جميعنا سعدنا بحزمة الأوامر الملكية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين والتي ستعود بمشيئة الله بالرفاهية على أبناء الوطن، ولعل ما أسعدني كثيراً إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي أوكلت لها مهمة ليست باليسيرة وهي مكافحة الفساد وهو ذلك المصطلح الذي لا يخرج عن تعريف الإرهاب الذي عجز المشرعون عن وضع تعريف واضح له، ولا يخرج عن ذلك المرض الخبيث الذي ينتشر في جسد الإنسان فلا يستطيع الأطباء السيطرة عليه، وإن استطاعوا إيقاف انتشاره موقتاً إلا أنهم لا يستطيعون القضاء عليه ومعرفة جميع أنواعه! لذلك قد يكون من العسير تعريف مدلول الفساد، الذي يعتبر الخطوة الأولى التي على الأستاذ الشريف رئيس الهيئة الوطنية تحديد مدلولها، للمضي في مكافحته. إن المتأمل في مضمون الفساد لا يجد له تعريفاً واضحاً! فهل هو ذلك المدير أو المسؤول الذي استغل منصبه لسرقة موازنة ذلك الجهاز الذي يترأسه واحتكار الوظائف لأقاربه في ذلك الجهاز؟ أم هو ذلك الموظف الصغير الذي استغل وظيفته للحصول على مزايا من مراجعيه أو هدايا أو عمولات من أصحاب المحال عندما يقوم بحملاته التفتيشية؟ أم هو ذلك الجهاز الحكومي بكامله الذي وقف عاجزاً عن تطوير ذلك الجهاز على رغم تخصيص الدولة البلايين لتطويره فقام بصرفها على ملتقيات ومؤتمرات وانتدابات لا تسمن ولا تغني ذلك الجهاز، فغاب التطوير مع استنزاف المخصصات؟ أم هو ذلك المسؤول في الجهاز الحكومي الذي تباطأ في تنفيذ الأوامر الملكية بحجة تكوين لجان لدرس كيفية تطبيقها والمضي شهوراً في ذلك؟ أم هو ذلك المقاول الذي لا ينفذ المشاريع التي رست عليه من الدولة بأمانه في ظل غياب الرقابة الذاتية وإهمال الجهاز المعني؟ أم هو ذلك المدير الذي تقاعد عن عمله وقد امتلك الكثير من الأموال المنقولة والثابتة بين عشية وضحاها في ظل غياب من أين لك هذا؟ أم هو ذلك التاجر الذي لم يلتزم بنسبة السعودة في شركته وراح بدلاً من ذلك في جلب العمالة الأجنبية التي استنزفت خيرات الوطن وجلبت الكثير من الجرائم في المجتمع السعودي؟ أم هو ذلك المخالف لأنظمة الدولة؟... إلخ إن هذه التأملات قد تقود الهيئة الجديدة في معرفة هذا المدلول الذي لا يختلف في تعقيداته عن مدلول الإرهاب وإن اختلفت الوسيلة إلا أن الغاية واحدة! فالإرهاب هو تدمير ظاهر للمجتمعات والإرهابي لا بد من أن يعرفه الجميع يوماً ما ويظهر للعيان ولو بعد زمن! أما الفساد فهو تدمير واستنزاف لخيرات الوطن كالمرض الخفي الذي يستشري في الجسد ثم لا يعرفه الأطباء إلا وقد دمر الجسد واستنزف قواه! والأمرّ من ذلك أن أهله من جلساء مجالسنا وممن يشار لهم بالبنان أحياناً! فأعانك الله يا خادم الحرمين الشريفين وأعانك الله يا هيئتنا الوطنية لمكافحة الفساد وعلى رأسها رئيسها، على مكافحة ذلك الفساد الذي يختفي في دهاليز أجهزتنا الحكومية وليس له شكل معين! فهل يا ترى سوف تجدون له مدلولاً أو معنى، أنتم والفريق الذي يجب انتقاؤهم بعناية، لكي يساندكم في هذا الواجب الوطني، ذلك الفريق الذي يكون هدفه وهمه الأول القضاء على كل أنواع الفساد في الوطن، وليس فقط تولي مناصب فخرية وإلا فإنا سوف نكون أمام معالجة فساد بفساد! * أستاذ القانون المساعد بمعهد الإدارة العامة. [email protected]