حزين أنا حزناً لا مثيل له، ولا كلمات تكفي لوصفه، حزناً بسبب الفراق مخلفاً ألماً أبلغ من ألم الفراق بين الرفاق، ها أنا ذا أحييكم وأرحب بكم كضيف حل من دون مضيف، حيث أجبر كل عام مسخراً مهدياً لكم من لدن حكيم لطيف كي أطهركم من أدرناكم وذنوبكم كبيرها وصغيرها كفرصة ربانية وهدية رحمانية لصقل النفس وإعادة تأهيلها ويكلتها من جديد، محاسبة غير محاسبة إن هي أطاعت وأنابت وأخبتت، ولكن أبت النفوس عدا القليل منها إلا هدر الطاقة الروحانية والإيمانية في هذا الشهر الفضيل، أبت إلا لجعلي شهراً للسمر والسهر والتسكع في الأسواق والجلوس خلف الشاشات الفضائية مستبدلينني ما هو أدنى بما هو خير، بل جاعلين من شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، إلى شهر رمضان الذي كثرت فيه المسلسلات بدعايتها المحرضة والمشجعة على هدر العمر وغبن النفس من العصر إلى العصر، إلى شهر لتنوع الأطباق الشهية المنافسة للأطباق الفضائية، وكأننا كنا جياع طوال السنة فبات من الضروري الالتزام بأطباق مناسبة للتمكن من قيام التراويح والتهجد وتلاوة القرآن بأحسن حال، إذ المعدة المستعدة لكل الأطباق التي تساعد على الاسترخاء والبطء والكسل في العمل! وعلى رغم أني تكلمت وناشدت واستكثرت ونددت إلا أني ما زلت أذكر وأنا الشهر الفضيل بأني ما زلت كما أنا على أتم الاستعداد لرمض الذنوب آخذا ًمن أسمى معنى ومغذى، فرمضان يرمض الذنوب و يمحوها وهو ما يتمناه العاقل الراشد، وعلي اختم بعد الترحاب بمقولة مشهورة وعلى شهرتها منسية مجهولة بأن الله تعالى أسر إلى عبده سرين على سبيل الفهم والإلهام أحدهما: إذا خرج من بطن أمه، يقول له عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً استودعتك عمرك وائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني. والسر الثاني: عند خروج الروح، يقول عبدي ماذا صنعت بأمانتي عندك؟ هل حفظتها؟ حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب؟ وهو ما تشير إليه الآيات الكريمة وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون -" الآية 40 من سورة البقرة"، والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون،"الآية 8 من سورة المؤمنون"، فهلا حافظتم على عهدكم كما أحافظ على موعدي وهلالي وبركاتي ونفحاتي؟ [email protected]