كسب مهرجان الجنادرية في يوبيله الفضي الرهان، باجتذابه عدداً"غير مشهود"من الزوار السعوديين والمقيمين، وسط مشاركة واسعة من مناطق المملكة، بأجنحة تشرح أبرز عادات وتقاليد كل منطقة، فيما تملأ العروض الشعبية وأصوات الطبول والأجساد المتمايلة طرباً ساحات المهرجان الذي يستمر حتى نهاية الأسبوع المقبل. وفي الوقت الذي وفرت فيه إدارة المهرجان خدمات للزوار كان من أبرزها تأمين"عربات"لذوي الاحتياجات الخاصة، بدا واضحاً أن حمى"الاحتراف"انتقلت من عوالم الرياضة والفن إلى الجنادرية، إذ يظهر التخصص والإتقان واضحاً في الحرفيين الذين انتقلوا من مرحلة صناعة كل ما يختص بحرفتهم إلى التخصص في صناعة نوع معين من المشغولات والاحتراف في ذلك. كذلك الأمر بالنسبة للنجار سعيدان العرماني من منطقة الجوف الذي يحترف صناعة"الشداد"، مهملاً تقريباً المشغولات الأخرى التي يمكنه صناعتها كونه نجاراً، هذا التخصص جذب إليه الزوار الذين احتشدوا حول زاويته الصغيرة، متفرجين بإعجاب على حركاته ودقة عمله. وعبّر بعض الزوار عند مشاهدتهم لصناعة الشداد عن إعجابهم بكيفية صناعة الشداد يدوياً، إذ اعتادوا على مشاهدته، ولم يطلعوا إلى كيفية صناعته، لكن الأمر بدا رائعاً حين شاهدوا طريقة صناعته، على حد قولهم. من جهته، قال النجار العرماني إنه يصنع الشداد من خشب السدر، فهو أبرد الأخشاب المستخدمة والمناسبة لظهر المطية. وتستطيع المطية احتمال وزنه الخفيف نسبياً، فضلاً عن متانته، إذ يدوم لفترة أطول من غيره من أنواع الخشب. وأضاف أن الشداد نوعان، مهما اختلفت طرق صنعه أو مصادره، فالنوع الأول هو شداد الركوب، والنوع الثاني شداد الرفاع، ويسمى شداد الركوب بذلك كونه يستخدم للجلوس على ظهر المطية، سواء كان للرجال أو النساء أو الصبية. أما شداد الرفاع فيقال:"فلان رافع حطب أو فلان رافع تمر"، فهو شداد حمل الأمتعة والبضائع ولا ينفع للركوب. وتابع:" يتكون شداد الركوب من مسكة لليد من الأمام ومن الخلف توضع عليه وسادة للجلوس عليها، لأن الناقة تقوم للنهوض باستخدام أرجلها الخلفية أولاً، فيكون الشخص الجالس قابلاً للسقوط وتلك المسكة تساعد الجالس على ظهر المطية على التوازن والتمسك بالشداد، في حين أن شداد الرفاع لا يوجد به مكان للجلوس، فهو مستو ويتميز بطول ذراعيه على جانبي المطية، حتى يتسنى لصاحب المطية استخدام جانبي الشداد لحمل الأمتعة أو الحطب. وعن الأجزاء الأخرى المصنعة ضمن إطار هذه المهن التراثية، عددّها العرماني معرفاً كل واحدة منها، ف"المحوي"هو قطعة تؤخذ من الخيش، وتصبغ غالباً بلوني الأحمر والأسود، باستخدام الأعشاب اليابسة المطحونة بعد أن تجفَّ لتتحول إلى قطعة طويلة، إذ تنسج بإحكام لا يجيده إلا المتمرس المتمكن، وهي حرفة البدو غالباً. وأشار العرماني إلى ضعف الإقبال على هذه الحرفة، فالطلب على منتجاتها بصفتها حرفة يدوية أصبح قليلاً جداً، لافتاً إلى أن الزوار يقبلون على الأدوات الخشبية التي يصنعها بيده في المهرجان كألعاب الأطفال والمشغولات الخشبية التي تعبر عن التراث وبعض الأدوات الزراعية، معتبراً أن هذا المهرجان فرصة للمحافظة على هذا النوع من الانقراض. جناح منطقة تبوك كان له نشاط بارز، إذ قدم أكثر من 11 حرفة يدوية، تنوعت بين ما يختص بالبحر كصناعة النواطير البحرية وخياطة أشرعة السفن، وما يتعلق بالحرب كصناعة السيوف والخناجر والرماح، وبين حرف أخرى كعشق الدلال والشلف والنجارة وخياطة الخرج والأشورة، إلى جانب البناء القديم وصناعة الكراسي وفتل الحبال. على الطرف الآخر، قدّم الجناح ألواناً شعبية تتميز بها المنطقة، خصوصاً في المحافظات الساحلية، منها الموال وزفة العريس والخبيتي واللون البحري الزريبي المقطوف والجمالي والحدري والدلوكة والرفيحي. وأوضح المشرف على جناح المنطقة بالجنادرية نواف العنزي أن جميع الحرفيين والفرق المشاركة في جناح تبوك، تم إنهاء إجراءات مغادرتهم إلى الرياض وتأمين سكنهم وإعاشتهم. في السياق ذاته، جذبت فرقة تبوك للفنون الشعبية مساء أمس أنظار زوار مهرجان الجنادرية ال24، وأدت الفرقة أول عروضها الشعبية، وهي عبارة عن مجموعة من الألوان التي تشتهر بها منطقة تبوك، مثل الخبيثي الرفيحي والدلوكة والحدري والزير. ركن يتذكر الشهداء والمصابين أوضح المدير العام للشؤون العسكرية في وزارة الداخلية اللواء إبراهيم المحرج أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية الذي ينظمه الحرس الوطني كل عام يعد مناسبة تاريخية ورسالة إعلامية تعكس مدى التطور والرقي الذي تعيشه السعودية. وأشار إلى أن إدارته تشارك للعام الرابع على التوالي في المهرجان بجناح وزارة الداخلية، ممثلةً بركن رعاية اسر الشهداء والمصابين لينضم للمنظومة الأمنية المشاركة، لتكميل الدور الإعلامي التوعوي لبقية القطاعات المشاركة، مؤكداً أن الجناح حظي بإعجاب المسؤولين ونال استحسان الزوار في الأعوام السابقة. ويبرز ركن رعاية أسر الشهداء والمصابين الدور البطولي الذي قدمه هؤلاء الشهداء والمصابون من رجال الأمن في سبيل الدفاع عن دينهم ووطنهم، إضافة للرعاية الكريمة التي قدمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين لأسر الشهداء وللمصابين وأسرهم من مساعدات مادية ومعنوية وخدمات صحية وتعليمية واجتماعية، وكل ما يحتاجونه من رعاية واهتمام لتأمين الحياة الكريمة لهم ولأسرهم. ويضم الركن قائمة بأسماء وصور شهداء الواجب الذين استشهدوا في الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها المملكة، إضافة لعرض تلفزيوني يحكي واقع الدور الذي قدمه رجال الأمن البواسل وبطولاتهم، ويعرض لقاءات مع أسر الشهداء. كما تم وضع مشرفين على ذلك الركن من ذوي الكفاءات العالية والمتخصصة في جناح وزارة الداخلية في مهرجان الجنادرية وستظل ذكرى هؤلاء الأبطال عطرة زكية تفوح نسمات شذاها مهما طال الزمان وتعاقبت الأجيال، لرجال سطروا بمداد دمائهم لوحة رسموا عليها عمق حبهم لتراب هذا الوطن، لتبقى بطولاتهم محفورة في ذاكرتنا وذاكرة أبناء هذا الوطن.