يقول الفيلسوف والمفكر المعروف نعوم تشومسكي إن"تويتر"والبريد الإلكتروني والرسائل النصية كلها كانت في وقت قريب فعالة جداً، لكن نتيجتها السلبية التي بدأت تظهر أخيراً هي تحويل الأفكار والأحاديث إلى شيء تافه. ويرى تشومسكي في محاضرة جامعية ألقاها في وقت سابق، أن طرح القضايا والنقاش حولها يتطلب قدراً من التفكير وطرح وجهات نظر متعددة والبحث في ما قيل في هذا الشأن حتى يستطيع الإنسان المشاركة برأي له قيمة، ويقول:"هذا يحوّل ما يكتب في 041 حرفاً إلى بعض تعاليم الطوائف الدينية المتشددة ويكتبه الإنسان في طريقة معينة انفعالية سريعة لا يقبل الجدل حولها". رأي تشومسكي، وهو الفيلسوف المعروف، والمثير للجدل، لم يؤخذ في الاعتبار عربياً ولم يثر حوله الجدل كذلك، لكن رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ قال مطلع الأسبوع الماضي، أثناء مناسبة متعلقة بالأمن الفكري، إن موقع التواصل الاجتماعي"تويتر"سبورة من لا سبورة له! وهو الرأي الذي أثار حفيظة جمع كبير من مستخدمي وسيلة التواصل الاجتماعي"تويتر"وشنعوا على رئيس الهيئة وهاجموه بسبب تصريحه. تشومسكي مثلاً، لم يجرد"تويتر"من مزاياه وخصوصاً استخدام البعض له أثناء بداية الثورات في مصر وغيرها من بلدان ما يسمى ب"الربيع العربي"، لكنه لخّص الحال التي تجري الآن من الانقسام حول الآراء والأشخاص والتجييش ضد البعض، فقط بسبب فكرة لم تكتمل بسبب طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي، التي تجبرك أحياناً على اختزال فكرة تحتاج إلى أبحاث ومطولات، تقوم بكتابتها في 041 حرفاً لتخونك التغريدة وقتها، بعد أن خانك التعبير بسبب المساحة. مطلع الأسبوع الماضي، قام أحد المدونين السعوديين بإطلاق ما سمي ب"الاستطلاع الشامل"ويعتبره البعض"الأضخم"على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي. هذا الاستفتاء أو الاستطلاع المخالف لمعايير الإحصاءات، فلا عينة عشوائية تم اختيارها أو تضمينها في البحث، كانت العينة المشاركة موجهة، إذ تم الاستطلاع في 9 ساعات فقط، وتم إغلاقه بحجة أن"الحشود"قد تغيّر مسار النتيجة. هذه الحجة تعني عدم ثقة البعض من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في قدرتهم على التغيير والتأثير، ومحاولة انتقاء عينات موجهة تشارك في الاستفتاءات والأوسمة الهاشتاق وغيرها. وإغلاق استفتاء سمي ب"الشامل"في 9 ساعات خوفاً من الحشود، هو أحد إثباتات ما قاله تشومسكي عن أن"تويتر"يحوّل الأفكار والأحاديث إلى شيء تافه. إلى فترة قريبة، كان هناك تخوّف من"تويتر"، ومع مرور الوقت ثبت أن"تويتر"أداة من مجموعة أدوات، لكن"تويتر"سقط إلى حد كبير بعد تحوله إلى فئات سطحية شعبوية، وتنوع الطرح فيه، ودخول الرياضيين والشعراء والمشاهير من ذوي التوجهات غير السياسية والمشاركة بسذاجة إلى جانب حصولهم على جماهيرية عالية، وبناء على هذا التحول، يستطيع المراقب ملاحظة ومراقبة سلوك برنامج التواصل"واتسآب"وكيفية قدرته على نقل الإشاعات من خلال مجموعات تتناقل الإشاعة وتناقشها وتتحدث عنها بكل ثقة وتصديق، من دون محاولة البحث في حقيقة ما يتم تناقله والحديث عنه. الأسبوع الماضي. كانت قضية القتل لفتاة في جدة، وهي ما عرفت ب"فتاة السامر"، تبين كيفية القدرة على التأثير والخلط في المعلومات، وتحويل الإشاعات إلى قضية رأي عام. الانتشار الأكثر لقصة القتل، وأن هناك أميراً سعودياً متورطاً بدأت من خلال معرفات تستخدم أسماء مستعارة في"تويتر"، ثم انتقلت القصة لتصبح ما يشبه أفلام الخيال العلمي حين تم تناقلها عبر"برودكاست"في"بلاك بيري"وبرنامج"واتسآب". وبعد أربعة أيام من الضجيج، أصدرت شرطة جدة بياناً أوضحت فيه جميع الملابسات ونفت وفندت المعلومات المغلوطة التي تم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. رأي تشومسكي يشبه إلى حد كبير رأي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآراء مسؤولين آخرين تحدثوا عن خطورة"تويتر"أو عن تسطيحه للقضايا، لكن تشومسكي نجا من نقطة التخوين والمزايدة لمستخدمي التواصل الاجتماعي، وهي النقطة التي لم يستطع كثير من المسؤولين في السعودية ودول الخليج التخلص منها حين يتحدثون أو يحذرون من موقع التواصل الاجتماعي"تويتر"أو غيره من وسائل التواصل الأخرى. يقول تشومسكي إنه خلال خبرته في التدريس لأكثر من 06 عاماً، بدأ يلاحظ أن الأجيال الحالية تفضل الجمل القصيرة وما يسمى بالخلاصة، بعيداً عن المراجع الدراسية المعروفة، ويحكي نقلاً عن صديق له يدرس مرحلة البكالوريوس أن الطلاب الآن غير قادرين على استخدام أو فهم بعض المراجع الدراسية التي كانت تستخدم قبل 03 عاماً مثلاً بسبب تعودهم على المعلومات الجاهزة والسريعة والمختصرة وأن كثيراً منهم لا يقرؤون. يعلّق تشومسكي على قصة صديقه بقوله:"أعتقد أن تويتر له دور في هذا". آراء مثل رأي تشومسكي قد تصيب المتشبثين بمنبر"تويتر"بالحرج، وتجعلهم في دائرة من يحولون الأحاديث والأفكار إلى شيء تافه، خصوصاً حين يتم تهييج الرأي العام تجاه قضية معينة، يتحرج من هيّج وجيّش الجماهير أن يعتذر، في حال كانت قضيته عبارة عن إشاعة.