ماذا قلتم لأطفالكم عن غزة... حين شاهدوا المجازر والدماء والدمار؟ ماذا قلتم لأطفالكم عن تلك الجثث المتناثرة المقطعة الغارقة في دمائها وأي جثث تلك؟... جثث أطفال يلتفون بالأغطية الشتوية، كانوا البارحة نائمين... يحلمون كما يحلم أطفالنا في الليل البارد حين نُحكم الغطاء عليهم جيداً خوفاً من نسمة برد تؤذيهم... جثث نساء يدمين القلب... ويبكين العين... لوعة وألماً. نقرأ في عيون أطفالنا أسئلة هي بمثابة زوبعة نفسية ورعب حقيقي يجتاح طفولتهم البريئة... يضمرون الوجع ومرارة تشل حواسهم الصغيرة، وقلق لا حدود له، يمتزج بتوتر وإحباط مظلم... وواجبنا تجاه هذه الحالة النفسية التي ترهق مشاعر أطفالنا ألا نتجاهلها، أو نبالغ في رسم الصورة الكئيبة لهم، أو نرعبهم من المخطط الصهيوني العالمي علينا، فينشأون محبطين من واقعهم الإسلامي... ساخطين على أمتهم العربية... ناقمين على عجزهم أمام أزيز الرصاص ودوي القنابل... أمام جبروت السلاح الذي يفتك بمن في مثل سنه. إن روسيا لجأت إلى اختصاصيين نفسيين وتربويين جراء حادثة مؤسفة حدثت في المدرسة التي اقتحمها معتوه وبيده سلاح وأطلق النار على الأطفال، فقامت بمسؤوليتها تجاه أولئك الأطفال الذين شاهدوا مسرح الجريمة، عن طريق معالجتهم نفسياً، خوفاً عليهم من انتكاسات نفسية قد تحدث لهم، يكون لها الضرر الكبير على طفولتهم البريئة. من حق أطفالنا أن يروا ماذا جري في غزة، ومن مسؤوليتنا أن نسأل اختصاصيين نفسيين من أجل مساعدتنا في إيجاد الإجابات السليمة والمقنعة والمقننة، والحذرة أيضاً عن أسئلة أطفالنا تجاه ما جري في غزة. ولا أؤيد ? وهذه وجهة نظري ? أن نقحم أطفالنا في وحل يأسنا من واقعنا المؤلم، رأفة بهم وبمشاعرهم المرهفة وعواطفهم، والأسوأ أن نصور لهم أن دولة الصهاينة هي الأقوى بسلاحها، وأن لا حدود لبطشها وظلمها وجبروتها، فبذلك نكون رسخنا فيهم ثقافة الإحباط والانهيار لقيم الأمة الإسلامية، فيعتقدون، وللأسف، أن هناك خللاً في عقيدتهم الإسلامية... وهذا ما يجب أن نحذر منه، بل علينا أن نتعالى على جراحنا ونفكر برؤية، ونرسم في ذهنهم لوحة ليست مثالية ولكنها على الأقل مشرقة، نراعي فيها وجدانهم. لنخبرهم عن تاريخ الاستعمار الغربي للدول الإسلامية، وكيف قاوم الناس الشرفاء الاستعمار المتفوق بسلاحه وعدده... وان هناك أبطالاً لمعت أسماؤهم في كل دولة إسلامية... ولنخبرهم عن بطش الاستعمار بالضعفاء والبسطاء، لكن ذلك ما أثبط من همة الشرفاء، والكثير منهم سقطوا شهداء. وهم يقاومون الاستعمار، فكان الانتصار ثمرة اقتطفها العالم الإسلامي بحريته من الاستعمار بعد ما قدم الكثير من الشهداء والضحايا، لنخبرهم أن في هذه الدنيا قانوناً إلهياً اسمه قانون البلاء والامتحان، والله سبحانه يبتلي أمماً بما يناسبها من البلاء... ليلمس القلوب الصادقة له، المؤمنة المطمئنة به، المضحية في سبيله... وفلسطين كان بلاؤها من خلال خلية سرطانية تعبث بجسدها، فيختار الله منهم الشهداء، حين يرفض هؤلاء الذل والعار، والتضحية بالنفس أعلى مراتب حب الله، والرغبة المحقة في لقائه بأجمل ثوب وهو ثوب الشهادة. لنخبر أطفالنا عن مقام الشهداء في الآخرة وفي الجنة، لنغذي خيالهم بنعيم الجنة، وكيف أنها تتزين للشهداء وكيف أن الرسول محمد"صلى الله عليه وسلم"يستبشر بلقائهم... فهل هناك أروع من هذا اللقاء؟ ولنعزز فكرة أن النصر دائماً للشرفاء، وأن غزة ستخرج من محنتها قوية لأنها تقدم الشهداء، والأهم أن نعلمهم أن يعتزوا ويفتخروا بأولئك الأبطال الأقوياء الذين يدافعون عن عرضهم وأرضهم ببسالة حقيقية. لنخبرهم أيضاً أن هؤلاء يرفضون الذل والظلم والقهر فكانت لهم أعلى مراتب الجنة ونعيمها... لنعلم أطفالنا ان يشاركوا مع أحداث غزة عن طريق التبرع أو كتابة خاطرة أو قصة، أو أن يشاركوا في الإذاعة بنشيد مؤثر، أو بمسرحية تمجد الأبطال الشرفاء... لنشجعهم على تجاوز هذه المحنة، بكثير من الحكمة والتوازن العاطفي، من أجل أن نربي جيلاً عقله وروحه ووجدانه غير قابل للكسر. عاتكة دهيم - صفوى أستاذة علم الاجتماع