تظلين أبداً عاصمة لرحل الصيف، مهما شرقوا عنك وغربّوا. كأنما انتزعتك يدّ عليا من الفردوس وألقت برواسيك هنا، لتبثي في الظمأ شيئاً من الارتواء، وتشتتي قليلاً من اليباس بشيء من الابتراد. تهفو إليك القلوب صعوداً، ويظلّ النظر منك إلى جميع سقوف الجزيرة، وكأنها دونك، دونك، هناك، تنظر إليك نظرة الصبي المبهور إلى التمثال المهيب المبتسم. تستحضر نسائمك العليلة حدائق نينوى، وتسلو بك الأوهام عن بساتين الغوطة. أفياؤك بهجة لا فرارٌ من قيظ الهاجرة، وماؤك مغتسل وشراب لا ريّ من الظمأ. فحيث أنت لا قيظ ولا عطش. نهارك كصباحات غرناطة، وليلك ليل تهامة، لا حر ولا برد ولا سآمة. إن جادك الغيث أبكيت العشاق فتذكروا بك سيول قلوبهم الجارفة بالشوق إلى من يحبّون، وإن لم يكن وابل فطلّ يهمي فتشرئب لعناق نداه الأزاهير. الشمس لا تشرب خمر الندى، في الروض لا من كؤوس الرحيق في ورودك. والورد لا يمتزج فوْحُه ببرد الأرض إلا حيث وردك. تصحو الشمس وهي تزاور عنك ذات يمين وشمال، وتغيب وهي سكرى حتى الثمول، وقد شربت عبيرك حتى الثمالة. الطائف... أنت قنديل الجزيرة العاطر الذي يفيض عليها روحاً وريحاناً، تينُك الألذ، ورمّانك الأشهى، ودروبك الأعلى، وكذلك كل مكان يحدث نفسه بالفردوس، ويحدث الفردوس نفسه به، من سكنك فهو من أهل الجنان، ومن زارك فهو من مرتاديها، ومن نأى عنك فما أبعده عن مستقرها.