من المعروف أن السعودية هي الأولى في العالم لجهة حجم التحويلات المالية، عبر القنوات الرسمية و"السوق السوداء"، وهو ما اعتبره بعض الخبراء نزفاً لأموال يمكن استثمارها داخل البلاد... نعم هي نزف للأموال، ولكن كيف يتم استثمار هذه المبالغ داخل المملكة؟! هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه. لقد طرأت على ذهني فكرة وهي ما الكيفية التي يتم بها استثمار هذه المبالغ الطائلة داخل المملكة، وكيفية الاستفادة من تحويلات العمالة الموجودة؟! وكيف نجعل هذه العمالة تستهلك غالبية هذه الأموال داخل المملكة، لتستفيد منها الدولة كاستثمار في البنوك، أو ليستفيد منها المواطن السعودي أيضاً في المجالات المختلفة، من الممكن أن نستثمر هذه المبالغ داخل البلاد، لو سهلنا لهذا العامل أو الموظف أن يحضر أسرته بأيسر السبل وأبسطها، بدلاً من أن نضع أمامه تلك المتاريس والعراقيل والعوائق والإجراءات العقيمة التي تعوقهم لإحضار أسرهم، أو نفرض عليه أن يدفع مبالغ كبيرة لشراء التأشيرة من السوق السوداء، إذاً لماذا لا نوفر لهم تلك الإجراءات ونسهلها له بأيسر السبل المتاحة. إننا لو سهلنا لهذا العامل أو الموظف - مهما كانت تسمية وظيفته في"الإقامة"التي يحملها - فإنه يستطيع أن يعيش هو وأسرته في المملكة بما يتقاضاه من راتب، أو بما يحاول أن يوفره لأسرته من متطلبات الحياة المعيشية، لأنه سيستهلك جزءاً كبيراً من دخله في الصرف المعيشي، لذلك تجد طبيباً في بعض الأحيان بمهنة عامل تربية مواشي، ومحاسباً بمهنة سائق خاص أو عام، أو عامل مهنة محاسب أو قانوني، أو أستاذ ولديه شهادات معتمدة من بلده، إنها في النهاية"إقامة"نظامية تجعل حاملها يعمل في أي مجال كان، أو في مجاله عند"كفيله"بحسب ما يحمله من شهادات علمية جامعية وغيرها، خلاف ما هو مدون في"الإقامة". إن أي مغترب يعيش على الأرض السعودية يريد أن يحضر أسرته لكي يستقر ويعيش في أمان مع أسرته، ويستطيع أن يدبر حاله وأحواله في الكيفية التي يوفر بها قيمة إيجار الشقة، التي تُدفع كل ستة أشهر في السنة عندما يحل الإيجار، وهناك شركات ومؤسسات تدفع للعامل أو الموظف بدل سكن أو جزءاً كبيراً من قيمة الإيجار السنوي، وعليه أن يكمل ما تبقى له من قيمة الإيجار. لو افترضنا جدلاً أن هناك عشرة ملايين عامل أو موظف في أنحاء المملكة من جميع الجنسيات المختلفة، جميعهم متزوجون ومعهم أسرهم، يعيشون ويستمتعون بأموالهم وينفقونها داخل المملكة، ويضعون جزءاً منها في البنوك لاستثمارها، ما هي الفائدة أو الفوائد التي ستعم على السوق السعودية من ناحية الاستهلاك في السلع، ومن ناحية الاستثمارات العقارية المملوكة للدولة أو للمواطن، أو البنوك من القروض والفوائد التي تُجنى من تلك القروض من سيارات أو النقود أو ودائع استثمارية أو خلافه. أولاً ستقل تلك المبالغ التي تُحول عن طريق"السوق السوداء"، أو عن طريق القنوات الرسمية، إلى تلك البلاد، لأن العامل أو الموظف صار يستهلك تلك الأموال داخل المملكة بدلاً من تحويلها لأسرته في وطنه من أجل المعيشة والاستهلاك والتوفير الشخصي، كما أنه سيصرف تلك المبالغ من إيجار شقة ومأكل ومشرب وملابس، ومصروفات دراسية ومعيشية له ولأسرته، ويستهلك كل تلك الأموال داخل المملكة. لماذا لا نسهل استقدام هذه الفئة من العمالة لأسرهم وعائلاتهم من أجل استثمار تلك المبالغ وإنفاقها داخل المملكة، بدلاً من أن تحول تلك المبالغ الطائلة التي بلغت البلايين عن طريق"السوق السوداء"إلى خارج المملكة... ألا يعتبر ذلك نزفاً للأموال؟ جعفر حسن حمودة - الرياض