لا تتجاوز مساحة مدينة جدة 900 كيلومتر مربع، وهي مساحة ليست بالشاسعة، ومع ذلك فشبكة الصرف الصحي لا تغطي سوى 8 في المئة من أحيائها فقط، علماً بأن هذه المساحة غطيت قبل 30 عاماً تقريباً. وعلى رغم تعاقب خمسة مسؤولين على إدارة الجهة المعنية بشؤون المياه والصرف الصحي في جدة، وانتقال تبعيتها بين أربع وزارات منذ إنشائها في بداية السبعينات الميلادية تحت مسمى إدارة المرافق العامة، التي كانت تعنى آنذاك بتنفيذ مشاريع المجاري في مدن المنطقة الغربية، إلا أن المشكلة ظلت قائمة حتى يومنا، على رغم بلايين الريالات التي اعتمدت لهذا القطاع في موازنات الدولة على مدار سنوات طويلة. مساحة المنطقة المغطاة بشبكة الصرف الصحي لا تتجاوز 73 كيلومتراً مربعاً تقريباً، أي ما يعادل 8 في المئة فقط من مساحة مدينة جدة المقسمة إلى 52 حياًَ. وقبل سنوات تم تنفيذ شبكة كبيرة من الأنابيب في الطرقات الرئيسية، بغرض خفض منسوب مياه المجاري الناتجة من مياه الصرف الصحي تحت مباني المدينة، لتصب الأنابيب في البحر مباشرة دون أية معالجة، لتزيد من مشكلة الصرف الصحي في جدة. وتعتبر الأحياء غير المغطاة بشبكة الصرف الصحي في جدة مهددة بكارثة بيئية صحية نتيجة لاستمرار تدفق مياه الصرف الصحي إلى الشوارع ووجود مياه جوفية تمنع تسربها إلى باطن الأرض ما ينبئ بتزايد أمراض الضنك والأمراض الصدرية. ولم يجد أهالي جدة بعد كارثة تشرين الثاني نوفمبر التي حلت بمحافظتهم أخيراً، سوى صب جام غضبهم على المسؤولين الذين تولوا شؤون المدينة على مدى أربعة عقود، مستغربين اهتمامهم بالمجسمات الجمالية والقشور، وتجاهلهم للعديد من المشاريع الحيوية، ومنها إنشاء شبكة صرف صحي في مدينة تتوسع يومياً بصورة مذهلة. واشتكى عدد من المواطنين من عدم وصول شبكات الصرف الصحي إلى أحيائهم على رغم اعتماد موازنات يمكن أن توصف ب"الهائلة"، تم اعتمادها لمشاريع الصرف الصحي في جدة. وأرجع بعضهم أسباب تأخر هذه المشاريع إلى ما اعتبروه"فساداً داخل أمانة جدة والإدارات الحكومية ذات العلاقة". يقول المواطن خليل الذبياني إنهم سمعوا على مدار 20 عاماً بإقرار مشاريع للصرف الصحي في جدة، لكن الانتهاء منها لم يتم حتى الآن، مضيفاً:"تأخر هذه المشاريع أدى إلى تراكم المياه الجوفية، وهو أمر يضر بالبشر والبنيان". ويقول الدكتور عبدالله الجفري الذي يسكن في حي المحمدية الراقي إن الحي بات أشبه ببركة من المياه الملوثة، إذ أصبح منظر المياه الراكدة المنتشرة في الحي نتيجة لطفح الصرف الصحي سيئاً وينذر بأمراض كثيرة. وأشار إلى أن طفح مياه الصرف الصحي وتدفقها على سطوح الشوارع يمثلان خطراً على صحة الإنسان لأن المياه الراكدة نتيجة الطفح تجمع في داخلها العديد من الأمراض والأوبئة، التي تشكل مصدراً للأمراض. وأضاف:"على القائمين بمشاريع الصرف الصحي في جدة أن يتابعوا المشاريع بدقة، وينفذوها بسرعة، لأن إهمال مثل هذه الأمور ربما يؤدي إلى كارثة". وأبدى رامي أبو الجدايل امتعاضه من أن مدينة كجدة لا يوجد بها مشاريع للصرف الصحي على رغم أنها تمثل المدينة الثانية في السعودية بعد العاصمة الرياض. يقول:"هناك خسائر مادية كبيرة نتكبّدها يومياً نتيجة لشفط مياه الصرف الصحي"، معتبراً أن المتهم الرئيسي في هذه المشاريع هو الفساد المالي الحاصل في الإدارات الحكومية نتيجة الاختلاسات الحاصلة فيها. وحذر استشاري طب المجتمع الدكتور هاني الأزهري من أن تتسبب المياه الراكدة الناجمة عن الفيضان في استشراء حمى الضنك. وقال ان البعوضة المسببة لهذا المرض تتكاثر في المياه العذبة. وتقطع جدة أربعة أودية تشكل خطراً عليها تتخذ من بعض مناطقها مصباً لها، وهي أودية غليل وحصاة مريخ وبريمان والكراع. ويعتبر وادي غليل الواقع إلى الجنوب من جدة أكبرها، ويهدد أكثر أحياء العروس كثافة للسكان، كمشروع الأمير فواز، غليل، النزلة، الصناعية، المستودعات. أما وادي حصاة مريخ فهو ثاني أكبر الأودية في حجمه وخطورته ويهدد جدة شتاءً، ويمر في طريقه بأحياء قويزة والجامعة والشرفية، مروراً بالمطار القديم وبني مالك وأيضاً طريق الملك عبدالله. ويمتد وادي بريمان أقصى الشمال الشرقي لجدة قاطعاً مسافة 30 كيلومتراً باتجاه الجنوب الغربي، لكنه يتفرع قبل أن يصل إلى أحياء جدة إلى فرعين أحدهما يتجه إلى أحياء بريمان، المروة، النزهة، فيما يتجه الفرع الثاني إلى أحياء الصفا، الرحاب، بني مالك، مروراً بشارعي الأمير محمد بن عبدالعزيز التحلية وفلسطين. ويعد وادي الكراع أكثر الأودية جرياناً في جدة خلال العقدين الماضيين، وهو في أقصى الشمال من مدينة جدة، وتقع في طريقه أحياء الحمدانية، الرحمانية، شمال مطار الملك عبدالعزيز الدولي، والمحمدية، وتتعدد مصباته في البحر من شرم أبحر إلى أبحر الجنوبية غرباً.