إذا قدّر لك أن تزور مكة شرفها الله تعالى في غمرة زحامٍ، فإنك لن تكل ولن تمل من التأمل والشكوى والاستغراب من تصرفات الزوار والمعتمرين، ويأتي هذا التباين من اختلاف الثقافات والدول واللغات والفروق الفردية في التعلم والثقافة، فزائر"يستعبط"على تعاليم رجال الأمن مثلاً إذا طُلب من الزائر أن يتزحزح عن مكانه قيد أنملة، ناهيك عن التلكّع، وهو أن يقوم ثم يوهم رجل الأمن بأنه تحرك قبل أن يهوي في مكانه ثانيةً، هذه الحركة يقوم بها صاحبنا أكثر من مرةٍ. زائر آخر حينما يحاذي الحجر الأسود يشير إليه مقبّلاً بيده أكثر من مرةٍ، وحينما يتم تنبيهه بأن السنة أن تشير، وأن تقبل الحجر إن تمكنت، ينظر إليك نظرة مستنكرٍ قبل أن يعلي صوته بأنني سأقبله خمسمئة مرةٍ بل آلاف المرات! ويرفع الصوت ويدعو عليك بالويل والثبور. زائر آخر يدعو ربه ويرفع صوته ويلحّن دعاءه مرتلاً، ويقول: اللهم اهدنا فيمن هديت حتى يصل إلى قوله: وقنا برحمتك واجعلنا شر ما قضيت! فيخطئ هذا الخطأ الفادح، زائرتان تقول إحداها للأخرى: بقي لنا شوط واحد لا تقلقي سندرك بعدها مسلسل باب الحارة! زائر يعطل السير وهو يحكي لأقرانه بأنه وقف تحت خزان مياه وأشار لهم بيده حينما رآهم، والناس تستغيث وهو لا يبالي! ثالث يصرخ بأن وقت الفجر قرب وأنه يريد أن يشرب لأن العطش أخذ منه كل مأخذٍ. وفي المقابل، ترى الوجوه الباكية، ذات اللغات المختلفة التي تزفر ندماً وشوقاً لربها سبحانه، ترمق أكفاً تتضرع وتدعو، تنزل حاجتها بأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين سبحانه وتعالى! زيارة واحدة لرحاب الله تعالى، تختلط فيها بسكان الأرض الذين وفدوا على ربهم، فاللهم لا تحرمنا ولا تحرمهم فضلك. البوكس [email protected]