الخلود يتغلّب على الوحدة بهدف في دوري روشن للمحترفين    أمير القصيم يُطلق مسيرة يوم التأسيس بمشاركة الهجانة والخيالة    إسرائيل تؤجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين    الشرقية تكتسي بأعلام الوطن ولوحات التعبيرية والإنارات الجمالية احتفاء بيوم التأسيس    الجبير ووزير خارجية نيوزيلندا يبحثان العلاقات الثنائية    د. عادل عزت يشكر المعزين في وفاة والده    «مستقبل الاستثمار».. شراكات عالمية في التقنية والذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال    إطلاق أسماء أئمة وملوك الدولة السعودية على 15 ميدانا بمدينة الرياض    «الأحمر» ينسف نجومية دوران    الخلود يعمق معاناة الوحدة ويهزمه بهدف    فريق الوعي الصحي التابع لجمعية واعي يحتفي بيوم التاسيس في الراشد مول    وثيقة برلمانية عربية وخطة تحرك برلمانية عربية موحدة لدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه    التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    نائب رئيس مجلس الشورى يوم التأسيس: تاريخٌ خالد ومستقبلٌ واعد    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًا بمناسبة ذكرى "يوم التأسيس"    واكاثون لولو الثاني يحتفل بيوم تأسيس المملكة العربية السعودية ويعزز رسالة الأستدامة    مدير عام مكتب التربية العربي : الاحتفاء بيوم التأسيس اعتزاز بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة    قُتِل بغارة شمال سورية.. واشنطن تكشف هوية قيادي «القاعدة»    عقد ورشة عمل "الممارسات الكشفية للفتيات في الجامعات"    احتفال سفير الاتحاد الأوروبي بيوم التأسيس، تعزيزاً للعلاقات الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة    «الدباغ القابضة» تتقدم بالتهاني لمقام خادم الحرمين وولي عهده بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بعسير يكمل استعداداته في يوم التأسيس    انهيار مبنى إثر حريق ضخم في الأرجنتين    أسرة حسام الدين تحتفي بعقد قران أحمد ويوسف    القيادة الإماراتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    رباعي هجوم الاتحاد .. الأقوى    "السعودية في العصر الرقمي: من جذور التأسيس إلى ريادة المستقبل"    وزارة الداخلية تحصل على جائزة المنتدى السعودي للإعلام (2025) في مسار الأنشطة الاتصالية الإعلامية عن حملة "لا حج بلا تصريح"    العز والعزوة.. فخر وانتماء    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تراجع    إخماد حريق للغابات بمقاطعة "جانجوون" في كوريا الجنوبية    كأس السعودية للخيل| "سكوتلاند يارد" يتألق بلقب كأس طويق    الملاكمون يواجهون الميزان في الرياض قبل ليلة الحسم لنزال "The Last Crescendo" اليوم السبت    اكتشاف النفط.. قصة إرادة التنمية السعودية    القيادة الكويتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    السعودية.. أعظم وحدة في العصر الحديث    الدرعية.. ابتدينا واعتلينا    انخفاض درجات الحرارة في عدد من مناطق المملكة    «الأسواق الناشئة».. السعودية تعالج تحديات اقتصاد العالم    الدبلوماسية السعودية.. إطفاء الحرائق وتعزيز الشراكات    «أنوار المباني» شاهد عيان على التنمية المستدامة    يوم التأسيس.. جذور التاريخ ورؤية المستقبل    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    غبار المكابح أخطر من عادم السيارات    السعودية منارة الأمل والتميز الطبي    من الدرعية إلى الأفق.. يوم التأسيس ورحلة المجد السعودي    الخطة أن نبقى أحياء بين المؤسسين عبدالرحمن الداخل ومحمد بن سعود    الماضي ومسؤولية المستقبل    في يوم التأسيس نستذكر تاريخ هذه الدولة العريق وأمجادها الشامخة    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم ندوة علميّة تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أم وولدها
نشر في الحياة يوم 15 - 09 - 2008

جيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبي من سبي هوازن، وإذا بين يدي السبي امرأة تسعى وقد زاغ بصرها وتحلّب ثدياها، تبتغي رضيعها الذي فقدته في السبي، وكان منظر ذهولها ولهفتها وفزعها لافتاً إليها الأبصار، وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ينظرون إليها، فبينما هي كذلك إذ وجدت رضيعها فأخذته فألصقته ببطنها ثم ألقمته ثديها ترضعه لبنها وحنانها، وهي في حالٍ من التأثر العاطفي الشديد أن وجدته بعد أن أخذها الهلع"خوفاً عليه وذهبت بها ظنون هلكته كل مذهب. وكان منظراً غاية في التأثر والتأثير، وإذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجذب أبصار أصحابه إلى هذا المشهد، قائلاً:"أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ وكان سؤالاً يحمل استفهاماً مثيراً. فإنّ ما رأوه من حال هذه المرأة يدل على أنها كادت تفقد عقلها لما فقدت رضيعها، فكيف تلقيه في النار!
ولذا قال الصحابة: لا والله يا رسول الله، وهي تقدر على ألا تطرحه. عندها سكب النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعنى العظيم بعد هذه الاستثارة الذهنية، قائلاً:"والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها". نتبين من هذه القصة:
1 - الطريقة التربوية النبوية الرائعة في التعليم لإيصال المعاني بحشدٍ من المؤثرات التي تزيد المعنى جلاءً وتجعلها ذات وقعٍ مؤثرٍ في النفس، لقد كان مشهد المرأة وحالها وسيلة إيضاحٍ كبيرة استخدمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم زاد على ذلك الاستثارة الذهنية والوجدانية بسؤاله:"أترون هذه طارحة ولدها في النار؟". وهو سؤال يستثير الذهن لترقب ما بعده، ويجعل النفس في حال تشوّفٍ للمعنى الذي سيتبع هذا السؤال، ثم أتبع ذلك بضرب المثل بحال هذه المرأة"ليتضح المعنى ويعظم وقعه على القلوب"لله أرحم
بعباده من هذه بولدها"، فصلوات الله وسلامه على خير معلم للناس الخير الذي جمع في تعليمه لطف التنبيه، وجلاء التوضيح، وحسن التأتي في إيصال المعاني للنفوس وتربية القلوب بها.
2 - إن هذا المشهد كان يمكن أن ينتهي من دون أن يترك أثراً غير علامة التعجب من فرط عاطفة الأمومة في هذا الموقف، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اقتنص الفرصة"ليجعل منه درساً ربَّانياً يفيض منه على القلوب معاني الرحمة الإلهية، لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغتنم كلّ فرصةٍ ويختار الظرف الأنسب لإيصال العلم ويُراعي تهيئ المتلقين واستشرافهم لما سيقول، ولذا كان هذا المشهد الفرصة المواتية التي اغتنمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"ليذكِّر فيها برحمة أرحم الراحمين وكان وقع قوله الوجيز مربوطاً بهذا المشهد أبلغ من كلامٍ طويلٍ يمكن أن يقال في هذا المعنى. فهل نحاول تقفي هذه البراعة النبوية في اقتناص فرص التأثير وبث المعاني التربوية بما يناسبها؟
3 - لم يكن هذا الدرس النبوي في حلقة تعليم أو على عتبة منبر، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حوله يستقبلون مَقْدِم هذا السبي، ومع ذلك جعل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقاماً للتعليم، وذلك أن تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مختزلاً في خطبة يخطبها أو موعظة يلقيها، ولكنه كان علناً مبثوثاً في الحياة كلها، فجلوسه على مائدة الطعام فرصة تعليمية، ودخوله للسوق فرصة تعليمية، ومشيه في الطريق ومجلسه مع أصحابه مجالات للتعليم والدعوة بمثل هذه الومضات المختصرة البليغة المقرونة بمجريات الحياة، ولذا ارتوت نفوس الصحابة وتضلَّعت من علم النبوة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبثُّه في نواحي حياتهم وتقلبات أمورهم.
وفي ذلك دلالة لنا أن نجعل تربيتنا لأبنائنا ومن حولنا مقرونة بأنشطة الحياة، وألا نقتصر في إيصال المعاني التربوية على النصائح الطوال، وأنه يسعنا اختزال التوجيه التربوي في أحيان كثيرة في جرعات مختصرة ولكنها بليغة ومؤثرة"لأنها تأتي في مناسبتها من دون تكلف ولا إملال، فيحسن وقعها ويعظم أثرها.
4 - هذا المعنى الذي وضحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال هذا المشهد، وهو عظيم رحمة الله بعباده، يوقظ في القلوب الرجاء ويبعث في النفوس الأمل، فلا يعرف الناس رحمة أشد من رحمة الأم بولدها، وأشد ما تكون رحمة الأم بولدها في حال ضعفه وشدة حاجته إليها وهي حال الرضاعة والطفولة المبكرة، وتتضاعف هذه الرحمة حين يكون طفلها عرضة لخطرٍ تخشى عليه منه، حينئذ تتضاعف رحمة الأمومة أضعافاً مضاعفة، وكان هذا حال المرأة التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه. ثم بما أن رحمة الله بعباده أعظم من رحمة الأمومة في هذه الحال. إن هذا المعنى يملأ قلب المؤمن بالطمأنينة والرضا، فإن عمل صالحاً ذكر عظيم رحمة الله فرجا قبوله، وإن قارف خطيئة ذكر رحمة ربه ورجا مغفرته، وإن نزلت به شدة تذكر عظيم رحمة الله فدعاه وهو موقن أنه لن يضيعه، وإن نزل به الموت تذكر أن منقلبه إلى رب هو أرحم به من أمه التي ولدته فحسُن ظنه بالله واشتاق إلى لقائه.
* نائب المشرف على مؤسسة"الإسلام اليوم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.