر والسفر إلى المكسيك، وقال له إنه «مسؤول عن نفسه في حال سافر وأن يتصل به بعد وصوله». وهكذا كان، وتم الاتصال بعد القبض على أرباب سير، من دون علم شكوري وبتوجيه من الشرطة الأميركية. واتصل الموقوف في الرابع والخامس والسابع من هذا الشهر بشكوري الذي استعجل الخطة» ونصحه بعدم دفع المزيد من المال للمخبر إلى حين تنفيذ العملية و «شراء الشيفروليت» (أي اغتيال السفير) و»من ثم البحث في أمور أخرى».