عندما يقرأ أحدنا خبراً فيه تحذير من وزارة الصحة لدواء أو غذاء أو منتج فإنه يلتزم بالابتعاد عنه ويسارع بإخبار أهله وزملائه حول هذا التحذير، ذلك لأن المحافظة على الصحة مطلب عظيم يسعى إليه كل شخص وينفق في سبيله كل ما بوسعه من جهد ومال. لكن حال المدخنين يختلف تماماً عن تلك القاعدة اختلافاً يثير الدهشة والاستغراب، فهم مصرّون على التدخين، على رغم أن الدخان سبب لفساد صحة الإنسان وإصابته بالكثير من الأمراض والمضاعفات الصحية، إذ يحتوي دخان السيجارة على 4000 نوع من المواد الكيماوية الضارة 60 منها مسرطن"مسبب للسرطان"، إضافة إلى مواد أخرى منها أول"أكسيد الكربون، الفحم، الزرنيخ، الرصاص"وهي كلها مواد سامة للجسم البشري. نحن نخاطب المدخن من خلال شهر عظيم يحبه المدخن وكل الناس، إنه شهر رمضان أحب وأغلى ضيف ينتظره الجميع، لعل وعسى أن يكون سبباً، بعد توفيق الله تعالى، للمدخن بأن يجعل معيناً له في الإقلاع النهائي عن آفة الدخان، وينعم بالصحة والعافية، وان يكون قدوة حسنة لأطفاله، وألا يجعل من جسمه طفاية سجائر تستقبل يومياً الكثير من السموم والأمراض. الدخان معصية للمولى عز وجل، أجمع عليها كل العلماء من دون استثناء ولهذا الإجماع أسباب منها: أن الدخان يفسد صحة الجسم وهو أمر حرمه الإسلام لقوله تعالى: تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماًپ [النساء:29]، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، والدخان من الخبائث التي حرمها الإسلام لقوله تعالى وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأنعام:157]، كما يضر من حولك من إخوانك واهلك وأولادك وهذا أمر حرمه الإسلام لقوله عز وجل وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا الأحزاب:58، ولقول المصطفى صلى الله عليه وسلم"لا ضرر ولا ضرار"، والدخان سبب لتبذير وتلف مال الشخص المدخن وأسرته وهو أمر نهى عنه الإسلام وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأعراف:31. كثير من المدخنين يرون أن تركهم للدخان من الأمور الصعبة، فهم قد أصبحوا مدمنين عليه ولا يمكن تركه، وهذا الاعتقاد خاطئ تماماً، ولو كان صحيحاً لكنا رأينا الصائمين من المدخنين في نهار رمضان مثل المجانين يهلوسون ويصرخون، أو لما استطاعوا أن يمارسوا حياتهم اليومية الاعتيادية، ولكن طبعاً هذا لا يحصل أبداً على رغم أن فترة الصيام تمتد لأكثر من عشر ساعات، فهذا دليل على أن الإنسان يستطيع ترك هذه الآفة الخبيثة وان يزف لأعضائه، خصوصاً رئتيه لأهله خبر توقفه عن التدخين لتزداد الفرحة مع أفراح رمضان. عندما يأتينا اتصال من مدخن يرغب في التوقف عن التدخين، أو عندما يزور عيادات وزارة الصحة لمكافحة التدخين، نقول له انك باتصالك هذا أو زيارتك لنا ملكت أهم جزء من علاج إدمان التدخين، فيستغرب ويقول وما هو؟ فنقول له: رغبتك الصادقة في الإقلاع عن التدخين. فالرغبة والقناعة وقوة الإرادة أهم مكونات علاج مدمن التدخين، ثم تأتي أمور أخرى من باب تقوية تلك الإرادة، كعرض صور ومشاهد فيديو لمرضى سبب لهم التدخين سرطانات الحنجرة والرئتين والعديد من المضاعفات والأمراض، ثم يتم بعد ذلك عرض نصائح تعين المدخن على ترك التدخين، كالإكثار من السوائل والفواكه وإشغال الوقت بأمور كالرياضة أو مشاهدة البرامج التلفزيونية أو القراءة، أو الجلوس أمام الحاسب الآلي، أو الخروج مع الأصدقاء للنزهة وتبادل الحديث بشرط ألا يكون هؤلاء الأصدقاء من المدخنين. قد يسمع المدخن عن وجود لصقات أو عقاقير أو أجهزة تعين المدخن على ترك التدخين، فهذا صحيح، ولكن لا تعينه تلك العقاقير واللصقات والأجهزة على تكوين الرغبة والإرادة لديه التي هي أهم مكونات الإقلاع عن التدخين، وإنما دورها مساعدة بعض المدخنين على التغلب على بعض الأعراض التي قد يعاني منها بسبب توقفه عن التدخين الذي عوّد جسمه عليه طوال سنوات عدة، وهي أعراض ليست خطرة أو صعبة ولا تظهر عند كل المدخنين. لكن في شهر رمضان الأمر يختلف تماماً، فمكوث المدخنين بكل شجاعة لساعات طويلة من دون تدخين دليل على أن الإنسان بكل ما أعطاه الله من عقل وقوة إرادة استطاع التغلب على إدمان التدخين. هذه دعوة أخوية من القلب للمدخنين بأن يقلعوا فوراً عن التدخين مرضاة لله وحباً لأولادهم وذويهم، وحرصاً على صحتهم، وألا يكونوا سلعة لشركات التبغ، التي قال احد ملاكها إننا نستهدف الشباب حتى نضمن سنوات طويلة من استخدامهم لمنتجاتنا قبل أن يصيبهم سرطان الرئة ويموتوا. جمال عبدالله باصهي - الرياض وزارة الصحة - برنامج مكافحة التدخين