تعد القراءة وسيلة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها، إذ يتمكن الإنسان عن طريقها من الحصول على مختلف المعارف والثقافات وشغل أوقات الفراغ بما يفيد وينفع. والقراءة كذلك مهمة في تكوين عقل الطالب، إذ إنها تكسبه قدرة التعبير والفهم، وإذا أصبح مجيداً للقراءة استطاع المضي قدماً في تعلم بقية المواد وفروع المعرفة. ولعل من أهم أهداف القراءة لدى المسلم تأكيد الصلة بكتاب الله وسنة نبيه، والاعتزاز بما خلّفه لنا الآباء والأجداد والأسلاف من تراث فكري وعلمي وأدبي ولغوي. ومع التقدم الهائل الذي تحقق في ميدان وسائل الاتصال الحديثة المسموعة والمرئية التي يسرت للمجتمعات نقل المعارف والمعلومات والثقافات، فإن القراءة تظل أهم وسيلة من وسائل اكتساب تلك المعارف والمعلومات والحصول عليها من مصادرها الأصيلة. واعتبر العلماء أن القدرة على القراءة الجيدة من أهم المهارات التي يجب أن يتسلح بها الإنسان في حياته، ولما كانت القراءة بهذه الأهمية، فإن البحث في مجال القراءة عموماً ومجال تعليمها خصوصاً أمر له أهميته، وتزداد أهميته في الوقت الحاضر نتيجة عزوف أفراد المجتمع عن القراءة. والكتاب الذي بين أيدينا وعنوانه أبحاث في القراءة للدكتور فهد بن علي العليان، يمثل لبنة مهمة في طريق عودة القراءة إلى المجتمع. قدم هذا الكتاب أبحاثاً متخصصة تتعلق بالقراءة، لتعالج بأسلوب علمي أربعة موضوعات مهمة هي الأغلاط الأكثر شيوعًا في القراءة الجهرية لدى تلاميذ الصفوف العليا، والاستراتيجية المعروفة باسم K-W-L : في تدريس القراءة، ومعوقات القراءة الحرة لدى طلاب وطالبات إحدى الجامعات السعودية، وأخيرًا الفهم بين القراءة الجهرية والصامتة لدى التلاميذ في المرحلة الابتدائية، وجُمعت هذه الأبحاث بين دفتي هذا الكتاب، ودُعمت بالإحصاءات والجداول والاستبانات، لتكون المعين بعد الله لجميع القراء في التغلب على الصعوبات التي ربما تواجههم في ممارستهم للقراءة، وللتربويين أصحاب الرسالة التعليمية في المدارس الحكومية والأهلية للرفع من المستوى التعليمي والتربوي لأبنائنا الطلاب . ففي دراسة الأغلاط الأكثر شيوعاً في القراءة الجهرية، وصل المؤلف إلى مجموعة من المقترحات من بينها ضرورة إعادة النظر في الأساليب المتبعة في تدريس اللغة العربية بصفة عامة والقراءة بصفة خاصة، بما يحقق زيادة الاهتمام بمهارات القراءة الجهرية، وضرورة إشراك المعلمين في تصحيح أغلاط التلاميذ أثناء القراءة في غير حصص اللغة العربية، وضرورة تكثيف التدريب على مهارات القراءة الجهرية في المدرسة والمنزل، وتبصير أولياء الأمور بالأغلاط الشائعة عند أبنائهم وبناتهم أثناء القراءة الجهرية، ومشاركتهم في تنفيذ الخطط العلاجية الخاصة بالأبناء، وتشجيع التلاميذ على القراءة الحرة التي من خلالها يتعودون على أساليب القراءة الفعّالة... وغير ذلك من النتائج. وفي دراسته الثانية عالج المؤلف قضية استراتيجية K-W-L في تدريس القراءة، والحروف تمثل اختصاراً للمعنى المترجم ماذا أعرف؟ ماذا أريد أن أتعلم؟ ماذا تعلمت؟ وهي إحدى استراتيجيات التدريس المهمة في مجال القراءة، إذ حظيت بالكثير من المتابعة والاهتمام، وأظهرت الأبحاث والدراسات تميزها وإيجابياتها العديدة. وعلى رغم انتشار هذه الطريقة في الدول المتقدمة في وقتنا الحاضر وبخاصة في أميركا، إلا أن تطبيقها في البلدان العربية لم يصل للمستوى المأمول. وتقوم هذه الطريقة على مهارات أساسية عدة سيتعلمها الطالب، هي تعيين الخلفية العلمية عن الموضوع، والتنبؤ وتحديد الهدف من القراءة، واختيار الفكرة الرئيسية والتفاصيل الداعمة الأفكار الثانوية، وتحليل بناء النص وتصنيف المعلومات، والتلخيص. ويؤكد الباحث استناداً لهذه النظرية أنه مهما كانت الطريقة التدريسية المختارة مناسبة للموقف التعليمي وخصائص التلاميذ، فإنه لايمكن أن تؤتي ثمارها وتحقق أغراضها ما لم يكن المستخدم لها على معرفة بأصول استخدامها وكيفية تطبيقها، وإلا ستكون هذه الطريقة عبارة عن مجموعة من الإجراءات الميتة. وكان من توصيات هذا البحث أن حثّ معلمي ومعلمات القراءة على تطبيق هذه الاستراتيجية في المراحل الدراسية المختلفة كإحدى الاستراتيجيات الفاعلة في تدريس القراءة التي يمكن أن تحقق العديد من الفوائد للطلاب، وينبغي أن يكون التطبيق علمياً وفق خطوات استراتيجية. كما حثّ الباحثون في مجال طرائق التدريس على إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث التطبيقية حول k-w-l ومدى فاعليته على تطور القراءة الهادفة لدى الطلاب. أما معوقات القراءة الحرة لدى الطلاب فكان بحثاً أعده المؤلف واتخذ من عينات من طلاب وطالبات جامعة الإمام محمد بن سعود مثالاً تطبيقياً، فحاول المؤلف أن يتعرف على مجموعة من الأسئلة الفرعية للتعرف على المعوقات، مثل: ما المعوقات الشخصية للقراءة الحرة لدى هؤلاء الطلاب؟ وما المعوقات الاجتماعية؟ وما المعوقات التربوية والأكاديمية؟ وهل هناك فروق ذات دلالة إحصائية حول معوقات القراءة الحرة الشخصية والاجتماعية والتربوية الأكاديمية والمعوقات معاً تعود لمتغيرات الجنس والكلية والمعدل الدراسي والمستوى والسكن؟ وهل هناك فروق ذات دلائل إحصائية لدى الطالبات حول معوقات القراءة الحرة؟ وكان من أهم التوصيات التي تلفت الانتباه لهذه الدراسة هي العمل على التخفيف من الأعباء المرتبطة بكثافة المناهج الدراسية، والتأكيد على أهمية اقتناء الكتب وقراءتها، وتدعيم المقررات الدراسية بالقراءات الخارجية المناسبة، وتقليل الاعتماد على الطريقة التقليدية في التدريس، وتوفير أنشطة تدفع إلى القراءة مثل: الجمعيات والنوادي العلمية. وكان رابع البحوث في هذا الكتاب بعنوان: الفهم بين القراءة الجهرية والصامتة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، وفيه أوصى الباحث بضرورة الاهتمام بالقراءة الجهرية للطلاب المبتدئين والقراءة لهم جهراً، والاهتمام بالقراءة الصامتة في المدارس، وضرورة وضع خطة عامة لتعليم نوع القراءة الذي يقود إلى أفضل درجة للاستيعاب منذ المرحلة الابتدائية الأولية وحتى المراحل التعليمية المتقدمة. وأخيراً، فإنه يجب أن تعود للقراءة أهميتها الكبرى في حياتنا، فهي كما يقول عباس العقاد:"تضيف إلى عمر الإنسان أعماراً أخرى"، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير:"يقود الأمم هؤلاء الذين يقرؤون ويكتبون"، فالإنسان القارئ تصعب هزيمته.