لم تكن قرارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز الصادرة بخصوص كارثة سيل جدة وجهة نظر، بل كانت وجهة أمل ووجهة مستقبل ووجهة نور مقبل من عتمة الموت، وأشلاء جدة التي بعثرها مندوبو المال ومندوبو القسوة المنتشرون في زوايا جدة وشوارعها وأراضيها البيضاء. إنها الأيادي السوداء التي تسربت طوال عقود في ثنايا الملفات وزواريب الصكوك بحثاً عن كتف لإنسان بسيط تعلو فوقه، أو"جيب"صغير تتسرب إليه بحثاً عن مال أشقاه ليله ونهاره. انه المال الوفير المنسكب من"تطبيق المنح"وتجهيز الأراضي لالتهامها وبيعها للفقراء، هذا المال السهل جاء الوقت لإيقافه عند حده، جاء الوقت لنهيه عن حياة الناس، ونفيه عن الفقراء والمسحوقين. أيها الملتهمون لعرق المساكين المسكونين بنبض أطفالهم، يقول لكم عبدالله بن عبدالعزيز: اذهبوا بعيداً إلى الدرك الأسفل من الوطن، حيث لا مال يُنهب ولا أراضٍ تُغتصب. عندما قرر الملك عبدالله أن يضرب السيل المقبل من بين أصابع فجار المال، وجد أن ذلك الفساد قد شرع لنفسه ما لم يشرع، وبنى لنفسه تاريخاً من الضلال لم يسبقه إليه أحد. نعلم يا سيدي أن عينيك غادرتك مشفقة علينا، في زواياها أمانة أثقلتك وعدالة أدمعت مقلتيك، باحثة عن حقيقة تبني بها مجدنا، بعدما فتحت المال للتنمية وإسعاد الناس، نعلم أيها الملك أنك بذلت في كل مرة الأمر والتوجيه والنصيحة، لحفظ حق الناس في الحياة. لكنهم يا سيدي لم يغادروا موقع الخصومة مع الوطن، بل ظلوا هناك بعيونهم الشاخصة الباحثة عن فرصة، أي فرصة يقفزون منها من مليون إلى آخر. يا وطني... أيها الساكن في قلب الملك، لقد جاء من يشرع لعدالة القانون ويبني يوماً أبيض مقبلاً من ضمير ملك ومن قلب ملك ومن عين ملك... أقض مضجعه أن يرى مكلومة تبكي فقيداً استند على كتف الوطن ليلة السابع من ذي الحجة ليصحو"ميتاً"بعدما اغتالته يد"الفجار"خصوم الحياة. بالتأكيد في الوقت متسع لنرى أبناءنا يعيشون في كنف الحقيقة وبياض القانون، وأن يروا تراب الوطن لكل الوطن وليس للصوص التراب، وليروا أيضاً أن المال مشترك لكل السعوديين وليس حكراً عليهم، يستلبه لصوص الليل في غفلة منهم ومن نهارهم. ماذا بقي لم يسرقوه البحر والبر والحياة، وحتى"الناموس"سرقوه ووضعوه في دماء الناس وعيونهم، حتى المرض المقبل من"حمى الضنك"لم يردعهم فحولوه مكنة"للفلوس"تجرهم نحو الغنى، حسبوا حسبة الناموس فوجدوها أوفر من البشر، فقرروا أن يبقوها فوق أجسادنا حتى لا تغادر صغيراً ولا كبيراً إلا أوجعته وطعنته، أليس المال مقبلاً من الوجع، لا يهم المهم أن يقبضوا من الفرصة. لكن زمنهم الغابر ولى، وجاء زمن عبدالله بن عبدالعزيز، إذ الهواء أنقى مما يتصورون، والحياة أمنت من غدرهم، إذ العدل أقوى من الظلم الذي استشرى في نفوسهم زمناً طويلاً. [email protected]