الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوقي وقاض أردني يرى أن إحجام المرأة عن الإبلاغ سببه الإجراءات الرسمية الروتينية التي لا تراعي . الخصوصية والسرية الطراونة : لم يصادق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان سوى سبع دول
نشر في الحياة يوم 24 - 02 - 2009

قاضي محكمة الاستئناف في عمان في الأردن عضو اللجنة الوطنية لتنفيذ القانون الدولي الإنساني الدكتور محمد الطراونة، عاش طفولته في منطقة ريفية جنوب الأردن بالقرب من موقع معركة مؤتة التاريخية، وانعكست طفولته على حياته بشكل كبير منذ أن كان يحضر مجالس القضاء لأحد أعمامه، وكانت قراءته في مرحلة الشباب وطّدت علاقته بالقانون والقضاء منذ أن قرأ لتوفيق الحكيم"يوميات نائب في الأرياف"فاختار تخصصه القانوني.
وعرف الكثير من خلال ما تعرّض له عدد من الدول المحيطة بالأردن وما مرت به من أحداث الحرب، منحه عمله كقاض رؤية إنسانية لقضايا المرأة والطفل، كونهما أكثر الفئات تهميشاً في المجتمع، ويقول إن حيادية القاضي أحياناً تغيب أمام مصلحة الطفل داخل أسرته أو أم مع أطفالها.
ويرى أن الثقافة"الذكورية"في المجتمع العربي تؤجج قضايا العنف الأسري، وعدم تمكين المرأة اقتصادياً يجعلها تصمت أمام ما تتعرض له من عنف خشية الفقر والتشرد وفقدان الأسرة.
له رؤية في خصوصية التعامل مع الأحداث، إذ إنه عمل قاضياً للأحداث في مرحلة من حياته، وهو منشغل كثيراً بالقانون الدولي وبقضايا الطفولة والأحداث ورصد الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان."الحياة"التقته فكان الحوار الآتي:
ماذا في ذاكرتك عن محمد الطراونة الطفل ? الشاب؟
- ذكريات الطفولة أجمل ما في محطات الحياة كونها صادقة وبسيطة وعفوية، ويتحدد خلالها مصير الإنسان مستقبلاً، وربما كان لطفولتي انعكاس على حياتي بمجملها من حيث النشأة في منطقة ريفية في جنوب الأردن، وبالقرب من موقع معركة مؤتة، الأمر الذي ترك الأثر الكبير من حيث التربية الدينية والاجتماعية، هذا عن الطفولة.
أما فترة الشباب حيث لم يكن يوجد لا تلفزيون ولا اإنترنت ولا التقنيات الحديثة، فكنت أحاول تغطية الفراغ بالقراءة التي وللأسف نفتقر إليها الآن، فقرأت الكثير من التراجم والسير والروايات، وهذا ما ولّد لديّ ملكة القراءة والكتابة، التي أفادتني كثيراً في عملي الحالي كقاضٍ وباحث في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
هل لطفولتك تأثير في اختيارك المجال الحقوقي؟
- كنت في المدرسة والحمد لله من الطلبة المتفوقين، وكنت أميل إلى المواد الأدبية والدراسات الاجتماعية والإنسانية أكثر من المواد العلمية، وحصلت على قبول للدراسة الجامعية من بلدان عدة، منها إيران لدراسة الإعلام، وباكستان لدراسة الأدب الإنكليزي، ومصر لدراسة القانون، ولم اتردد في الاختيار فاخترت مصر لدراسة الحقوق، لإيماني بأن فترة الطفولة تركت أثرها من حيث الاختيار.
وكنت قرأت رواية لتوفيق الحكيم بعنوان"يوميات نائب في الأرياف"يتحدث فيها عن تجربته كوكيل نيابة في أرياف مصر، وكنت مؤمناً بأن أعظم مهمة يقوم بها الفرد هي تحقيق العدل، لأن العدل أساس الملك، كما أن أحد أعمامي كان قاضياً عشائرياً، وكنت وأنا صغير أحضر مجالس الحكم، وكنت أرى كم يكون سعيداً عندما يشعر بأنه حقق العدل والمساواة بين المتقاضين، وربما هذه الأمور كان لها أثر في اختيار دراسة القانون في مصر.
الأردن والصراعات
كونك من الأردن هل منحتك الأحداث مسارات معينة في الحياة بسبب تأثير الأحداث من حولكم؟
- من المعلوم أن الأردن يتمتع بموقع جغرافي فرض عليه أن يكون في منطقة متوسطة بين عدد من المناطق التي تعاني من نزاعات مسلحة، وعلى رأسها الحبيبة فلسطين غرب النهر، إذ واكبنا في الأردن معاناة الأهل منذ 1948 وحتى هذه اللحظة، وما كنت أتذكره جيداً منذ عام 1967، حيث عشنا النكبة والتشريد للأهل واقتسام لقمة العيش معهم على رغم ظروف الأردن الاقتصادية الصعبة، وكذلك وجود الأردن إلى جوار العراق.
ولا يفوتني الحديث عن الحرب الأهلية في لبنان واستضافة الأردن الكثير من الإخوة في ذلك الوقت، كل هذه الأمور التي فرضت على الأردن بحكم موقعه الجغرافي وبحكم دوره القومي الداعي للتعامل مع هموم الإخوة والأشقاء، جعلتني أعرف أنه لا خاسر ولا رابح في الحروب، وجعلتني أدرك أن أكبر ظلم تاريخي يواجه أهلنا في فلسطين هو صمت المجتمع الدولي وتخاذله، يضاف إلى ذلك أن أبناء الأردن بحكم هذه الظروف أصبحوا مسكونين بالهم القومي أكثر من الهم الداخلي.
ما هي أول حادثة جعلتك تبحث في كلمة حقوق؟
- لا توجد حادثة محددة ولكن كلمة"حق"ترافق الإنسان في كل مراحل حياته، فالحق يقابله واجب، ومن يعرف حقه يحسن الدفاع عنه، وإيصال الحقوق لأصحابها، من أعظم الصفات النبيلة.
تمرّسك في قضايا حقوق الإنسان ماذا منحك كإنسان؟
- في البداية كان أول تعامل لي مع حقوق الإنسان، من خلال دراسة الماجستير، وبعد أن حصلت على درجة الماجستير في القانون أتيحت لي دراسة حقوق الإنسان في السويد، وللأمانة في السويد والدول الإنسانية، عرفت ماذا تعني حقوق الإنسان، فهي أولوية بالنسبة لشعوبهم، الأمر الذي دفعني لمتابعة ذلك في رحلة الدكتوراه والدراسات الأخرى.
واعتقد أن ذلك جعلني اعرف الكثير عن حقوق الإنسان وكيفية الدفاع عنها، وساعدني في ذلك عملي كقاض، كون القضاء هو خط الدفاع الأول عن حقوق الأفراد وحرياتهم، ومنحتني معرفتي المتواضعة بقضايا حقوق الإنسان، إن هذه الحقوق ليست منحة من سلطة أو حاكم، إنما هي حقوق طبيعية منحها الخالق للمخلوق، تنشأ قبل ولادته وحتى بعد وفاته، وان هذه الحقوق يتوجب ضمانها للفرد كإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه، وهذا ما كرسه ديننا الحنيف.
الطفولة منتهكة
الانتهاكات المتكررة في المجتمع العالمي ضد الطفل هل يردعها قانون دولي؟
- للأسف الشديد ان الأطفال خصوصاً في مجتمعات العالم الثالث من الفئات الأكثر تعرضاً لانتهاك حقوقهم، أي من الفئات المهمشة، وذلك لأسباب عدة من أهمها غياب الدور الحقيقي للأسرة في متابعة الأطفال، وتجد أن المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل تحتوي على نصوص نظرية مثالية براقة، الأمر الذي يقودني إلى القول إن العبرة ليست بالنص القانوني المجرد إنما العبرة في التطبيق العملي للنصوص، ولهذا نجد أن الهوة واسعة جداً بين النص والتطبيق، وما علينا عمله هو تضييق هذه الهوة، ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات بحق الأطفال، سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي، وللأسف أجد أن المواثيق الدولية أو التشريعات الوطنية لا تتضمن نصوصاً رادعة بشكل فعال للمعاقبة على الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها.
أطفال العرب بشكل عام، هل يعرفون حقوقهم؟
- ليس أطفال العرب فقط، بل الغالبية العظمى من الشعوب العربية، وللأسف لديها نوع من غياب الثقافة القانونية، لأنه لا يتم التركيز على ذلك في المراحل الأولى من الدراسة أسوة بالمجتمعات المتقدمة التي يوجد فيها نوع من الثقافة القانونية من مرحلة الروضة، ومن لا يعرف حقه لا يستطيع أن يدافع عنه أو يطالب به، وربما شهد العالم العربي في الفترة الأخيرة محاولات في هذا الاتجاه إلا أنها تبقى محاولات دون المستوى المطلوب، أي محاولات نخبوية.
كقاض.. ما الذي يثير ألمك أكثر في قضايا العنف ضد الطفل؟
- من خلال عملي في مجال قضايا العنف ضد الأطفال وقضايا الأحداث الجانحين، فإن أكثر القضايا التي تثير ألمي هي قضايا العنف الأسري خصوصاً العنف الجنسي والبدني، لأن فيها نوعاً من استغلال الطفل لعدم إدراكه وفيها نوع من خيانة الأمانة لان الطفل هو أمانة في أعناق أفراد أسرته البالغين، فكيف إذا مارس احد أفراد الأسرة عنفاً جنسياً ضد الطفل.
كما أن الخلافات الزوجية أجد أنها تنعكس على الأطفال حيث يقوم كل واحد من الزوجين ولغاية استفزاز الطرف الآخر بممارسة العنف ضد الأطفال، واعتقد أن مجتمعاً يولي الاهتمام بالأطفال من هذه الناحية هو مجتمع سليم ومعافى وينظر للمستقبل بخطى ثابتة، وهذا ما دفعنا في الأردن إلى إصدار قانون خاص للحماية والوقاية من العنف الأسري وتدريب الجهات المعنية على كيفية التعامل مع قضايا العنف الأسري كونها تتطلب السرية والخصوصية.
الثقافة الحقوقية
المنظمات الحقوقية في العالم هل تمارس ضغوطاً على الدول لنشر الثقافة الحقوقية؟
- لا أعتقد أنها تمارس ضغوطاً على الدول، إنما تشجعها على ذلك من خلال البرامج المشتركة التي تندرج في إطار التعاون بين البلدان، إنما يتوجب أن يكون ذلك نابعاً من رغبة داخلية على صعيد كل دولة على حدة، ودور المنظمات الدولية هو مساعدة بلدان العالم الثالث على تعزيز القدرات المؤسسية والفردية في هذا المجال سواء مع الحكومات مباشرة أو مع منظمات المجتمع المدني، كون منظمات المجتمع المدني تتمتع بقدر كبير من المرونة أكثر من الجهات الرسمية، خصوصاً إذا أدركنا أن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة ولا مجال للجزر المنعزلة فيه، واجد أن الكثير من الحقوق تهدر بسبب غياب الثقافة القانونية.
يرى البعض أن الثقافة الحقوقية"ترف"بعيد المنال عن المواطن العربي المسحوق بتوفير لقمة العيش. ما رأيك في ذلك؟
- بالعكس تماماً وبحسب وجهة نظري أن هذا المواطن هو الأحوج للمعرفة بحقوقه، لأنه هو الذي يحتاجها وليس الآخرين، لأنني وكما أسلفت لا استطيع المطالبة بحقوقي إذا لم اعرفها.
واضرب على ذلك مثلاً ومن واقع عملي، هناك للمرأة الكثير من الحقوق التي كفلها لها الشرع والقانون، خصوصاً في قضايا الإرث والطلاق والنفقة وفي مجال العمل، ولا تستطيع بل لا تعرف أنها حقوق لها، لأنها لا تعرف عنها شيئاً في غياب الثقافة القانونية، وأجد أن الثقافة القانونية ليست ترفاً إنما ضرورة ملحة ولشرائح المجتمع كافة، بمعنى أن الثقافة الحقوقية ليست مهمة للقاضي أو المحامي أو القانوني، إنما هي مهمة للجميع، وإذا كنا نقول ان المجتمعات الغربية متقدمة عنا فإن ذلك يعود لأمور عدة لا مجال لذكرها هنا ولكن من أهمها الثقافية الحقوقية، فالجميع في هذه المجتمعات يعرف ما له وما عليه، وهذا وللأسف ما تفتقر له مجتمعاتنا.
دوائر الحكم العربية
لماذا العاملون في المنظمات الحقوقية غير مرحب بهم في بعض دوائر الحكم العربية؟
- هذه المنظمات تصنف على أنها في الغالب الأعم من منظمات المجتمع المدني، وأصبح متعارفاً عليه اليوم تسميتها بالسلطة الخامسة، لأن كل دولة فيها ثلاث سلطات دستورية تشريعية وتنفيذية وقضائية والصحافة كسلطة رابعة، وأي مجتمع حيوي يؤمن بدور منظمات المجتمع المدني كشريك في المسؤولية، وعون للجهات الرسمية، ونظراً لأن من أدوار هذه المنظمات رصد الانتهاكات لحقوق الإنسان ومراقبة تطبيق حقوق الإنسان بشكل صحيح، فإنها لا تجد الترحيب المطلوب في البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان، وهذا ما أثبتته التجارب العملية، ونجد في هذا السياق أن العديد من بلدان العالم تسعى إلى إيجاد نوع من الشراكة والتشبيك ما بين الجهدين الرسمي والأهلي.
منظمات حقوق الإنسان الحكومية.. هل تقوم بدورها أم أنها مؤسسة حكومية فقط؟
- إن حركة حقوق الإنسان في العالم العربي على صعيد المنظمات الحقوقية تسير بشكل بطيء، اذ نجد أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان بدأ الحديث من اجله عام 1974 ولم يتم إقراره إلا عام 2007 اذ لم يصادق عليه حتى هذه اللحظة سوى سبع بلدان عربية.
وهناك نوعان من منظمات حقوق الإنسان على صعيد العالم العربي، الأول منظمات مجتمع مدني والثاني منظمات تسمى منظمات وسيطة أي تقع على حواف المجتمع المدني، وهي ليست حكومية بالكامل إلا أنها لا تستطيع العمل بحرية تامة، ومع ذلك نجد أن العالم العربي وفي الفترة الأخيرة خطى خطوات في الاتجاه الصحيح فهناك لجنة وطنية في السعودية لحقوق الإنسان وكذلك هيئة لحقوق الإنسان وفي البحرين وقطر واليمن والكويت ومصر وبلدان المغرب العربي ولبنان والإمارات.
بعض هذه اللجان يتفق مع قواعد باريس وبعضها الآخر ما زال لم يستوف الشروط المطلوبة، وأقصد بقواعد باريس المواصفات والمقاييس التي أقرها المجتمع الدولي للمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان.
حقوق الإنسان لها مكانة في التشريع الإسلامي... إلا أن بعضهم ما زال يراها من الوصاية الغربية علينا... لماذا؟
- كنت أتمنى أن يكون هنالك مجال للحديث عن دور الإسلام في حماية حقوق الإنسان، لأنني لا أعتقد أن هناك تشريعاً سماوياً أو وضعياً كفل حقوق الإنسان كما كفلته الشريعة الإسلامية سواء من حيث النص أم التطبيق، ومن يرى أنها نوع من وصاية الآخرين علينا، لا يعلم أن الكثير من حقوق الإنسان التي كفلها الإعلان العالمي الذي صدر عام 1948 كفلتها الشريعة الإسلامية قبل 14 قرناً.
الأمم المتحدة أما تجد أنها لا تولي منظمات حقوق الإنسان الاهتمام اللازم؟
- الأمم المتحدة هي نفسها تعاني من حيث سيطرة الدول الكبرى عليها ومن حيث موازنتها السنوية التي تدفع من هذه الدول، ولا تولي قضايا حقوق الإنسان الاهتمام الكافي، لأنها تعاني من الازدواجية في المعايير والانتقائية في التطبيق، ولعل انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين والعراق أكبر دليل على ذلك.
التقارير الدولية التي تصدر بشأن وقع حقوق الإنسان عندنا... لماذا تزعج الكثيرين؟
- لأنها تكشف عن الانتهاكات لحقوق الإنسان، وكنا وما زلنا في العالم العربي لا نرد على تلك التقارير ولا نتعامل معها كما يجب.
العمل بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى ماذا يخضع؟
- المحكمة الجنائية الدولية يحكم العمل فيها النظام الأساسي للمحكمة وهو اتفاق دولي دخل حيز النفاذ في الأول من تموز يوليو عام 2002 وصادقت عليه 106 دول، وهو يختص بنظر جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان، وهي جرائم شديدة الخطورة، وتعمل المحكمة وفقاً لنظامها الأساسي ولقواعد القانون الدولي الإنساني خصوصاً اتفاقات جنيف الأربع لعام 1949 وكذلك الأنظمة القانونية الوطنية للبلدان التي صادقت على النظام الأساسي وفقاً لمبدأ الاختصاص التكميلي ويعمل كذلك وفقاً لمبدأ التعاون الدولي في ملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، ومع ذلك أجد أن هذه المحكمة تعاني من الصراع بين قانون القوة وقوة القانون ومع ذلك لا تملك الدول الصغرى إلا العمل على دعم هذه المحكمة وتقويتها.
قضايا العنف الأسري
قضايا العنف الأسري أليمة جداً. كيف يستطيع القاضي الفصل بين شعوره الإنساني وبين الحيادية في الحكم القضائي؟
- الأصل في وظيفة القاضي الحياد والمساواة بين الأطراف وألا يحكم بعواطفه، ومع ذلك أجد أن القاضي إنسان له مشاعره الشخصية ولا يعيش بمعزل عن المجتمع المحيط به، ولهذا السبب يكون القاضي في بعض الأحيان منحازاً بما يسمي الانحياز الإيجابي أي لمصلحة بعض الفئات كالأطفال والنساء خصوصاً في قضايا العنف الأسري أكون في صراع بين تطبيق القانون أو الحفاظ على وحدة الأسرة وتماسكها.
ولا أعتقد أن هناك وظيفة صعبة ومعقدة وممتعة في الوقت نفسه مثل منصب القاضي لأنه حتى لو عدل فنصف الدنيا خصومه، لأن العدالة الكاملة هي لله تعالى، وبلا شك أجد في بعض القضايا صعوبة في الفصل بين مشاعري الإنسانية ووظيفتي كقاض.
ما مدى تأثير التمييز بين الذكور والإناث في انتشار مشكلات العنف؟
- بكل صراحة أقول إن من أكثر القضايا الشائعة في مجتمعاتنا هي التمييز بين الذكور والإناث، لأنني أجد ومن واقع عملي أن الكثير من الخلافات الأسرية والتي ينجم عنها عنف وحالات الطلاق بسبب أن العائلة لم ترزق بولد، لأن ثقافتنا ذكورية سواء في المناهج الدراسية أم التربية البيتية أم الثقافة السائدة في المجتمع.
صبر المرأة
إحجام المرأة عن التبليغ بالانتهاكات ضدها ما هي مبرراته برأيك؟
- يعود إحجام المرأة عن الإبلاغ عن العنف لأسباب عدة من أهمها الإجراءات الرسمية الروتينية التي لا تراعي الخصوصية والسرية، وكذلك كون معظم حالات الانتهاكات تتم داخل الأسرة.
إضافة إلى الموروث الاجتماعي الذي يعتبر أن ذلك من قبيل ثقافة العيب، وعدم وجود آليات توفر لها الحماية من العنف كالخط الساخن والمأوى، إضافة إلى عدم وجود آليات واضحة للإبلاغ عن حالات العنف خصوصاً داخل الأسرة، ولغياب الوعي القانوني لديها بأن من حقها ملاحقة من يعتدي عليها، يضاف إلى ذلك طابع الخجل الذي يجعلها تحجم عن ذلك، فمثلاً قد تتعرض لتحرش في العمل والشارع وخوفاً من الفضيحة لا تتقدم بشكوى للجهات المختصة.
تجربة المحاكم الأسرية في الأردن هل حان الوقت لتقويم نجاحها من فشلها؟
- القضاء في الأردن من أوائل الجهات الرسمية التي كان لها دور إيجابي في التعامل مع قضايا العنف الأسري من حيث التشدد في العقوبات ومن حيث التعامل مع قضايا العنف الأسري وأخذ إفادات ضحايا العنف الأسري باستخدام التقنيات الحديثة الدائرة التلفزيونية المغلقة وإنشاء وحدات وأقسام خاصة بقضايا العنف الأسري وتدريب القضاة حول كيفية التحقيق والتعامل مع هذه القضايا، وكذلك إدخال مادة العنف الأسري ضمن مناهج المعهد القضائي، وقد تم تقويم هذه التجربة أكثر من مرة وحققت نتائج أكثر من توقعاتنا.
تحفظت الكثير من الدول على بند حق إعطاء المرأة المتزوجة جنسيتها لأطفالها، مسوغات هذا التحفظ هل هي منطقية في ظل اتفاق السيداو؟
- تم تبني اتفاق السيداو من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول ديسمبر 1979 ودخل حيز النفاذ في 3 أيلول سبتمبر 1981 وغالبية الدول العربية تحفظت على المواد 9 و15 و16 من الاتفاق، وهناك بعض الجهود في الأردن من أجل رفع التحفظ الخاص بحق المرأة المتزوجة لمنح جنسيتها لأطفالها، ولا أرى أن العديد من التحفظات لها ما يبررها كون التحفظات لا تتوافق مع الاتفاق، سيما أن الاتفاق ساري المفعول بحق الدولة المتحفظة من دون الاستفادة من التحفظ.
تجربتكم في تمكين المرأة القاضية في الأردن... كيف تقوّمها؟
- يوجد في الأردن حالياً حوالى 700 قاضٍ، منهم 42 امرأة قاضية، وهناك توجه لدى صناع القرار أن يصل العدد إلى 100 خلال الفترة المقبلة كونه يوجد عدد كبير من الدارسات الآن في المعهد القضائي، وقد حققت القاضيات نجاحات كبيرة وقد تقبل المجتمع ذلك بسرعة ووصلت إحدى القاضيات إلى منصب قاضٍ في المحكمة الجنائية الدولية ومنصب رئيس محكمة، وعضو محكمة الاستئناف، وأجد أن المرأة وصلت إلى المواقع الرسمية كافة وعملت في كل المهن وحققت فيها نجاحات كبير ولهذا أجد أنها حققت نجاحات كقاضية مثلها مثل الرجل، بل وأكثر في بعض الأحيان، وهناك توجه لتخصيص قاضيات للنظر في قضايا الأحداث والعنف الأسري كونهن الأقدر على التعامل مع مثل هذا النوع من القضايا.
الحرية والأمن
في مجال العدالة الجنائية هناك فجوة واضحة بين النص والتطبيق، الموازنة بين الحرية والأمن... أيهما مقدم على الآخر؟
- أي مجتمع يضحي بالحرية من أجل الأمن لا يستحق حرية ولا أمناً، فتتوجب الموازنة الدقيقة من دون أن يقدم أحدهما على الآخر.
أحداث 11 سبتمبر... هل أسهمت بطرح مفاهيم جديدة بالقانون الدولي الإنساني؟
- بكل تأكيد فإن تلك الأحداث هي نقطة مفصلية في مسيرة العالم بأسره من حيث طرحها لمفاهيم جديدة غير مسبوقة في العلاقات الدولية، ومنها من هو ليس معي فهو ضدي، ومن حيث احتلال بلدان بأكملها، ومن حيث تغليب قانون القوة على قوة القانون، ومن خرق كل قواعد المحاكمة العادلة مثل اعتقال بعض الأشخاص لفترات طويلة من دون محاكمة، وأشعر أن اكبر تحدٍ واجه القانون الدولي الإنساني هو أحداث 11/9.
محاكم الأحداث... لماذا يتم العمل فيها بخصوصية وحذر شديدين؟
- في بداية عملي القضائي عملت قاضيَ أحداث، وأعتقد أنها أهم وأغنى فترة عملت فيها، كون التعامل مع الأحداث الجانحين يتطلب حرفية ومهنية عالية، ويتوجب التعامل معها بسرية وخصوصية، كون الحدث الجانح هو في الوقت نفسه ضحية للظروف المحيطة به، لأن الكثير من حالات الجنوح سببها الفقر أو الطلاق أو غياب دور الأسرة أو رفاق السوء، ولهذا التعامل معها يتطلب صبراً وحذراً شديدين، لأن الطفل الجانح اليوم إذا لم يتم إصلاحه وإعادة اندماجه مجدداً في المجتمع سيصبح مجرماً بالغاً مستقبلاً.
الظروف الاقتصادية العالمية... هل لها دور في ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع؟
قد تتزايد نسب الجريمة بمعدلات طبيعية تبعاً للنمو الطبيعي للسكان، ولكن وفي الفترة الأخيرة ومع تطور التكنولوجيا والاتصالات أصبح العالم يواجه أنماطاً من الجرائم مثل الجرائم الالكترونية وجرائم الاحتيال والجرائم المنظمة وجرائم غسل الأموال وجرائم الانترنت، وبلا شك أن الظروف الاقتصادية قد تسهم سلباً أو إيجاباً في ارتفاع أو انخفاض معدلات الجريمة.
تمكين المرأة... هل يحد من التمييز التعسفي ضدها؟
- إن تمكين المرأة سياسياً أو اقتصادياً يمكنها - وبلا شك - من الحد من التمييز ضدها فقد ثبت ومن واقع عملي مثلاً أن الكثير من النساء التي تتعرض للعنف الأسري لا تقوم بالإبلاغ عن ذلك وترضى بالواقع إذا لم يكن لها دخل يمكنها من الاعتماد على نفسها، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالتمكين السياسي فإذا كانت المرأة ممثلة بالبرلمانات مثلاً فإن ذلك يساعدها في إقرار ومراجعة التشريعات الوطنية التي تهدف إلى حماية حقوقها.
النهج التشاركي في قضايا العنف يقلل من تشتت الجهود وبعثرتها
حول النهج التشاركي في قضايا العنف يرى الدكتور الطراونة"أن قضايا العنف من أكثر المجالات التي حقق فيها النهج التشاركي نتائج ايجابية.
كون القاضي بحاجة ماسة إلى الطبيب الشرعي والطبيب النفسي والأخصائي الاجتماعي ورجل الشرطة ومنظمات المجتمع المدني، فالطبيب الشرعي يزود القاضي بتقرير طبي عن حالات الإيذاء والطبيب النفسي يوفر الإرشاد النفسي للضحية، والأخصائي الاجتماعي يدرس الحالة، ورجل الشرطة ينفذ قرارات القاضي بإبعاد الجاني عن البيت الأسري".
ويزيد الدكتور في حديثة قائلاً:"منظمات المجتمع المدني يمكن أن توفر المأوى والمساعدة القانونية للضحايا، وهذا ما حققته نتائج أعمال مشروع حماية الأسرة في الأردن منذ عام 2000 وما يعمل عليه المجلس الوطني لشؤون الأسرة، لأن النهج التشاركي يساعد على تبادل التجارب والخبرات ويقلل من تشتت الجهود وبعثرتها، لأن هذا النهج يوضح الأدوار والمسؤوليات".
فلسفة العقاب التقليدية القائمة على السجن والإيلام لم تعد تحقق الردع!
وعن البدائل المتاحة في العقوبات عن السجن يقول الدكتور الطراونة:"ثبت وبشكل قاطع أن فلسفة العقاب التقليدية القائمة على السجن والإيلام لم تعد تحقق الردع، سواء الردع العام أم الردع الخاص، وهذا ما جعل العالم يفكر بإيجاد تدابير بديلة عن العقوبة السالبة للحرية قائمة على أسس وقواعد العدالة الإصلاحية التي تهدف إلى عقاب الجاني وتعويض الضحية والمجتمع، وعقاب الجاني من خلال قيامه بعمل نافع للمجتمع، وذلك بدلاً من العقوبات التقليدية القائمة على إيلام الجاني من دون النظر للضحية والمجتمع".
ويضيف الدكتور عن أهمية البدائل العقابية، خصوصاً للأطفال ويقول:"هذا ما جعلنا نعمل في هذا المجال في ما يتعلق بالأحداث حيث وضعنا قانوناً جديداً يضع تدابير عدة كبديل للعقوبات السالبة للحرية، لأنه ثبت أن إيداع الشخص في المؤسسات العقابية فيه كلفة اقتصادية واختلاط مرتكبي الجرائم مع بعض وما قد ينجم عن ذلك من حالات شذوذ وتبادل الأنماط الجرمية، وخروج الشخص بعد انتهاء فترة المحكومية أكثر نقمةً على المجتمع".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.