لا يزال هذا النظام السرطاني السوري ينازع للبقاء، 40 عاماً استبدادية، مخلفاً عشرات الآلاف من القتلة، وحجم تدمير يفوق كل تصور بشري، ولا يزال هذا السرطان جاسماً على قلوبنا ينازع للبقاء، إن التدمير الذي أحدثه هذا النظام الإجرامي هو أشد فتكاً، وأشد ضراوة، وأشد قسوة من التدمير الذي تحدثة الزلازل والبراكين والهزات الأرضية. 40 عاماً الاستبدادية التي مضت فاق تدميرها كل تدمير يمكن أن تحدثه أي عوامل طبيعية، لقد سحق الإنسان بكل أنواع القمع وكل أنواع الإقصاء ومارس عليه كل أنواع الظلم والقهر والمعاناة، واستخدم كل الأنواع والأساليب لتجهيله وتغييبه عن الساحة السياسية، ليتسنى له حكمه، لأن الاستبداد لا يعيش في بيئة العلم والنور، وإنما يعيش في بيئة الجهل، فجعل الجامعة حلماً لأي مواطن سوري حتى المدارس الثانوية لم يعد يصل إليها إلا كل طويل عمر إيذاء الظروف الاقتصادية المعدومة التي صنعها النظام، نتيجة استحواذه على معظم مفاصله وموارده هو وزبانيته المجرمة. لم يكن لأي نظام على وجه الأرض ليمارس ما مارسه هذا النظام الإجرامي، حول بلد كان يتغنى به زعماء دول كانت تطمح إلى أن تصبح مثله، أمثال زعيم النهضة الماليزية مهاتير محمد، الذي قال أثناء زيارته سورية في مطلع الخمسينات:"سأجعل من ماليزيا نسخة من سورية"، ومضى هذا الزعيم بمشواره مستلهماً من سورية ماليزيا اليوم، إن مئات وآلاف المقالات لا تستطيع أن تصف ما فعله هذا النظام ببلد كان من أكثر البلدان العربية مرشحاً للنهوض، متكئاً على إرثه الحضاري الذي يزيد على أكثر من عشرة آلاف عام، ولم يكن تدمير الإنسان فقط من نتائج هذا النظام فحسب، فلم يترك هذا النظام أي جانب من جوانب الحياة إلا ودمره وطوعه خدمة لمصالحه واستمراره، لم يكن يتوارى عن أي صفقة يعقدها مع أي شخص يضمن له بقاءه واستمراره، كان تعيين أي رئيس أمني، وأي مسؤول إداري مقابل الولاء للنظام لا المصلحة العامة. لقد تحول البلد إزاء هذه السياسة الإجرامية المصلحية إلى مزرعة يتقاسمها حفنة من المجرمين والمارقين الذين طوعوا كل أجهزة الدولة. لتتماشى مع مصالحهم وبقائهم، لقد دمرت معظم مؤسسات الدولة، وتحولت الصناعة، التي كانت مزدهرة في الخمسينات، خصوصاً صناعة النسيج، تحولت اليوم إلى أطلال ينظر إليها اليوم الجيل الحالي بحسرة وألم على ما فقده من إرث أجداده الصناعيين. لن أطيل أكثر في وصف ما فعل هذا النظام بسورية، فبات اليوم القاصي والداني يعلم بموبقات هذا النظام وجرائمه بحق الشعب السوري، ولكن ما يعز عليّ اليوم عندما نقرأ هذه الحقائق المؤلمة هو هذه الثورة العظيمة التي انطلقت في 15 آذار مارس لتنهي هذه الحقبة الاستبدادية، ولتغسل عارها، وتعيد للشعب السوري كرامته وأيام عزه وأمجاده، ولتصنع مستقبلاً كان يجب أن يكون اليوم هو منارة للعالم العربي، و تعيد الأمل لهذا الجيل الذي لم يعاصر إلا هذه الحقبة الاستبدادية. للتاريخ نقولها، لقد تأخرت هذه الثورة كثيراً، ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي. عماد طيب - الرياض [email protected]