مطالبات عدة ظهرت في السنوات الأخيرة بإيجاد مدونة للأسرة تكون بمثابة حماية للمرأة من أية انتهاكات تحصل في حقها، وتعرف من خلالها حقوقها وواجباتها بوضوح. وأتت هذه المطالبات خلال ملتقيات عدة تخص المرأة، وكان آخرها ملتقى"المرأة مالها وما عليها"على رغم بعض الانتقادات التي وجهت له. فكانت إحدى توصياته"تدوين الجهات الشرعية للأحكام القضائية، المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة، وإقرارها من السلطة التنظيمية في الدولة". وفي إحدى ورش العمل التي نظمتها هيئة حقوق الإنسان قبل أشهر، تحت مسمى"أولويات قضايا المرأة"، جاءت مطالبات نسائية بوجود نظام الأحوال الشخصية أو مدونة الاسرة، وأن تكون هناك محاكم متخصصة بالأسرة. وأقر وزراء العدل في دول مجلس التعاون الخليجي وثيقة مسقط للنظام القانون الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي، كوثيقة استرشادية، وهي مكونة من 282 مادة، تضمنت أحكاماً متعلقة بالأسرة من زواج وطلاق وإرث وما إلى ذلك من قضايا تخص الأسرة مستقاة من الشريعة الإسلامية. ونشرت الوزارة هذه الوثيقة رسمياً في مجلتها، كخطوة أولى لجعلها محل النقاش والدراسة. فيما أجازت هيئة كبار العلماء في السعودية من جانبها"تقنين الأحكام الشرعية"بآلية معينة، وأسندت القيام بذلك إلى المحكمة العليا التي تعكف عليه، وسط تكتم شديد. وفي وقتٍ ظهرت فيه تلك التطورات، تحركت مجموعة من الناشطات والناشطين للضغط نحو إقرارها رسمياً وتفعيلها في المملكة. وقامت الباحثة في الشؤون الصحية والناشطة الاجتماعية هالة الدوسري مع مجموعة من المهتمين والمهتمات بالشأن العام بالعمل على وثيقة مسقط وإضافة بعض التفاصيل عليها، ليقوموا بعد ذلك بإرسالها إلى جهات حكومية عدة. ضغط مدني لإقرار"المدونة" وقالت الدوسري:"كل وزراء العدل في دول مجلس التعاون الخليجي أقروا وثيقة مسقط للنظام قانون الأحوال الشخصية الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي في 2001 ، ولم يكن لهم أية تحفظات، وهذه الوثيقة الآن لدى هيئة كبار العلماء ولم يتم البت فيها لتفعيلها في المحاكم السعودية"، على حد قولها. والدوسري مع مجموعة عمل من المهتمات والمهتمين بالشأن العام قاموا ب"إضافة بعض التفصيلات على وثيقة مسقط التي أقرتها المملكة"، وذلك لتكون"مناسبة لوضع المملكة بالتعاون مع جمعيات وناشطات في منطقة الخليج، منها جمعية البحرين لحقوق المرأة وبعض الاستشاريين في العلاج النفسي وفي النساء والولادة في كبرى المستشفيات"، وذلك"لتفصيل بعض النصوص الموجودة في وثيقة مسقط والخروج بوثيقة متكاملة والدفع بها لإقرارها من وزارة العدل". وأضافت أن الفريق"انتهى الآن من مراجعة النصوص، ونحن الآن في صدد تشكيل مجموعة دعم مكونة من نشطاء ومسؤولين لديهم خبرة في كيفية التواصل وعرض المعلومة". لنقوم بعد ذلك بإرسال الوثيقة بعد إضافة التفاصيل"إلى لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى، ولجنة الخبراء في مجلس الوزراء نسخة من الوثيقة التي عملنا عليها"بمعدل مرة كل شهر، إضافة إلى إرسال برقيات إلى"أمراء المناطق لحشد الدعم". وكذلك س"نقوم بعرضها على موقعنا الإلكتروني حتى يطلع عليها الناس للتوقيع عليها والمطالبة بها". وتحدثت الدوسري عن المعوقات التي ربما تواجه المدونة، ومن بينها"عدم وجود نساء في مواقع صناعة القرار يتم استشارتهن"، موضحةً أنه"عند النظر في الوثيقة لا بد من الأخذ برأي السيدات ذوات الكفاءة لأنهن معنيات بالأمر، فلا ينبغي أن ينظر في هذه الوثيقة الرجال فقط"، متمنية أن يتم"استدعائنا الناشطات للأخذ برأينا فيما يخدم مصالح المرأة في الوثيقة". والعائق الثاني هو مسألة"تقنين الأحكام، فهناك تحفظ في هذا الأمر، والعائق الثالث والمهم هو عدم وجود محاكم وقضاة متخصصين في الأسرة"، مؤكدةً أنه"إذا أردنا حل مشكلات الاسرة لا بد من وجود آليات تيسر وتسرع الفصل في النزاعات الأسرية"، كذلك يجب أن يكون هناك"نظام رصد آلي لدراسة مواطن الخلل، مثل طريقة تقديم القضايا، أو في الأحكام أو في متابعة تنفيذ الأحكام، كذلك نحتاج إلى أجهزة لتفعيل الأحكام". وأضافت:"نعاني من قلة عدد القضاة، كما أن هناك 60 في المئة من القضايا الواردة في وزارة العدل هي نزاعات أسرية، فوجود قانون أو مدونة مثل هذه سيسرع في عملية البت في النزاعات ويقلل من الضغط الذي يعاني منه القضاء في وزارة العدل، إضافة إلى أنه سيسهل علينا معرفة ما هي المشكلات الحقيقية التي تسبب الطلاق أو الاختلافات والنزاعات الاسرية، ما سيمكن الخبراء من إيجاد حلول جذرية لتك المشكلات". من جانبه، نبه الباحث الأكاديمي الدكتور أبو بكر باقادر، إلى أن"الفقه الإسلامي المعمول به في المحاكم يعتمد على اجتهاد القاضي وقياسه لكل حالة"، مشيراً إلى أن"الفقيه في المملكة، ما زال غير مقيد بالمدونات، إذ كانت هناك محاولات في عهد الملك فيصل للتدوين، إلا أن الأمر لم يحصل ... إلا أن معلومات ترددت حول وجود مشروع لتقنين جوانب من الفقه الإسلامي، ومنها سيكون هناك مدونة للأحوال الشخصية مدونة للاسرة".وحول ماهية المدونة المنتظرة، يقول إنها"تأخذ باجتهادات محصورة، وتحتاج إلى تعديلات مستمرة حتى تتواكب مع التحولات التي تمر بها الاسرة، وهذا موقع خلاف وجدل بين بعض الفقهاء الذين لا يرون تحديد اجتهاد القاضي في قراره إزاء الحالات، لكن كما هو معروف أن مصادر الفقه الحنبلي معروفة وهي عادة تكون مدار القضاة في الاجتهاد والعودة إليها، وذلك على رغم أنهم يستطيعون أن يأخذوا بآراء فقهية من مذاهب أخرى". وعن المشكلات التي سيحلها وجود مثل هذا المدونة، اعتبر أن"المترافعين سيعرفون مناط المواد التي سيكون عليها مقتضى الحكم"، وبالتالي"سيصبح واضحاً بشكل مسبق الحقوق والواجبات على الطرفين، المدعي والمدعى عليه". والمواضيع التي عادة تشملها هذه المدونة، هي"كيف يتم عقد الزواج وشروطه وواجباته، وعن الطلاق وأنواعه، كذلك عن لإرث بجميع أنواعه والهبات، إضافة إلى مسائل بخصوص الزوج والزوجة، وحل الخصومات بينهم، والمواضيع الأخرى التي تخص العائلة". كما تحوي هذه المدونة حقوق الأبناء، وما إلى ذلك من قضايا من نفقة وحضانة وحق النسب". واشار إلى ان"هذه موضع دراسات واجتهادات كثيرين". وأكد باقادر أنه"أصبح من الملح والضروري صدور مجلة مدونة للأحوال الشخصية لقوانين الاسرة، مثل ما هو جاري في بقية الدول العربية، وذلك للضرورات التي بدأت تفرضها التغيرات الاجتماعية الحياتية السريعة التي أصبحت فيها المرأة عنصراً متعلماً، وترغب في معرفة الكثير من حقوقها". وأضاف:"هناك مشكلات كثيرة تتعلق بالخلع والطلاق، ووجود مدونة توضح سلفاً لمن يقبلون على الزواج بحيث تجعلهم يتمكنوا من معرفة ما ستؤول إليه الامور". ومن جهة أخرى، رأت نائبة رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في شؤون الأسرة الدكتورة نورة العجلان أن بين أهم المشكلات التي تواجهها المرأة، عدم وضوح الآلية لأخذ الحق،"فعندما تريد المرأة رفع قضية ما، تحتاج إلى معرفة الخطوات المطلوبة منها بشكل واضح". وأوضحت أنه من خلال عملها في جمعية حقوق الإنسان، تبين لها"جهل الناس بآليات أخذ الحق، وعندما تكون الآلية واضحة امام المرأة، ستعرف كيف تحافظ على حقها". لكنها أثنت على كتاب"المركز القانوني للمرأة في المملكة العربية السعودية"واعتبرته مرجعاً للمرأة في كل قضاياها، مثل الاستثمار، وقضايا الأسرة والتعليم"، وهو كتاب كما تقول"مبني على كل اللوائح والانظمة والتشريعات التي صدرت بشأن المرأة، فيجب على كل امرأة ان يكون لديها". ويرى عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب الدكتور طلال بكري، أنهم في المجلس على حد علمه"لم يصلهم أي شيء رسمي لدراسة هذا الموضوع، إلا ان هذه المسألة أثيرت في مداخلة من أحد الأعضاء عن وجوب وجود قانون للأحوال الشخصية"، مشيراً إلى أن"آلية عمل المجلس معروفة وهي أولاً، العمل على ما يصلنا من الحكومة، وثانياً تعديل أنظمة موجودة، ونظام الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة هو نظام ليس قائماً وليس له وجود".