تذكرت مقطعاً تمثيلياً كوميدياً قديماً للممثل الكويتي المبدع الراحل خالد النفيسي، إن لم تخنِ الذاكرة، حينما اقتربت منيته، قال لابنه وهو في النزع الاخير من الوفاة، ويحيطه من حوله ابنه الوحيد، قال له خالد النفيسي: اسمع يا بني أريد أن أكشف لك أمراً خطيراً قبل ان أموت أخفيته عنك طوال حياتي، رد الابن، ولا أذكر من هو الممثل الذي كان يؤدي هذا الدور، إلا أنه من الواضح كان ينتظر ان يعلن والده قبل مماته عن ثروة أخفاها أو كنز مدفون، إلا أن الأب لم يترك للابن فرصة التفكير طويلاً، فقال له: اسمع يا بني أنا لست أباك، فسأل الابن باستغراب إذاً من أنت؟ هل انت عمي أو خالي؟ رد الاب ببرود شديد أنا أمك. هذا المشهد تذكرته وأنا أقرأ خبراً نُشر الاسبوع الماضي في صحيفة"عكاظ"، على ان سيدة سعودية اكتشفت أن زوجها الذي أمضى معها ثماني سنوات، ويحمل بطاقة أحوال مدنية ولديها طفلتان، اكتشفت السيدة ان زوجها ليس سعودياً، بل كان ينتحل شخصية رجل آخر، وفي الشرطة طلبت الزوجة الطلاق، لأنها تعتقد أنها سقطت ضحية كذب وتزوير، أما الزوج فقد رحّلته الجوازات الى بلده، وبحسب الخبر فإن السيدة السعودية المطلقة بدأت قصة مأساتها بعد ترحيله دون ان يتم تصحيح وضعها، القصة انتهت، ولكم الخيار أن تضحكوا أو تجهشوا بالبكاء لحال السيدة وطفلتيها. أمضت السيدة ثماني سنوات سعيدة ومبسوطة في حياتها الزوجية، زوج وأطفال ومنزل، ولست ملماً بتفاصيل الحكاية، الا أنه يبدو من الخبر ان السيدة لم تشتكِ امام القاضي سوى أنه أخفى عليها جنسيته الحقيقية، أما الطفلتان فقد كانتا تذهبان إلى المدرسة، أقصد أن الأسرة كانت سعيدة ولم ينقصها سوى تصحيح الهوية المزورة، في لحظات هُدِم منزل أسرة، وضاعت أحلام فتاتين للبقاء مع أسرتهما، نتيجة المعالجة الخاطئة لهذه القضية. إذا اقترحنا نهاية اخرى لهذه القصة غير الذي انتهت اليه، ماذا كنا نتوقع؟ هل من الممكن ان يقضي الزوج العقوبة هنا ويبقى بجوار أسرته، أو إلى حين الانتهاء من أن تستعيد الزوجة حقوقها، أو تصحيح أوضاعها وإعادة الثقة لطفلتيها اللتين ستواجهان مشاكل مزدوجة، حيث كانتا سعوديتين وهما الآن يمنيتان، أو حل آخر بأن تتدخل الجمعيات الخيرية وإصلاح ذات البين للوفاق بين الزوجين؟ أظن كان بالإمكان الخروج بأكثر من حل لمساعدة هذه المرأة التي عاشت الخداع والاحتيال ثماني سنوات، والآن ستعيش بقية عمرها ركضاً خلف حقوقها وتصحيح أوضاعها، وأيضاً بحثاً عن رزق او مساعدة للإنفاق على طفلتيها، ولا أود أن ألوم الجهات المعنية التي حققت في القضية، فهي بالفعل أدت دورها الحكومي، إلا أنه غاب عنها الجانب الاجتماعي والأسري والبحث عن حلول إنسانية. بالتأكيد حادثة السيدة السعودية ليست الوحيدة، فهناك قصص كثيرة محزنة ومؤسفة، وكلها تصب في خانة الأمية الاجتماعية وعدم الوعي، سواء من الجهات المعنية بمعالجة الموضوع، او الاشخاص، وهي ايجاد الحل المناسب قبل تحديد العقاب، والغاية منها ومعرفة العواقب، هناك مؤسسات اجتماعية وإنسانية لديها حلول ومقترحات. في قضايا الاحتيال والتلاعب لدينا الكثير من الضحايا، إلا انها لم تحل والكثير منها عالق منذ سنين، أكثر ما نعرفه ان المحتال قبض عليه وأودع السجن، وإن كان أجنبياً يتم ترحيله، ولكن أين أصبحت القضية أو وصلت؟ وهل هناك حلول لاستعادة حقوقهم؟ لا أحد يعلم، أما الضحايا فلا أحد يسأل عنهم، دعوني اسألكم الاخبار التي تبثها هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنها استطاعت إنقاذ فتيات ضحايا ابتزاز وتلاعب من قبل بعض الشباب وضعاف النفوس، تم تصوير هؤلاء الفتيات ويبتزوهن ويهددونهن في مقابل مادي او جسدي، نسمع عن الكمين والخطة المحكمة للقبض على المحتالين، ولم نسمع ماذا تم بشأنهم او العقوبة التي نزلت بهم، والحال كذلك في قضايا المساهمات العقارية وبطاقات"سوا"ومشروعات وهمية، سقط فيها أشخاص أبرياء نتيجة احتيال وتلاعب بأموال الضعفاء، كل هذه القضايا تتم سراً وبدون صوت او صورة، وكأنما سرقوا حفنة تراب، لهذا من المخجل النشر عنها. لا أود أن أزيدكم غماً وهماً يكفي ما هو عليه الكثير من الناس، هل تتذكرون قصة الطفلين التركي والسعودي اللذين استبدلا في أحد المستشفيات، وفي سوق الأسهم كشفت هيئة السوق المالية السعودية عن ارتفاع كبير في قضايا التلاعب والاحتيال في سوق الأسهم المحلية العام الماضي، حيث تم ضبط نحو 151 قضية مقابل 98 قضية في عام 2007، بزيادة بلغت 54 في المئة وتضمنت القضايا مخالفات على تلاعب واحتيال بقصد إيجاد انطباع كاذب ومضلل بشأن السوق أو الأسعار، وعلى مخالفات لتداولات تمت بناء على معلومات داخلية، وعلى مخالفات لقواعد الإفصاح. وهناك الكثير من القضايا، ولعل قضايا الشهادات الطبية والعلمية المزورة التي تم اكتشافها لدى اعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات. لا زلت اقول إن واحدة من الاسباب التي تجعل القضايا الاجتماعية لدينا تتفاقم وتزداد هي عدم الوعي بالانظمة والقوانين الحقوقية وجهل اداري في التعامل، وعدم اعطاء حرية النشر للكثير من القضايا ومتابعتها، وفتح المحاكم امام الإعلام لمتابعة الجلسات والقضايا ذات الاهمية الاجتماعية، لا أزعم ان المشاكل ستحل ولكن على الاقل يعرف الانسان ما له وما عليه من حقوق. * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected]