"إنه الرسول الذي بشر به عيسى، وانزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون الذي أحمل نعليه وأوضئه". والجارود بن العلاء، الذي قال فور إعلان إسلامه لرسول الله:"والله لقد جئت بالحق ونطقت بالصدق، والذي بعثك بالحق نبياً لقد وجدت وصفك في الإنجيل وبشر بك ابن البتول"، وسيف بن ذي يزن حين تولى الحكم على الحبشة، بعد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بعامين، أتته وفود العرب لتهنئته وكان على رأس وفد قريش عبدالمطلب، فسلم عليه وهنأه، فقربه الملك إليه وأطلعه على سر طلب منه الاحتفاظ به إلى أن يأذن الله له بالبوح به قال له:"إنه سيولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة وله الإمامة، واسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وسيجعل الله لكم به الزعامة، يحطم الأوثان، ويعبد الرحمن، قوله فصل وحكمه عدل"، فخر عبدالمطلب ساجداً وقال:"إن لي ابناً زوجته كريمة من كرام قومها، اسمها آمنة بنت وهب، وجاءت بغلام سميته محمد، وقد مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه"، فقال ابن ذي يزن:"احتفظ بابنك واحذر عليه من اليهود، فإنهم أعداء له، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت إليه إلى يثرب، حيث دار مملكته واستحكام أمره"، والنضر بن الحارث بن كلدة، وأركون الرومي، ويحنس الحواري. وممن كان ينتظر مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أمية بنت أبي الصلت الثقفي، وزيد بن عمر بن نفيل، ابن عم عمر بن الخطاب، والأشج بن عبدالقيس، وأكثم بن صيفي بن رباح، وقد كان أسقف نجران يحدث بصفته، وكان سفيان بن جشع يحدث به قبله، وسمى ابنه محمداً، وهرقل عظيم الروم قال حين أتاه أبوسفيان بن حرب:"وقد كنت أعلم انه خارج لم أكن أظن انه منكم، فلو أني أعلم أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه"، كما كانت هناك فئة من العرب يقال لهم الأحناف، الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وينتظر النبوة منهم قس بن ساعدة الإيادي، وأبو قيس بن أبي أنس، وخالد بن سنان، وعامر بن الظرب. فصل ابن الجوزي هذا الموضوع في كتابه الوفا بأحوال المصطفى، وأتى على ذكر الكثيرين ممن بشروا بإرهاصات الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال إن جماعة من النصارى قدموا من الشام تجاراً إلى مكة، فنزلوا بين الصفا والمروة وهو ابن سبع سنين فمعرفة بعضهم بصفته في كتبهم، وسمته في فراستهم، ومن روايات ابن الجوزي، قال طلحة بن عبيد الله حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعة يقول: سلوا أهل الموسم هل فيكم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: فقلت نعم أنا قال لي ظهر بمكة بعد أحمد؟ قلت ومن أحمد؟ قال:"ابن عبدالمطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ". ويروي ابن الجوزي عن سهل مولى عتيمة قال إنه كان نصرانياً، وكان يتيماً في حجر أبيه وعمه، وكان يقرأ الإنجيل قال: فأخذت مصحفاً لعمي فقرأته، حتى مرت بي ورقة فأنكرت كثافتها فإذا هي ملصقة، ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم. أما بعض إرهاصاته حين مولده صلى الله عليه وسلم التي أنكرها الكاتب سامي الماجد، أورد الإمام ابن تيمية في الجواب الصحيح الكثير منها، ولم يشكك ابن تيمية فيها أو ينكرها، منها ما نقله عن السيرة النبوية لابن هشام عن ابن إسحاق قوله:"إن ربيعة بن نصر ملك اليمن، رأى رؤيا هالته، وفظع بها، فطلب من كهان مملكته ومنجميها أن يخبروه بها وبتأويلها، ولمّا عجزوا عن معرفتها من دون أن يقصها هو عليهم، التمسوا إليه بأن يبعث إلى من هو أعلم منهم، إلى سطيح، وشق، فإنهما يخبرانه عما أراد من ذلك، عندئذ بعث الملك إليهما، وقدم إليه سطيح قبل شق، فلما دخل عليه، قال له الملك إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبرني بها، قال أفعل، قال رأيت حُمَمَة خرجتْ من ظُلُمة، فقعت بأرض تَهَمة، فأكلت منها كل ذات جمجمة، فقال له الملك ما أخطأت منها شيئاً يا سطيح، فما عندك من تأويلها؟ فقال أحلف بما بين الحرتين من حنش، لتهبطن أرضكم الحبش، فلتملكن ما بين أبين إلى جرش، فقال له الملك وأبيك يا سطيح، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني هذا، أم بعده؟ قال: لا، بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من سنين. قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال لا، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين، قال ومن يلي من ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال يليه إرم بن ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحداً منهم باليمن قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال لا، بل ينقطع قال ومن يقطعه؟ قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي؟ قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، ويسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون قال أحق ما تخبرني؟ قال نعم، والشفق والغسق، والفلق إذا اتسق، إن ما أنبأتك به حق". قال الأصبهاني في دلائل النبوة من طريق مسلم بن جندب، عن النضر بن سفيان الهذلي عن أبيه، أنه قال:"خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومعان قد عرسنا من الليل، فإذا بفارس يقول، وهو بين السماء والأرض أيها النيام هبوا، فليس هذا حين رقاد، قد خرج أحمد، وقد طردت الجن كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة حزاورة شجعان أقوياء، كلهم قد سمع بهذا، فرجعنا إلى أهلنا، فإذا هم يذكرون اختلافاً بمكة بين قريش ونبي خرج فيهم من بني عبدالمطلب اسمه أحمد". روى ابن سعد في الطبقات ورجاله ثقات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رأت أمي حين وضعتني سطع منها نور فضاءت له قصور بصرى"، وروي عن حسان بن عطية بسند قوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع في كفيه وركبتيه شاخصاً ببصره إلى السماء، وروى أيضاً بسند رجاله ثقات أثبات عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم"لما وضعته أمه وضعته تحت برمة فانفلقت عنه، قالت:"فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء". وفي"تفسير الطبري"، و"تفسير البغوي"، قولهما عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته، قالت فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نوراً، وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول ليقعن علي، فلما وضعته خرج منها نور أضاء له الدار والبيت حتى جعلته لا أرى إلا نوراً، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه بسند جيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي. ألا تعد قصة القرعة ونحر الإبل بعد المرة العاشرة، فداء لأبيه صلى الله عليه وسلم عبدالله، وقصة اندحار حملة أبرهة الأشرم، في عام الفيل عام مولده صلى الله عليه وسلم، عن مكة التي ولد فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم من المعجزات والكرامات الإلهية؟ وإذا كان أبو لهب ذاته قد فرح بمولد سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم أفلا ندع أكثر من بليون مسلم في العالم يفرحون بمولده؟ ففي صحيح البخاري"أن العباس قال لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال:"ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين"قال"وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها". أسأل الله تعالى أن يغفر له، ويجعل الرسول شفيعاً له يوم القيامة، يوم لا تنفع إلا شفاعته. * باحث في الشؤون الإسلامية.