لم يكن يدور في خلدي وأنا أتأمل بهو فندق الماريوت الفسيح أنه سيتسع لكل هذا الإفك العظيم، الذي غمر فضاءاته الرحبة التي ضمت لأيام أطياف المثقفين والمثقفات ممن قدموا لمدينة الرياض لحضور ندوات"ملتقى المثقفين"، وانغرس كخنجر فوق كنباته التي استراح عليها بعضهم بعد إيابهم من الندوات التي كان مقرها مركز الملك فهد الثقافي، وتسامروا يتناقشون في شجون الثقافة وهموم الوطن. وكان للمثقفة حضورها الواعي والمشرف في البهو وغير البهو. فما الذي أغاظ الكاتب صالح الشيحي؟ وجود المرأة في اللوبي أو البهو؟ أم رؤيته لمشاهد أو تصرفات غير أخلاقية؟ أولاً لا أعتقد أن الشيحي، وهو الكاتب الذي جاب دولاً متحضرة كثيرة، وشارك في ملتقيات عديدة، يعترض على وجود المرأة في الملتقى، فما بالك بحضور عرضي في اللوبي، وهو منظر مألوف في جميع الفنادق سواء كانت المرأة نزيلة في الفندق أو زائرة، أو للقاء بعض الأصدقاء في بهو عام اتفق عليه عالمياً بديلاً عن الغرف. ثانياً لنفرض أن صالح الشيحي قد شاهد امرأة مثقفة أو غير مثقفة وهي تقترف إثم الكشف عن رأسها أو تخرج عن حدود الأدب، وهذا أمر وارد في كل تجمع يختلط فيه الصالح بالطالح. أليس من الظلم أن يوصم الملتقى بأكمله بالخزي والعار، وأن يأخذ المثقفون بجريرة نفر أو نفرين؟ أنا لا ألوم الشيحي لأني متأكدة أنه لم يكن يتوقع أن تحرق تغريدته البائسة الأخضر واليابس. اللوم كل اللوم على من ورط الشيحي وألجمه، أولئك الذين كانوا يتربصون بالمثقفين وبوزارة الثقافة وملتقياتها ومعارضها شراً. ورطه أولئك الذين طاروا بعبارته المقتضبة ونفخوا فيها من حقدهم وتوجسهم لتصبح قنبلة اتهامات طالت كل مثقف ومثقفة، ممن اقتعدوا مقاعد البهو بعد الندوات مستأنسين بأجوائه ووجود الأسماء الكبيرة المشرفة، التي اشرأب بحضورها المركز الثقافي، وبهو"الماريوت"حين اقتعدوا مقاعد للفكر والنقاش بين جنباته. أما ما عكر صفو الشيحي فلا يعدو مجرد تصرف فردي قد يصدر من أي إنسان مثقفاً كان أو غيره، وأستنكره أنا وكل من يحمل قيم مجتمعنا المحافظ وينتمي إليه. لكنه لا يمكن أن يكون مرتكزاً للمشروع الثقافي والتنويري في وطني، فكيف لجملة انفعالية أن تسفه وتنسف جهود وزارة الثقافة لتنفيذ توجه الدولة وولاة الأمر لتفعيل حضور المرأة السعودية ومشاركتها وعدم التمييز ضدها في كل شأن من شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية؟ وما الندوة التي شاركت فيها سمو الأميرة عادلة مع ثلة من المثقفات من على المنصة الرئيسية إلا رسالة لكل متخرص ومتشدد يروم لعزل المرأة وإقصائها عن مثل هذه المحافل التنويرية والفكرية. وأكبر دليل على هذا التربص الماحق بالمثقفين هو تلك الصور التي لا تمت لهذا البهو بصلة سواء الأثاث أو الألوان. واسألوا أهل البهو إن كنتم مكذبين! * ناقدة سعودية.