تعتبر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/1979 من أهم وابرز الاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة العربية السعودية في عام 2000 وذلك أثناء زيارة ولي العهد السعودي آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه الاتفاقية المكونة من 30 مادة جاءت لكي تمنح المرأة أهم حقوقها المتمثلة في الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور والقوانين والحقوق السياسية وفي العمل وفي التربية والتعليم، والمنح الدراسية وأمام القانون ومكافحة وجميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها جنسياً، وعلى الرغم من انضمام المملكة إلى هذه الاتفاقية وإيرادها تحفظاً عاماً على أي نص من نصوص الاتفاقية يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، بحيث لا يعتبر مثل ذلك النص نافذاً في حق المملكة. وكذلك التحفظ على فقرتين هما الفقرة الثانية من المادة التاسعة والتي تنص على أن"تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية أطفالها"والفقرة الأولى من المادة 29 التي تسمح بعرض أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول المنضمة إلى الاتفاقية على محكمة العدل الدولية وفق ضوابط وشروط محددة إلا أن هناك العديد من العوائق والتحديات التي تعيق تطبيق هذه الاتفاقية خصوصاً ما يتعلق بالرفض من منطلق ديني لها ومن ذلك التوصيات التي خرج بها المؤتمر الذي عقد مؤخراً في البحرين تحت عنوان"اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرها على العالم الإسلامي"والذي نظمته جمعية"مودة"بالتعاون مع مركز"باحثات"السعودي بحضور مجموعة من العلماء والدعاة والداعيات والأكاديميات والذي أكدوا فيه على خطورة اتفاقات مؤتمرات المرأة الدولية لأنها وفقاً لتصوراتهم تناقض القيم الشرعية في المجتمع الإسلامي، فلذلك تجد المؤتمرين في هذا المؤتمر وغيرهم من الإسلاميين الرافضين لاتفاقية"سيداو"يقصرون الهدف من مثل هذه الاتفاقية إنما هو لمجرد فرض النموذج الغربي القائم على الإباحية في العلاقات الاجتماعية على المجتمعات المسلمة، وإشاعة الفاحشة وبث الثقافة الجنسية للمراهقين لمسخ القيم الأخلاقية فضلاً عن العداء السافر لهذه المؤتمرات للقيم الأخلاقية والدينية عامة، ومن يقرأ التوصيات وأوراق العمل المقدمة في ذلك المؤتمر أو غيره فسيظن بأن المرأة في مجتمعنا قد نالت وبالفعل الكثير من حقوقها بموجب تلك الاتفاقية وانه قد تم من خلالها القضاء على كثير من مظاهر التمييز بين الرجل والمرأة وبأن مجتمعاً سيصبح مجتمعاً إباحياً، ولكن الواقع أن المرأة لا تزال تعاني من أدنى وابسط مظاهر التمييز كنقص الأهلية واشتراط موافقة المحرم في كثير من الجوانب ونحو ذلك مما يدل على النظرة الدونية القاصرة للمجتمع تجاه المرأة حتى هذا الوقت ولذلك فمثل هذه المؤتمرات وغيرها من الاطروحات المشابهة لها تعتبر من عوائق التطبيق والتحدي لتلك الاتفاقية، وتتمثل أهم التحديات الناجمة عنها في ما يلي: أولاً: غلبة الانتماءات والولاءات الفئوية والمذهبية على الانتماء والولاء الوطني، ما يعطل العمل بمنظومات قانونية ضمن مفهوم المواطنة، ولاسيما أن المملكة انضمت إلى هذه الاتفاقية منذ عشرة أعوام تقريباً فالرفض لها هو نوع من الإخلال بمفهوم الولاء الوطني. ثانياً: صناعة موقف اجتماعي مرتاب من اتفاقية السيداو. بدأ من النفور من المسمى باعتباره مسمى أجنبياً سيئ السمعة وانتهاء بسوء الفهم للاتفاقية بالنظر إليها وكأنها وثيقة تؤدي إلى التخلي عن الشريعة أو عن منظومة العادات والتقاليد والخصوصية وتدعو إلى الإباحية. ويغذي هذا الموقف غياب الوعي الاجتماعي لكل البنود القانونية لاتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة وإقرار حقوقها الأسرية والوطنية. ثالثاً: تصوير المرأة على أنها مجرد ملكيات خاصة بالمجتمع وليس كأي ذات آدمية لها حقوق وعليها واجبات وطنية وأسرية كالرجل سواء بسواء والخوف والحماية الزائدة للنساء بالنظر إليهن على أنهن قصر، ما يؤدي إلى عدم إقرار أهليتهن ورشدهن مما ينتج خوفاً مرضياً تابعاً من كل ما قد يؤدي إلى تعديل هذه النظرة التميزية السالبة للمرأة، وغياب ثقافة احترام المرأة كذات مستقلة ذات كرامة وكيان اعتباري مقابل انتشار ثقافة النظر إلى المرأة كجوهرة يجب فرض الحماية عليها أو كفتنة يجب الاحتماء منها. فينتج من الحالتين النظر للمرأة كموضوع وليس كذات، ما يخرجها من دائرة التكليف أمام منظومة محددة من الحقوق والوجبات. رابعاً: انتهاك لكثير من حقوق المرأة وحرمانها من حقوقها وفرض الوصاية عليها تحت اسم الدين كتشريع زواج القاصرات دينياً ورفض تقنين الزواج بسن الثامنة عشرة. إن مثل تلك التحديات تتطلب جهداً عملياً كبيراً في إيجاد مشروع تشريعي يقوم بقراءة بنود اتفاقية السيداو وتحليلها في ضوء أحكام الشريعة لتوضيح نقاط توافقها أو اختلافها مع الحقوق الشرعية للنساء لقطع الطريق على كل الدعوات الرافضة لها وكذلك إيجاد القراءات الشرعية المستنيرة والمجددة لفقه الأحوال الشخصية فيما يخص حقوق الأسرة والمواطنة للنساء، وضرورة أن تقوم دول المنطقة الموقعة على الاتفاقية بتعريف معنى التمييز ضد المرأة وفقاً لماء ورد فيها أو بأي صيغة وطنية تمنع التمييز ضد النساء منعاً تاماً والعمل على تمكينها من الحقوق الأسرية وحقوق المواطنة. والأهم من ذلك وجود الإرادة والقرار السياسي الذي يسمح بالترجمة العلمية والتطبيقية لبنود الاتفاقية كوثيقة تمكن للنساء من حصولهن على كل حقوقهن الإنسانية. ويجب التأكيد أخيراً على أن هذه الاتفاقية ما هي إلا اجتهاد دولي جرى العمل به في مرحلة زمنية مضت من مجموعة من النساء والرجال المنتمين إلى بلدان عدة من المجتمع الدولي، ولذا فإن هذه الاتفاقية كوثيقة حقوقية دولية ما هي إلا أداة من الأدوات التي يمكن توظيفها لإقرار وتفعيل وتطبيق حقوق الأسرة والمواطنة للمرأة مع عدم امتناعها للنقد شريطة أن يكون ذلك بطرح بدائل متقدمة مساندة لمزيد من حفظ حقوق النساء وللقضاء على صور التمييز بين الرجل والمرأة كافة. * كاتب سعودي. [email protected]