أمر ملكي:"تشمل مهمات الهيئة القطاعات الحكومية كافة، ولا يستثنى من ذلك كائنٌ من كان، وتسند إليها مهمات متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي". لم يسردْ لي الكثيرَ من المقدمات، ابتدأ من النهاية، فمسؤولٌ ما في وزارة ما فرض عليه غرامة جائرة، تُكذبُها الأوراقُ والمستندات، لا لأنه قصّر في تنفيذ عقد المقاولة، بل لأنه توقف عن مواصلة دفع النفقات النثرية التي يطلبها هذا المسؤول، مرة بغرض المساهمة في مأدبة استقبال نائب الوزير الذي يزور المنطقة، ومرة لتحسين المرافق الترفيهية لمنسوبي الوزارة إلى غير ذلك. أراد المقاول أن يُنهيَ عصر المجاملات، فالدولة أقدر على الإنفاق على حاجاتها ومناسباتها منه، ليفاجئه المسؤول بالسلاح الذي لم يتوقعه، سلاح البيروقراطية، فبجرة قلم تُفرض الغرامة، ولرفعها تُسطّر المحاضر وتُعقد الاجتماعات ويتعاقب المسؤولون على شرح المعاملة حتى يوجه صاحب الصلاحية باستدراك هذا الخطأ وإنصاف المواطن الكادح. ثم شرح لي العقبات التعسفية التي أصبح يواجهها في المنافسات التي تطرحها الوزارة، وأنه على رغم كل الأنظمة التي تقف إلى جانبه وتُدين تصرفات هذا المسؤول، إلا أن أمان هذا الموظف من المساءلة والعقوبة هو ما جرأه على مثل هذه التصرفات. ختم معاناته بالسؤال الذي أتى لأجله:"هل أذهب إلى هيئة مكافحة الفساد، أم إلى هيئة الرقابة والتحقيق، أم إلى ديوان المراقبة، أم إلى ديوان المظالم، أم إلى المباحث الإدارية، أم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام؟". فأجبته:"المشكلة يا صديقي... لدينا نزاهة أكثر من اللازم". * القاضي بديوان المظالم سابقاً [email protected]