سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شبه الرواية السعودية الحديثة ب "الحكاية الساذجة" ... واتهم روائيين وروائيات ب "قلة الفهم" . عبدالرحمن الحبيب : تغييب القضايا الصدامية أضعف "الحوار الوطني" !
إحدى ميزات الليبرالية أنها فضفاضة تحمل أطياف متنوعة ولا تلتزم بأيديولوجية معينة"هكذا يصورها عبدالرحمن الحبيب، ويضيف أن"الليبرالي تأثيره يكون أكثر قوة لكنه غير ملحوظ، لأنه ليس منظماً"مشيراً في حواره مع"الحياة"إلى إن هناك صراعاً دائماً مع السلفيين الذين يتهمهم بأن"الثوابت عندهم تكاد تكون كل شيء في الأفكار، هنا تكون المشكلة معه"معتبراً أن الحوار الوطني قد حاد عن الطريق الصحيح له بانشغاله بقضايا مسلّمة لا تحتمل الحوار كثيراً كالتعليم والبطالة . ويتفاءل الدكتورالحبيب من الركض المتسارع في بلادنا من خلال حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني وغيره من القضايا الحيوية التي ستمنح المجتمع انطلاقة أكبر في شتى الميادين، وينتقد ما يحدث في الساحة الأدبية أخيرا من تطفل البعض على الرواية والإبداع الأدبي.. فإلى تفاصيل الحوار. هل تراهن على تأثير الليبرالية في المجتمع إذ من الواضح أنه لا ترحيب بكم؟ - الضمير عائد على من"أنتم"؟ احد ميزات الليبرالية هي أنها فضفاضة تحمل أطيافاً متنوعة فيهم التكنوقراط فيهم التقليدي المتفتح الذي يجابه الموقف الواحد للصحوة، لكنه ليس بالليبرالي، وهناك الليبرالي ذو الميول اليمينية، أو اليسارية، أو حتى الوسط، وبعضهم لديه ميول إنسانية، فهي بطبيعتها لا تنظيم، فالليبرالي ليست لديه أيديولوجيا محددة لينتظم في مجموعة واضحة، أو غير واضحة، لو كانوا تياراً معيناً له أيديولوجيا معينة، يشارك في وسائل الإعلام، والنشاطات الاجتماعية، والثقافية، وجهة نظرهم واحدة فيتكتلون، ويكونون"لوبيات"في أماكن عدة فهنا يكون تأثيرهم قوياً، وملحوظاً. الليبرالي تأثيره يكون أكثر قوة لكنه غير ملحوظ، لأنه ليس منظما،ً ولا يُرى ف"التكنوقراط"من المديرين، ووكلاء الوزارات هم عقلانيون يأخذ الواحد منهم بالتقنيات الحديثة ويستخدمها في أساليب الإدارة أو المجال الذي يخدمه، هذا بعد ليبرالي، لأنه عقلاني وغير منحاز لأيديولوجيا معينة، منحاز إلى المهنية وما هو في مصلحة العمل، فبالتالي تأثيره كبير لكن تأثيره الأيديولوجي ضعيف، لأنه لا يوصلها عبر تجمع أو نقابة أو رسائل فكرية مكتوبة إنما يوصلها عبر سلوك تقني، الأدباء مثلاً يوصلون رسالتهم عبر الرواية والقصة والشعر، الإعلامي مثال واضح للتأثير الليبرالي فرسائل الليبرالية والتنوير والحداثة وما بعدها والعقلانية واضحة جداً في المقالات الفكرية والأدبية وحتى الخدمية وفي الندوات الإعلامية هم موجودون بقوة. صوت الليبرالية في هذه النقطة بالتحديد الليبراليون متهمون بالسيطرة على وسائل الإعلام؟ - نحن تعودنا على وجود صوت واحد فلما ظهرت أصوات متنوعة، اعتقدوا أن هذا التنوع ينضوي تحت راية الليبرالي، هناك من لديه توجهات خاصة، هناك العروبي والقومي والإسلامي المستنير وغيرهم، وهم يواجهون منذ خمسة أعوام المشروع الصحوي، وكلهم متفاعلون مع المشروع الإصلاحي في البلاد. ومن ضمنهم كثيرون كانوا في تيارات الصحوة، دخلوا في التيار الإصلاحي واقتنعوا به، فتصنيفهم على أنهم ليبراليون خطاً، فالدكتور حمزة المزيني مثلاً يعتبره الكثيرون ليبرالياً لأنه نشيط جداً في أطروحاته العقلانية وأكاديمي عريق يطرح فكره بطريقة مرتبة لا تنتمي إلى الفكر السلفي أو الصحوي، وعندما تجلس معه ينكر هذا التصنيف، وربما تسميه سلفياً مستنيراً. منذ عام بدأ يتضح لنا الفرز وبات الناس يعرفون الفروقات، وبعض الكتاب هاجم الليبرالية ، إذ كتبوا مقالات ينتقدون الليبرالية من وجهة نظرهم، فبالتالي هم لا ينضوون تحت هذا التصنيف... صحيح أن الليبرالي ينتقد الليبرالية في الوقت ذاته وهو جزء من طبيعتها التي تنتقد نفسها وكتابها، وسلوكياتهم وأدواتهم فهي ليست أيديولوجيا قطعية كل شيء نسبي واحتمالات الصحيح والخطأ واردة بل تتجاوز ذلك في مرحلة ما بعد الحداثة إذ تعتبر الخطأ موجوداً دائماً، وهنا تظهر نظرية التفكيك أي أن كل فكرة وكل نص هي مفككة من ذاتها. ما مشكلتكم مع السلفيين؟ - قلت إن هناك أطيافاً عدة، نحن الليبراليين؟ من هم الليبراليون؟، نحن متنوعون هناك من يأخذ من الليبرالية الشكل الظاهري بينما وسائله مختلفة فهو يهاجم الأشخاص وليس الموضوع.. الانتقاد الذي يخرج من إطاره الى الشتم، كل هذا تمارسه كل الأطياف والتيارات ومن ضمنها الليبرالية. والأزمة هنا ليست في التيارات إنما في المجتمع ومفهومه للنقد وللحوار. ما زالت غالبية المجتمع تمارس الفهم القمعي في تعامله مع الطرف الآخر، سواء كان المتبني الليبراليين أو أي تيار آخر، ربما عند الليبراليين تكون المسألة أقل حدة باعتبار أن المبدأ الأساسي عندهم احتمالات الخطأ والصواب والنسبية في الفكرة ذاتها على خلاف الأيديولوجيات الأخرى التي تؤمن إيمانا قطعياً بصحة وجهة نظرها، قد لا ينتظر من الليبرالي مثل هذه الممارسات لكن ذلك يحدث. مشكلة الليبرالي مع أي أيديولوجيا تعتقد أنها تمتلك الحقيقة القطعية وحدها وليس الإسلامي فقط، المشكلة هي عندما يصادرني هذا التيار ويمنعني من حقي في التعبير فستكون لديّ مشكلة معه، أما أن يعتقد أن وجهة نظره هي الصحيحة والقطعية فهو حر لا توجد أية إشكالية، لكن لا يرتبط مع اعتقاده مصادرة حقي في التعبير أو الاختلاف معه، أو مصادرة حقي في إطلاق نظرية فكرية مخالفة له، قد يدّعي أن نظريتي مثيرة للمجتمع وللثوابت وهنا إشكالية ما هو الثابت؟ وما هو المتحول؟. الثوابت عند الصحويين تكاد تكون كل شيء في الأفكار، هنا تكون المشكلة معه، تحدث مشكلات صحية مثل اصطدام نظريتين مختلفتين، تنقلب الى غير صحية حينما يكون هناك تبادل شتائم واتهام بالتخوين والتكفير ومحاسبة النوايا واتهام سلوكيات خارجة عن الموضوع. ألا تعتقد أنك ? كليبرالي - تمارس نوعاً من الإرهاب الفكري بأطروحات لا يقبلها المجتمع وأنتم لا تستوعبون الرفض الشعبي العارم لكم وتريدون فرض أفكاركم أليس هذا إرهاباً؟ - لا يوجد فرض للأفكار، حرية التعبير حق، والحق لا يوجد فيه غالبية أو أقلية، إذا كان الفكر الليبرالي هنا في بعض الأطروحات يمثل صداماً فكرياً للأغلبية فهذا حق لا ينتفي، لا يوجد تصويت أو غالبية وأقلية في الحقوق، حق حرية التعبير هو حق مقدس، ولا يوجد فيه غالبية أو أقلية، هناك"الذوق"بأن لا تصطدم مع المشاعر، تجاوز هذا الذوق في اعتقادي نادر وقليل جداً، وتجاوز هذا الذوق في أي حال من الأحوال لا يمكن أن يسمى"إرهاباً"، هذه اللفظة خطيرة جداً، لأنها إحالة لأناس تقتل وتعتدي وتدمر. صراع التيارات لكنكم توظفونها كثيراً في كتاباتكم وآرائكم تجاه التيارات الأخرى؟ - قالها كذا كاتب ممن تصنفهم بالليبرالية، وأتذكر مقالة لداود الشريان سماها بهذا الاسم"الإرهاب الفكري"أو شيء من هذا القبيل، الإرهاب الفكري عندما أصادرك أو أمنعك من وجهة نظرك، أما عندما أطلق وجهة نظري ويطالبني الطرف الآخر بألا أقول وجهة نظري لأنها إرهاب فكري هذه اختلال في الموازين، لا بد من أن تكون هناك معايير واضحة. أن تعبّر عن وجهة نظرك شيء وان تمنع الآخر من أن يقول وجهة نظره هذا شيء آخر، أن تكون وجهة نظرك حادة على المجتمع هذا ليس إرهاباً هذا حقك في التعبير، أن تكون في داخل وجهة نظرك مصادرة للآخر أن يعبر عن وجهة نظره هنا ندخل في ما يمكن أن يسمى بالإرهاب الفكري. هذا المعيار واضح جداً لا يمكن إن نقول أن معرض الكتاب فيه إرهاب فكري، لأن الليبراليين لديهم كتب تتجرأ على الثوابت؟ هم يعبرون عن وجهة نظرهم ولم يصادروا وجهة نظر الآخر. عثمان العمير يقول إنه لا يوجد ليبراليون في السعودية... هل كان مصيباً في ذلك؟ - عثمان العمير له وجهة نظره وله تأثيره الكبير في الإعلام السعودي، ربما يكون كلامه صحيحاً إذا طبق على مجتمعنا، فغالبية مجتمعنا صامتة، حتى من لهم نفوذ هائل في حقبة التسعينات"الصحوة". وفي ذروة نفوذهم كانت نسبتهم لا تتجاوز 10 في المئة ونفوذهم عبر المنابر وأشرطة الكاسيت وكانت غالبيتهم لم تدخل في عمق المجتمع إنما دخلوا في أفكاره السطحية، المسيطر الآن هو الغالبية الصامتة وهي النمطية التقليدية، الليبرالي غير موجود و حتى الأطياف الأخرى غير موجودة العروبيين والقوميين الإسلاميين، فلو لاحظنا كل هؤلاء فإنه لا تأثير لهم في المجتمع، إنما في الثقافة والفكر والأدب، ومن هنا إذا أردنا أن نحاسب الليبرالية كجزء من المجتمع فهي تأتي في إطار محاسبة كل التيارات الأخرى وليس أكثر أو أقل منها. باعتقادي أن وجودها ضعيف جداً في مجتمعنا، إذ لا يسمح بالتنظيمات السياسية أو الفكرية، وبالتالي من الصعب علينا أن نحكم على هذه المجموعات بعدم التأثير، فلو كانت لدينا هذه التنظيمات أو حتى نقابات ربما نرى تأثيراً. مؤسسات المجتمع المدني على المدى المنظور... هل تعتقد أن من الممكن أن تكون لكم نقابات أو تجمعات بموافقة رسمية؟ - لا أعتقد أن يتم ذلك على المدى المنظور، ولكن نظام مؤسسات المجتمع المدني رفع من مجلس الشورى بعد أن أقر لائحته، وينتظر أن تقر من مجلس الوزراء في وقت قريب، وهو بشكله العام - وإن كان فيه ثغرات خصوصاً في قضية الاستقلالية - سيعطي مجالاً أوسع لمؤسسات المجتمع المدني بالمشاركة في القرار، والمساهمة في التنمية، وتطوير العمل التطوعي، هذه المؤسسات قد تكون اختباراً للمجتمع وليس فقط التيار الليبرالي أو أي أطياف أخرى، التي تمتلك تجمعات معينة لكنها ليست فعالة إلا في ما يخدم توجهاتها. على العموم هناك تحول في الذهنية فطريقة التفكير الأحادية تغيرت، فهناك مشروع إصلاحي يتمظهر في أشكال عدة كمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والندوات، والإعلام، ومعارض الكتاب، والفضائيات، والإنترنت. فكل هذه وسائل تسهم في خلق جو من قبول وجهات النظر الأخرى، والإيمان بالنسبية والعقلانية، والنقطة الأهم هي الحوار، ما بعد الحوار هو المهم فهو ليس هدفاً بحد ذاته. على ذكر الحوار الوطني... ألا ترى أنه لم يتشكل بالصورة المطلوبة مع أنه يعيش الآن عامه السابع؟ - نعم، لم يتشكل، هو في مرحلة تشكل وسيولة، ما زال فهمنا للحوار لأجل الإقناع وهذه كارثة، كانت مشكلتنا هي عدم القبول، وبعدما قبلناه أصبحت مشكلتنا هي مفهومنا للحوار، إذا كنت أحاورك لأجل إقناعك فهذه إشكالية كبيرة، أنا أحاورك لكي تتفهم وجهة نظري وحاجاتي، وفي المقابل يجب عليّ أن أقبلك وأتفهمك. ما زالت هذه المرحلة غير واضحة، البعض يعتقد أنه حينما يشارك بأنه المتكرم والمتفضل على الطرف الآخر، هذا واجب أساسي وهو أحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان"حرية التعبير وحرية الاعتقاد"، وهذا حق مقدس لكل شخص. الحوار الوطني بدون اختلاف المواضيع التي تُطرح في كل عام في الحوار الوطني... هل هي موائمة لاحاجاتنا وهمومنا؟ - طُرحت في العامين الأولين القضايا الفكرية الإشكالية وكانت لها إثارة فكرية صحية جميلة، بعد ذلك - وبحسب ما فهمنا من المركز - طرأ إشكال تقني، فهم يرون أن من المهم الانتقال من المجال الفكري إلى المجال الذي يمس الناس مباشرة، وهو الجانب"الخدماتي"كالتعليم والعمل، هذه في العادة لا يوجد عليها خلاف، فمسألة العمل والبطالة هي وجهات نظر تقنية، وهذا ليس مفيداً للحوار. هم يعتقدون أن من الأفضل تقريب الحوار للناس، هذه فلسفة خاطئة، فمن المفترض أن يكون الحوار بين فرقاء مختلفين، ويفترض أيضاً أن تناقش هذه القضايا الحساسة على الطاولة بدلاً من تركها في الزوايا المظلمة وكل طرف ينمي ثقافته الأحادية في الظلام، ينبغي إظهارها، هذا للأسف ما لم يحدث، بل نوقشت المسائل الخدماتية وهذا - في نظري - مسؤولية جهات أخرى غير المركز، فهو فكري تنويري وليس لمثل هذه القضايا. لماذا تعيب عليهم ذلك أليس من المفترض أن يكون الهم الأول هو التنمية الوطنية؟ - ذلك من ضمن أهدافه لكن الحوار لا بد من أن يكون بين مختلفين وإلا فسيتحول الى اجتماع، إذا طرحت أمراً متفقاً عليه فلماذا الحوار؟ نحن نريد الاختلاف الفكري الذي هو أساس الجبهة الداخلية التي من الممكن أنها تمزقت بسبب وجود تيارات فكرية متنافرة، نريد أن ننتزع هذا الخلاف إلى الحوار، وإن لم يتم ذلك فالحوار سيضعف، كما حدث في المحاور الأساسية قضيتي العمل والتعليم، فهم نزعوا منها القضايا الصدامية الفكرية، وهذه مشكلة. أيضاً هم ارتكبوا أخطاء تجاه المشاركين وكنت حاضراً ومشاركاً وتعرضت للمشكلة نفسها، إذ يحددون للمشارك ثلاث دقائق يعبر فيها عن وجهة نظره، وهي لا تكفي لمن جاء بأوراق عمل، وبدراسة من 30 صفحة مثلاً وأتعب نفسه ليجمعها، وليتحدث عن وجهة نظره، هناك نقاط عدة كتبت في مقالات وفيها نقد للمركز، والمركز بصراحة يشهد له برحابة صدره تجاه النقد إلى درجة التشجيع على ذلك، كما يطالبنا بذلك الأمين العام للمركز الدكتور فيصل بن معمر. تغييب القضايا الصدامية يضعف الحوار الوطني، وذلك الانتقاد وصلهم، ويبدوا ليَّ أنهم سيأخذونه في الاعتبار في المقبل من اللقاءات. أفهم من ذلك أنكم مستعدون للحوار أكثر من نظرائكم؟ - الجميع يتفق على أهمية الحوار، ومن يرفضه هم قلة قليلون واستثنائيون في أي تيار، وليس للصحويون استثناء في ذلك، قد يضع بعضهم شروطاً للحوار، الليبرالي لا يضع شروطاً بينما الصحوي يشترط قبل أن يحاور، بعض الصحويين لديه ثوابت محددة سلفاً لا يريد الدخول في نقاشات معينة باعتبارها ثوابتاً، فعندما نأتي ونطالب بتغيير المناهج وليس تطويرها بشكل جوهري يرفضون ذلك، يقبلون تطويرها ويضعون شروطاً عدة تعرقل تطويرها فضلاً عن تغييرها، فكثير من الأمور لديهم هي فوق النقاش وهذه إشكالية كبيرة. في مرحلة ماضية كان الحوار بين أتباع مذهبين مستحيلاً والآن أصبح واقعاً، ألا يمكن أن نصل إلى مرحلة من التفاهم بين الليبراليين وبين الصحويين بأريحية تامة؟ - هذا موجود، أنا جلست مع كثير ممن يصنفون بالسلفيين المتشددين، نتحاور حواراً هادئاً جداً أحترم وجهة نظرهم، وهم يحترمون وجهة نظرنا، بل نتناول الغداء ونمازح بعضنا، قضايا عويصة جداً نناقشها على طاولة الحوار، نختلف اختلافاً حاداً جداً حول الموضوع، وليس في الأشخاص والسلوكيات أو أي إطار آخر، ولكن لا نتجاوز حدود الموضوع، كل طرف مقتنع بأهمية هذا الحوار، لكن مجتمعنا لم يعتد عليها، وما زالت كل الأطراف تعاني من النوازع القديمة، ومحاولة اعتبار الطرف الآخر خصماً ويفترض ألا يخطر ذلك على بالنا، كلنا أبناء وطن واحد ونشارك في تنميته. اصوات نشاز ولكن ألا ترى أننا نستمع إلى أصوات ظهرت أخيراً تكفر وتفسق وتصدر الأحكام بشكل مكثف، كما أن هناك حرباً خفية بين الطرفين على ساحات الإنترنت تحاول إبعاد المسافة بينهما ؟ - ذكرت تحسناً في العلاقة، وليس أنها جيدة، وعموماً هناك تقدم وتأخر في العلاقة. فكلما شعر الليبرالي بالسماح له بممارسة حقه في التعبير، رفع سقف تعبيره، وارتطم بأسقف وهمية، أو حقيقية، خصوصاً من المتشددين، فتستمر العلاقة بين شد وجذب، وستستمر لمدة طويلة، لكن المهم أنها تحت السيطرة الحوارية، وأن التناحر نسبته أقل قياساً بالتحاور، هنا تصبح العلاقة صحية، هي ليس ودية وليست صافية ولكنها غير عنيفة، وهذا هو المهم. أما معظم ما يحصل في الإنترنت من صراع فهو في تقديري يمثل الجانب المظلم لكلا الطرفين، فالأسماء رمزية ولا أحد يتحمل مسؤولية ما يكتب إلا في ما ندر، والصراع الحاصل عموماً ليس فقط بين الطرفين اللذين أشرت إليهما بل هناك تناحرات داخل كل طرف، وأطراف أخرى وفئات اجتماعية وثقافية وعشائرية وشخصية... الخ، إنها بؤر تنفيس عشوائية واعتباطية كنتيجة غير صحية للاستبداد والقمع الذي كنا ولا نزال نعاني منه . الكُتّاب منكم في صحفنا دائماً ما يكونون بعيداً عن الشأن العام وحديث الناس، فمثلاً غلاء الأسعار لم تتحدثوا عن هذه المشكلة ولم تضعوا حلولاً لها؟ - ما هية قضية الليبرالي؟ قضيته الأساسية هي القضية الفكرية، ولكن القضايا التي تطرقت لها يتطرق لها الجميع بمن فيهم الليبرالي، لكن عندما يظهر ويكتب عن هذه المواضيع لا يظهر هل هو صحوي أو ليبرالي، فمثلاً لو تحدث عن غلاء الأسعار لا يظهر أي نفس أيديولوجي، لان القضية هي قضية تقنية واقتصادية بحتة في إطارها، لا يتضح صوت احد منهم، فهل لليبرالي أو الإسلامي أجندة معينة في غلاء الأسعار؟. هناك أطروحات اقتصادية إدارية يتناولها الجميع، فلا توجد ميزة أو فروقات بين الأطراف الأخرى في هذا المجال، توجد اختلافات بين الأفراد وليس بين الأطياف والمجموعات، ومن ناحية أخرى هناك الكثير من الكتاب يعتبرون ليبراليين ويتطرقون لهذه المجالات، مثل عبدالله بن بخيت، وكثير من الكتاب الليبراليين من هواجسهم الأساسية قضية حقوق الإنسان، وهو هم يومي يشغل بال الجميع، وسلامة سير العمليات العدلية والقضائية، وقضايا الشرطة والمرور، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل هذه القضايا يعالجها الكاتب بفكره الليبرالي. أيضاً موقفكم من الرسوم المسيئة للنبي الكريم لم يكن ظاهراً أو مشجعاً هل هذه القضية لا تهمكم؟ وهل تقفون من المقاطعة موقفاً سلبياً؟ - الليبراليون يختلفون في موقفهم وكذلك الإسلاميون، هناك من يعتبر أن رسامي هذه"الكاريكاتوريات أناس جهلة"، ولا يستحقون أن يلتفت إليهم، وإذا كانت القاعدة تقول"ليس بعد الكفر من ذنب"فهذا يتكلم من مجتمعه البعيد، ويرسم"كاريكاتوراً"سخيفاً وتافهاً، فلماذا نرفع من اسمه وننزل الى مستواه وكان من الممكن أن لا يشتهر من دوننا ولا يُعْرَف حتى، هذه نقطة. الليبرالي يرى أن من حق من يريد أن يقاطع، لأن المقاطعة أسلوب سلمي، مثل ما لديهم منع للتعبير عن وجهة نظر ما تجاه"الهولوكست"، أو"اللاسامية"، أو"العنصرية"، تمنع أن تعبر عن وجهة نظرك نتيجة وجود"لوبيات"قوية هناك، يمكن أن توجد"لوبيات"إسلامية قوية وهي بالفعل تتحرك، لكن النقطة الأساسية أن لا يتم التصعيد الى العنف ولا نتحول الى التهديد بالقتل، هذا خارج حتى عن نطاق المفهوم الإسلامي. حقوق الإنسان كناشط في حقوق الإنسان ما تقويمك لمبدأ حقوق الإنسان لدينا على المستويين الرسمي والشعبي؟ - لو سألت الإنسان هذا السؤال لقال لك انه يحترم حقوق الإنسان، الإشكال هو مفهوم هذه الحقوق، هناك فهم خاطئ لهذا المبدأ في مجتمعنا والمجتمعات العربية عموماً بأن تكون الحقوق مشروطة، وفي الحقيقة ينبغي ألا تكون مشروطة، هذا الخلل يوجد حتى لدى بعض الحقوقيين، أحياناً نستمع الى تصريحات من مسؤولين في جمعية حقوق الإنسان المستقلة في حقيقتها هي ضد حقوق الإنسان، فعندما يأتي أحدهم ويقول نحن لا ندافع عن من يخرج عن العادات والتقاليد، أو أصحاب الأفكار الغريبة، أو بعض المذنبين، هذا الكلام غير صحيح. والحقوق للجميع، البريء والمذنب، المذنب الذي يصدر عليه حكم بعقوبة، فله كامل الحق في المطالبة بكل حقوقه باستثناء هذه العقوبة، فلا يسلب منه أي حق آخر، هذا المفهوم ليس موجوداً لدينا فلا يزال المفهوم بأن الحقوق مشروطة، وهو ليس في الإجراءات القضائية، حتى في المدرسة والمنزل والعمل، عندما يكذب طالب أو يغش هناك عقوبة له، فقط تطبق العقوبة ولا ينبغي أن يصادر منه أي حق آخر، وكذلك الموظف أو الفرد في العائلة، هذا المفهوم أساسي للحقوق يغيب عن بال كثير من مجتمعاتنا العربية، والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان تؤكد هذا المفهوم بأن الحقوق ليست مشروطة. هناك أيضاً تغييب لسؤال مهم وهو ما هي الحقوق؟ على سبيل المثال عندنا في نظام الإجراءات الجزائية الكثير من الحقوق الواضحة، التي لا يعرفها كثير من القضاة ولا يمارسونها، ولا ضباط الشرطة، ولا المحققين، فمثلاً نحن نفتقد علنية المحاكمة التي تتم بالسر، وهي حق للمتهم، ولا يحق للقاضي أن يلغيه إلا في حالات خاصة جداً واستثنائية جداً، تمس أمن الدولة وهي محددة، فهناك حقوق عدة لا تمارس، نتيجة الجهل بهذه الحقوق، فهو إشكال في المفهوم وفي حقوق لا تعلم أنها لك. على رغم ذلك ألا ترى أننا أحرزنا تقدماً في هذا المجال الذي كان إقراره مثار جدل في الماضي؟ - طبعاً نحن في مرحلة تقدم بشكل كبير، وهو من أكثر المجالات تقدماً في الأعوام الخمسة الأخيرة، لو تابعنا ما يحدث من أنظمة في وزارة العدل، كنظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعة، والمحاماة، والنظام الإصلاحي للقضاء وهو أحد مشاريع الملك عبدالله، هذه كلها قفزات مقارنة بالإصلاح في مجالات أخرى، ومع ذلك نحن ما زلنا في البدايات، مازلنا نحتاج إلى الكثير من الأنظمة، ونتوقع أن يسترسل السياق فالعجلة بدأت وانطلقت، من المتوقع أن يصدر نظام بشأن تقنين الشريعة، البعض يسميها تدويناً خوفاً من كلمة قانون وارتباطها بالفكر الحداثي والقانون الوضعي، على مفهوم أساسي في الحقوق بان لا عقوبة من دون نص قانوني، فالقاضي لا يعاقب وفقاً لاجتهاده بل بالنص القانوني. ادبنا والفضائح انتقدت أخيراً جيل الشبان من الكتاب ممن اتجهوا لإنتاج الرواية والقصة بغزارة... ماذا تعيب عليهم؟ - هناك أديبات وأدباء منذ زمن يكتبون القصة والرواية من خلال هاجسهم الأدبي والإبداعي... لهم نتاجهم الجيد أو الرديء بالشكل المعتاد، لكن ظهر في الآونة الأخيرة كتاب قصة ورواية - ودعني أضع تحت الرواية خطين - هم ليسوا كتاب راوية، بل ليسوا كتاباً أصلاً، فيهم السياسي والصحافي والحقوقي والإصلاحي، هؤلاء لا يوجد لديهم هاجس أدبي أو ألق فني، ولا اهتمام باللغة، والعملية الفنية بشكل عام ليست موجودة لديهم، كتبوا الرواية على طريقة الحكاية الشفهية الساذجة، أحداث متتالية، وإخبار. الرواية ليست كذلك، بل تهتم بما وراء الحدث، وليس الحدث، قد تضع أحداثاً وحبكة، وقد تكون الحبكة واقعية ولكن الأحداث تحاول أن تتمثل خفايا الشخصيات، وهو ما لا يفهمه كثير ممن ظهروا في الأعوام الخمسة الأخيرة، فهم يعتقدون أن القضية"سوالف"وحدث فقط، هي ليست"آكشن"أو حركة هم لم يفهموا ما هي الرواية أصلاً، هي الحالة الاجتماعية والنفسية، والبحث عن تناقضات الذات، والمجتمع والطبيعة، وإظهارها عبر أحداث، المهم الدخول في اللاوعي، والحلم، إعطاء رؤية للأحداث وليس منظراً فقط، هؤلاء لم يفهموا أصول ومعايير الرواية، بل فهموها على أنها أحداث. لكَّن روائياً مثل غازي القصيبي قال عندما سئل عن تعريفه للرواية بأنها مجرد حكاية ببساطة، ولا داعي للتعقيدات والتعريفات الطويلة؟ - هذا تعريف غازي للرواية، ولكنها ليست حكاية إطلاقاً، كل شيء له أصول، فمثلاً عندما أذهب أنا ل"السيرك"وأرى مهرجاً يهرج هذا فن ممتع، ولكن هذا المهرج عندما يأتيني إلى المسرح يتحول الأمر إلى مهزلة ومسخرة، فلكل عمل سياق، عندما أكتب مقالة علمية وأضع فيها نصوصاً أدبية هذا شيء غير مقبول، والعكس صحيح. تاريخ الرواية عندما ظهرت في القرن الثامن عشر كانت مستندة على الأعمال السردية كالحكاية والأسطورة، والخرافة، والملحمة، لكنها ليست كذلك، فأعظم الروايات الكلاسيكية في القرن التاسع عشر، اعتمدت على أحداث، ولكن أحداثها كانت ترمز إلى خبايا الشخصيات، وتناقضاتها، كانت عملاً هائلاً جداً ومجهوداً، في القرن العشرين مع تطور علم النفس وعلم الاجتماع النفسي تطورت الرواية وأصبحت تدخل في العبث، وفي اللاوعي، والحلم، والرؤية ، وأصبحت تعطينا رؤى جديدة ومواقف وحالات مخالفة، وليست حكاية هذا ناحية. الناحية الأخرى أن هناك من يبسط العمل الروائي، من يعمل في الرواية يجب أن يكون حسن الاطلاع على المسائل الفكرية والفلسفية، والتاريخ والتربية وعلم النفس، وعلم النفس الاجتماعي، فعبدالرحمن منيف مثلاً قال في احد اللقاءات إن روايته"مدن الملح"استغرقت منه خمسة أعوام من البحث في المعلومات، واطلع على الملفات السرية التي أفرج عنها في بريطانيا وفي أميركا وفي اسطنبول، ليس لكي يوثق كتابته، بل لتضيء له ما يريد أن يكتبه. في المحصلة الرواية ليست تقريراً صحافياً عاجلاً، ولا تقريراً موضوعياً أو علمياً، الرواية عمل فني هائل جداً يدخل فيه الفكر، وفن التصوير الفكري، وفن اللغة، وتعرية الشخصيات. أفهم من ذلك أن من لم يكن من أهل الاختصاص فهو ليس مؤهلاً لكتابة رواية، لكن البعض قد تكون لديه مواهب متعددة؟ - هذا حقهم، حقهم أن يكتبوا ما يشاءون وبالطريقة التي تناسبهم، لكن في المقابل حقنا أن ننتقد هذه الأعمال عندما تكون عشوائية، ليست المشكلة أن يكون صحافياً أو سياسياً، قد يكون كما قلت لديهم مواهب متعددة، وهذا رائع وجميل، أنا أتحدث عن العمل الروائي الذي نراه حالياً والمعتمد غالباً على الحكاية الفضائحية، فضائح في السلوكيات الدينية أو الاجتماعية. ولكنها تخدم أهدافكم كثيراً؟ - هذا ما أسميه الغاية الأيديولوجية التي تبرر الوسيلة الفنية، وهذا خطأ كبير، إذ لا يمكن أن أقبل بعمل ركيك، ولغة فجة، وفن هابط، من أجل خدمة قضايا تنويرية أو إصلاحية لا تخدم بل تضر أي فكر، ينبغي أن تكون بمستوى الغاية النبيلة نفسه.