ما أن تقابل مسؤولاً ما في السعودية، فعليك أن تتوقع خلال لقائك به مفاجآت عدة لا تخطر على بالك ولا بال"اللي خلفوك"، فهم أيها السادة سيصورون أنفسهم لكم، على مستويات عدة من الغُلب وقلة الحيلة. فمثلاً: إذا قابلت عضو مجلس شورى فأول ما سيقوله لك:"احمد ربك يا شيخ أنهم ما اختاروك، والله يا رحلة الرياض الأسبوعية إنها عذاب في عذاب"، كما سيصدمك بتصريح"كاذب"بأنه يفكر في الاستقالة، متى ما سنحت له الفرصة، طبعاً أخونا"العضو"كذاب أشر، متناسياً كل تلك الأحلام التي راودته طوال أعوام، وكل تلك المجالس التي حضرها أملاً في أن تقع عليه العين ذات يوم. كما أنه لن يخبرك عن جواز السفر الديبلوماسي الذي يضعه في جيبه العلوي ليراه الناس، ويتناسى أيضاً الحظوة التي حصل عليها بسبب عضويته في الشورى، وهو لن يتحدث معك في راتبه، ولن يذكر لك السيارة، ولا بدل السكن الذي يصل إلى 100 ألف ريال سنوياً، ولا طاقم السكرتارية الموكول بخدمته، والمكاتب الفخمة التي"يتبطح"فيها، وكل تلك الأبهة التي تحيط به في حله وترحاله. لكنه سيخبرك أنه مرهق من وعثاء السفر، ومن المناقشات"البيزنطية"التي تستمر ليومين فقط في كل أسبوع. كما أن"العضو"الغلبان، لن يناقش معك الفشل الذي يعانيه المجلس من أشكاله، فلا قرارات مفيدة يتبناها، ولا مشاريع تمس المواطن يطرحها للتصويت، فكل القضايا الشائكة مؤجلة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. أما إذا سنحت لك الفرصة"وهي قليلة على كل حال"، أن تقابل وزيراً ما في السعودية، فأنصحك أن تأخذ معك"بكت مناديل ورقية"، لتكفكف دموعك خلال المقابلة، فاللقاء سيتحول إلى جلسة بكاء وعويل، حزناً وكمداً على الوزير، خصوصاً أنك ستستمع منه إلى"قلة حيلته"، وقلة موارده. وبدلاً من أن تهتم بإيصال همومك وهموم الوطن إليه، ستنشغل بالتخفيف عنه، من معاناته مع جهاز وزارته الإداري المترهل، وعجزه عن فصل الموظفين غير الأكفاء لديه، وكذلك عدم قدرته على السيطرة على فساد البعض من كبار موظفيه، الذين هو من سلمهم إدارات المال والمشاريع. أما ما ستسمعه من شكواه من وزارة المالية، وعدم استجابتها لعبقرية مشاريعه، وأفكاره النيرة، فأنصحك بالاتصال فوراً بإدارة الهلال الأحمر لأنه حتماً سيغمى عليك. طبعاً لن يخبرك أن أحد مشاريعه المقدمة للمالية لا تصل قيمتها الحقيقية إلى العُشر، ولذلك رفضت، ولن يخبرك أنه لم يطلع على ما رفعه إليه وكلاؤه نيابة عن مديري الفروع في المملكة، ولن يقول لك إنه لا يعلم كيف درست تلك المشاريع، وهل هي حقيقية أم وهمية؟ وهل أرقامها عادلة أم مبالغ فيها؟ هو فقط سيرمي بشكواه ويمضي، مستمتعاً بجوازه الديبلوماسي أيضاً، وببخور العود الذي ينطلق ساعة يصل إلى وزارته التاسعة من كل صباح، وبتصبيحات المنافقين والمطبلين حول مكتبه، وبدعوات الأعيان له لكي"يشرف حفلتنا هذه"، وبمغادرته سالماً غانماً من المكتب التنفيذي في كل مطار في المملكة،"فهل بكيتم معي"! [email protected]