دعا رجال دين وشيوخ قبائل وباحثون ومواطنون في منطقة عسير إلى إيجاد حل للمبالغة في الديات التي باتت تهدد كيان المجتمع وتسامحه لمصلحة الجشع، على حد وصفهم. وذكر باحث في علم الجريمة والعقوبة الدكتور مضواح آل مضواح ل"الحياة"أن من ضمن التشوهات الاجتماعية التي تعبث بالمجتمع إلى الآن مسألة غلاء المهور، وأنه يضاف إليها اليوم المغالاة في الديات، معتبراً أن كليهما يقومان على بيع أرواح البشر والابتزاز. وقال:"المغالي في المهر يعضل مسكينة لا حول لها ولا قوة ليصيب شيئاً من عرض الدنيا ويبتز خاطباً يدفعه الشوق إلى مسايرة هذا الابتزاز، والمغالي في الدية يتاجر بجثة تحت الثرى ويبتز مكلوماً ينتظر مصيره خلف القضبان". وأضاف:"نرى أفواجاً قبلية ذاهبة وأخرى قادمة يتجولون بين أسرتي القاتل والمقتول ويقتاتون لأسابيع طويلة على موائد تعد لهذا الغرض، والكل يحاول رفع ثمن الجثة حتى يزيد في نصيبه، فنسمع عبارات تنضح بالجهل والعصبية القبلية والتخلف والجشع البغيض مثل آل فلان أخذوا في ولدهم أو أبوهم عشرة ملايين وعشر سيارات، وغيرها من كلمات التعضيد والتحفيز على بيع الجثة وابتزاز المكلومين"، لافتاً إلى أن الحل يتلخص في وجود أجهزة نزيهة تعطي للإنسان حقه قبل أن يقدم على القتل، وتقنعه بأنه لا أمل لمجرم في الإفلات من العقوبة. ولفت المتخصص في التربية الدكتور محمد العمري إلى أن المغالاة في الديات أصبحت ظاهرة أوجدت مزاداً علنياً لكل سمسار يتقن فن الكلام ليزيد من قيمة الديات التي وصلت إلى عشرات الملايين، وهو ما جعلها تخالف المجتمع الأصيل وتخدش مروءته وقيمه الأصيلة وترابط، وتضيع القصد الشرعي من قوله سبحانه فمن عفا وأصلح فأجره على الله، مضيفاً أن العفو لم يكن يوماً من الأيام من أجل زيادة رصيد في حساب بنكي لأهل المقتول ولا من أجل عصبيات وتفاخر جاهلي بين القبائل، وتضع المجتمع في أجواء من الغش وأكل أموال الناس بالباطل، لتورث العداوة في النفوس. وقال رجل الدين بندر بن مفرح ل"الحياة":"لا شك بأن الجري والعمل على إعتاق الرغبة شيء نبيل، بشرط أن يكون خالصاً لوجه الله وليس المقصود منه مال أو جاه أو غير ذلك من الأمور التي تخرج عن عمل الخير الخالص، والمبالغات غير المعقولة أمر سلبي للغاية وتحتاج إلى إعادة نظر في قيمة الدية مع ارتفاع الأسعار، ويجب وضع حد لهذه الظاهرة، فالتجمهر والتفاخر والمزايدات في الديات ظاهرة دخيلة وغير مقبولة". فيما أشار شيخ قبيلة بني مغيد وبني نمار علي بن سعد إلى أن من يقوم بالسمسرة سواء فرد أم شيخ قبيلة، فهو يرتكب إثماً وينحرف عن الهدف النبيل لأفعال دخيلة على المجتمعين العربي والمسلم.