تشهد الساحة السعودية حراكاً سياسياً وفكرياً واجتماعياً متسارعاً، خصوصاً مع ظهور ما بات يعرف ب"ظاهرة البيانات" التي قدمها عدد من الشخصيات الإسلامية والليبرالية، مطالبين بإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وتوسيع دائرة المشاركة في هذه الاصلاحات. الحراك يبدو متسارعاً هذه الأيام، نتيجة لعقد اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري اخيراً في مكةالمكرمة، وما خرج به من توصيات مهمة، كانت محل نظر واهتمام القيادة السياسية في البلاد، وكذلك النخب والفاعليات السياسية والفكرية والعلمية المختلفة. العرائض المطلبية، واللقاء الوطني للحوار الفكري الأخير، والشخصيات المشاركة فيه في مختلف ألوان طيفها الفكري والمذهبي والطائفي: سنة، وشيعة، ومتصوفة، وإسماعيلية... رجال دين سلفيون ومعتدلون، وأكاديميون، ومثقفون: إسلاميون، وليبراليون، ووسطيون. كل هذا التنوع يفتح السؤال على طبيعة هذه التكوينات وما تحمله من رؤى وأفكار وبرامج عمل، ونوعية العلاقة التي تربطها ببعضها البعض، ومدى الانسجام أو التنافر في ما بينها، وهل هنالك برنامج مشترك يتفق عليه الجميع، أو على الأقل أجندة عمل مرحلية تهدف للتنسيق بين هذه التيارات، أم أن لكل تيار أجندته الخاصة، وأفكاره الذاتية، التي لا يتقاطع فيها مع سواه من التشكيلات الأخرى. المتابع لهذا الحراك يلحظ نقاط التقاء وتقاطع، وكذلك مشاريع مشتركة اتفقت عليها نخب وفاعليات اجتماعية وسياسية من تيارات مختلفة، خصوصاً من التيارين الإسلامي والليبرالي، في محاولة منها لتضييق هوة الخلاف، وإيجاد صيغة مشتركة للعمل المرحلي في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد. المحطة الأولى أولى محطات العمل المشترك بين التيارين الليبرالي والإسلامي كانت وثيقة رؤية لحاضر الوطن ومستقبله، وقع عليها أكثر من مئة من الناشطين السياسيين والاجتماعيين والمثقفين، وقدمت في العام الماضي لولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، بتوقيع فاعلين من التيار الإسلامي أمثال: الدكتور عبد الله الحامد، والشيخ سليمان الرشودي، وشخصيات ليبرالية أمثال: علي الدميني، ومحمد سعيد طيب، والدكتور متروك الفالح، ورموز شيعية أمثال: جعفر الشايب، ونجيب الخنيزي، ومحمد محفوظ. هذا الالتقاء على وثيقة تحمل هماً وطنياً مشتركاً جعل وتيرة العمل المشترك تأخذ منحى أكثر تقارباً، يركز على نقاط الالتقاء، ويحاول قدر الإمكان أن يبتعد عن نقاط الاختلاف، ما جعل اللقاءات تتكثف بين التيارين، لمزيد من التنسيق والعمل المشترك. من مظاهر هذا التنسيق بين التيارين الليبرالي والإسلامي، عقد الندوات والمحاضرات المشتركة، إذ عقدت ندوات لرموز من الطرفين حضرها جمهور متنوع من المؤيدين لكلا التيارين. فعلى سبيل المثال، ألقى الدكتور توفيق القصير ناشط إسلامي، ذو توجه إخواني معتدل محاضرة في منتدى الثلثاء الثقافي في القطيف - المنطقة الشرقية، حضرها عدد كبير من المهتمين من تيارات مختلفة، والأمر نفسه فعله الدكتور عبد الله الحامدإسلامي معتدل، عندما قدم ورقة في المنتدى نفسه عن "المجتمع الأهلي المدني". كما عقدت لقاءات ثنائية بين شخصيات إسلامية وليبرالية، كلقاء محمد سعيد طيب ناشط حقوقي مع الشيخ سفر الحوالي سلفي متشدد، ولقاء جمع بين الشيخ سلمان العودة سلفي معتدل والدكتور عبد الله الغذامي إسلامي ليبرالي. من طرائف هذا الغزل والتقارب بين التيارين الليبرالي والإسلامي، أنه أم المصلين في صلاة الظهر، الشيخ سليمان الرشودي سلفي معتدل، وكان يصلي خلفه مجموعة من رجال الدين الشيعة، بتنوعاتهم المرجعية المختلفة، ويصلي خلفه ايضاً إسلاميون سنة، وليبراليون شيعة، ويساريون قدامى، ضمن توليفة غريبة لم تجتمع من قبل. لكن العلاقة بين التيارين، على رغم النماذج السابقة الدالة على إيجابياتها، تمر في حالات من المد والجزر. "الحياة"، محاولة منها لمقاربة هذين التيارين وطبيعة العلاقة بينهما وما يمتلكانه من نقاط التقاء وافتراق ومستقبل هذه العلاقة، استطلعت آراء بعض المثقفين والناشطين الحقوقيين عن طبيعة هذه العلاقة بشكل عام داخل المجتمع السعودي. يرى علي الدميني ناشط حقوقي سبب المد والجزر في العلاقة بين التيارين بانه التنوع الذي يعيشه كل تيار من التيارين، فكل منهما يحتوي على عدد من الأطياف المتنوعة، فالتيار الإسلامي ينضوي تحته إسلاميون معتدلون، وإسلاميون وسطيون، وسلفيون، وإسلامويون تكفيريون. والتيار الليبرالي هو الآخر يضم فسيفساء متعددة، من ناصريين قدامى، وقوميين، وبقايا يسار، ووطنيين، وليبراليين... مشيراً إلى أن ما يجمع هؤلاء هو حب الوطن ومصلحته العامة، سعياً إلى بناء الدولة الحديثة، دولة المؤسسات القائمة على المشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على المال العام، وحل الاختناقات السياسية والاجتماعية. هذه الأجندة على رغم سعتها، لم تستطع أن تجذب أطيافاً من التيار الإسلامي هم من يحلو لليبراليون تسميتهم ب"الإسلامويين" للتفريق بينهم وبين المعتدلين من التيار الإسلامي، فعلى رغم كون توسيع رقعة المشاركة السياسية والبدء في الإصلاحات الشاملة تعتبر مطالب أساسية للتيار الإسلاموي السلفي المتشدد إلا أنه لا يريد أن يتحالف مع الليبراليين من أجل تحقيق هذه الأهداف المشتركة، لما يحمله من انتقادات لاذعة لهم، ولما يحمله من نظرة سلبية تجاههم. بدوره يرى التيار الليبرالي أن التحالف مع التيارات الأصولية والمغالية في قراءتها للتراث الإسلامي أمر مستحيل مرحلياً، بسب الفكر المغالي لهذه التيارات، كما يقول الدميني، فضلاً عن استحالة التحالف مع التيار التكفيري المؤيد لأسامة بن لادن، مبيناً أن الالتقاء تم مع التيار الإسلامي المستنير الذي يعمل من أجل ترسيم بنيان الدولة الإسلامية وليس الدولة الدينية، أي الدولة التي تحتفظ بالمرجعية الإسلامية السمحة والمنفتحة في التشريع، مع الأخذ بآليات الدولة المدنية الحديثة. تاريخياً، لو تتبعنا طبيعة العلاقة بين التيارين الإسلامي والليبرالي، سنجد أنها، وبحسب جعفر الشايب ناشط في مجال حقوق الإنسان: "متوترة جداً ولم تتقاطع في ما بينها إلا تكتيكياً وفي مراحل زمنية قصيرة جداً. فمنذ قيام الدولة السعودية التي تستند أساساً الى نظام ديني محافظ، كان هنالك استبعاد واضح للاتجاهات الليبرالية من التأثير في الساحة الاجتماعية وقد دفعها ذلك إلى انتهاج العمل السياسي كمدخل لإثبات وجودها على الساحة". وهذه العلاقة يصفها الكاتب الإسلامي محمد محفوظ، بعلاقة "الخواف المتبادل"، فيرى أنها: "علاقة حذرة وبعيدة في كثير من جوانبها عن مقتضيات الفهم المتبادل والتفاهم، لذلك يغلب عليها نمط من العلاقة يمكن وصفه بالخواف المتبادل". هذه العلاقة السلبية تاريخياً، لم تتكون من فراغ، بل كانت وليدة أسباب موضوعية وتاريخية ف"الخطابان الفكريان الليبرالي والديني كانا دائماً على طرفي نقيض، وتبادل الاتهامات كان الاتجاه السائد بينهما. فالليبراليون يرون ان الاتجاه الديني المحافظ هو الذي كرس التخلف والرجعية، والدينيون يرون أن الليبراليين والحداثيين يدفعون باتجاه التحلل من الدين وقيمه والانخراط في ركب الحضارة الغربية من دون قيود. لذا مرت العلاقة بين التيارين بأزمات خانقة، وخصوصاً عندما يتمتع أحدهما بموقعية سياسية معينة، فالاتجاه الديني صب جام غضبه على التيار الليبرالي متهماً رموزه بالعلمانية والمروق طوال الثمانينات والتسعينات من القرن الفائت الميلادي، وهكذا فعل الليبراليون أيام فاعليتهم السياسية والاجتماعية في الخمسينات والستينات من القرن الفائت الميلادي. وعزز من هذه الاختناقات ما يتمتع به التيار الديني من موقعية متميزة على الصعيد الجماهيري، تغنيه عن الحاجة الى التعاون والتلاقي مع الليبراليين، وخصوصاً أن سمة التدين هي الغالبة على أفراد المجتمع السعودي"، بحسب جعفر الشايب. هذا التراشق بين التيارين "شحذته الأيديولوجيا وأشعله الصراع والتخندق المتبادل، وتلاعب بعض الأطراف بخيوط اللعبة، لذا كان له دور كبير في تأخير مسيرة الإصلاح والنقد داخل كل طرف من الأطراف"، كما يرى الباحث الإسلامي عبد الله بجاد العتيبي، وهو رأي يؤيده الباحث محمد محفوظ، حيث يقول: "هذا النمط من العلاقة وليد عوامل وظروف ذاتية مرتبطة ببعض محطات الصراع والتنافس بين التيارين، وظروف موضوعية ترتبط بطبيعة الخيارات الفكرية والاجتماعية لكلا التيارين، وطبيعة الحياة السياسية والثقافية السائدة في المملكة". من هنا يرى الشايب أن "المبادرات بين التيارين ظلت محدودة، ولم تتعمق لتتحول إلى مشاريع عمل مشتركة، تعزز التواصل والتقارب بين التيارين، بل بقيت خطابات عامة غير ذات فاعلية". مضيفاً: "أنه أمام التطور السياسي الذي برز في البلاد أخيراً، اتضح أن الطرفين أقرّا بضرورة المصالحة الوطنية وتجاوز المماحكات، والاتفاق على حد أدنى من التعاون بينهما، على الأقل في بعض المواقف السياسية تجاه القضايا الكبرى في الوطن، من هنا انطلقت بعض المبادرات الوطنية المشتركة كبيان "الرؤية" وغيره من البيانات والمواقف السياسية المشتركة، والتي ظلت محدودة ولا ترقى لمستوى المرحلة، كما أشرت سلفاً". تجاوز هذا الفتور وتعزيز التعاون الذي بدأ ضئيلاً بين التيارين الليبرالي والإسلامي لن يتما إلا بتجاوز الحرس القديم لدى الطرفين، ف"من استغرقتهم النظرية من الجانبين فنذروا أنفسهم لها رسالياً، حتى أصبحت همهم الأول والأخير، هؤلاء لا يمكن أن يلتقوا، لأنهم يسعون خلف سراب لا يمكن له أن يتحقق على أرض الواقع"، بحسب الباحث عبد الله بجاد العتيبي. من هنا كان لا بد من البحث عن جوامع مشتركة، لتشكل بؤرة التقاء، ولو مرحلي، يهدف الى لنزع فتيل التوتر، وكسر حاجز الجمود في العلاقة، لينعكس ذلك إيجاباً في المجتمع. الدميني، يرى أن "الانطلاق من مفهوم احترام الاختلاف والجوامع المشتركة والتي هي واسعة الى درجة الالتقاء على الكثير منها، من شأن ذلك أن يعزز العلاقة بين التيارين"، مضيفاً أنه "يمكن البناء على نقاط عدة مشتركة تتمثل في: الدستور، والعمل على ضمان حرية التعبير والكتابة والنشر، وأحقية التعبير السلمي بالاعتصامات والتظاهر، وتفعيل المشاركة الشعبية، وحلحلة الأزمات والاختناقات الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على بناء دولة المؤسسات والقانون الدولة الحديثة. كل تلك نقاط اشتراك يمكن الالتقاء عندها وتفعيلها، كما حدث في وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله". اما الكاتب الإسلامي محمد محفوظ فيرى "أن الخروج في مستوى العلاقة بين التيارين، من الحذر والخوف المتبادلين، إلى مستوى الفهم والتفاهم والتلاقي على أسس فكرية ووطنية جديدة، يقتضي التأكيد على التالي: أولاً، الاعتراف الكامل بقيم التعددية والحوار والتواصل والاختلاف. ذلك لأن العديد من العناصر السلبية التي تسود هذه العلاقة، هي من جراء متواليات رفض التعددية الفكرية والسياسية ومقتضياتهما، وسيادة العقلية الآحادية التي لا ترى إلا ذاتها وتلغي ما عداها. ثانياً، الانخراط في مشروع الإصلاح الوطني، ما سيجعلنا جميعاً نكتشف حقيقة سياسية واجتماعية مهمة هي: أن طبيعة البرامج الوطنية المقترحة، وخطوات العمل المنشودة متقاربة، إن لم تكن متطابقة. لذا فمن المهم أن تتوجه الجهود إلى صياغة البرامج والمقترحات التي تؤهلنا جميعاً إلى الاستجابة النوعية والإيجابية للتحديات التي تواجه وطننا في هذه اللحظة التاريخية والحساسة. ثالثاً، القيام بمبادرات وطنية جامعة، تعتني بالجوامع المشتركة بين التيارين الليبرالي والإسلامي في المملكة. ومن أهم القضايا التي تتطلب مبادرة مشتركة في هذا الإطار، العمل المشترك على صيانة حقوق الإنسان في المملكة". وهو عين ما يذهب إليه الشايب من حل للأزمة، حيث يضيف: "إن القيام ببلورة حدٍ أدنى من صيغ التفاهم، والتعاون، والاتفاق على احترام التعبير عن الرأي والوقوف أمام أي تعد على ذلك، من شأنه أن يخلق أرضية مناسبة لحوار جاد وحقيقي بين التيارين، يؤهلهما للقيام بعمل مشترك ومنسق من دون خلافات جذرية تعرقل مسيرة الإصلاح السياسي والاجتماعي". وذهب عبدالله بجاد العتيبي وهو أحد المشاركين في اللقاء الوطني للحوار الفكري، الى ما اشار إليه المحفوظ، والدميني، والشايب، وهو يؤكد أن "ما نحتاجه اليوم هو أفكار تؤصل الى هذا التقارب على المستوى الفكري والعقائدي لتضمن له الاستمرار، فلا يصبح حدثاً عابراً لا يلبث ان يزول مع تغير المعطيات السياسية والاجتماعية"، مضيفاً: "نحسن أكثر ان استطعنا بشكل أو بآخر أن نوجد آليات لتحكم مساحة الاتفاق وآليات التعاون ومساحة الاختلاف وآليات الحوار بين التيارين، عندئذٍ نكون قد نجحنا حقاً، ويصبح من حقنا أن نأمل بمستقبل أفضل لبلادنا". ما دار في الأروقة ومثلما كانت هنالك خلافات بين التيارين الليبرالي والإسلامي خارج اللقاء الوطني للحوار الفكري الثاني الذي عقد اخيراً في مكةالمكرمة، كذلك كانت هنالك العديد من نقاط التجاذب والاختلاف بين التيارين داخل أروقة الحوار، وبين المتحاورين، وإن كانت هنالك نقاط اتفاق عدة، تمثلت في التوصيات التي خرج بها اللقاء. فهذا اللقاء جاء ليرسخ التأسيس لمواجهة مشكلات الواقع، وللحديث عن الوطن، كوطن يؤمن بالتعددية والاختلاف المذهبي والفكري في آن، وهذه المفردات مجتمعة هي آليات تسعى الى تقريب وجهات النظر، التي تشي أن ثمة اختلافات حادة تسري بين المفكرين والعلماء، تعيق تواصل المجتمع. فإلى أي مدى وبأي مستوى من الوضوح تناقش المؤتمرون؟ وكيف كانت العلاقة بين التيارين الإسلامي والليبرالي داخل أروقة المؤتمر؟ ما هي نقاط الاتفاق وما هي نقاط الاختلاف؟ اجاب على هذه الأسئلة مشاركون في اللقاء ومنهم محمد سعيد طيب قانوني وكاتب، الذي يرى نقاط اتفاق بين التيار الليبرالي والديني الوسطي المعتدل، وكذلك الشيعة، والإسماعيلية، ومن يعرفون بصوفية الحجاز، "فهؤلاء تجمعهم نقاط اتفاق متعددة، بينما يقف التيار الديني المحافظ منفرداً وفي حال دفاع عن كثير من القضايا المثارة، والتي هي محل اختلاف"، ويؤكد الطيب أن هذا التيار يقف متصلباً حيال بعض القضايا، ومن أهمها مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية، وإدخالها كعنصر فاعل ومشارك، خصوصاً بعد أن عبر أحدهم عن موقفه المتصلب من المرأة بصورة مستفزة. ويرى الطيب "أن ذلك الهجوم على وجود المرأة - وإن كان البعض اعتبره حدثاً هامشياً - يمثل حجر الزاوية بالنسبة الى التيار المحافظ الديني، ويظهر جزءاً من الاختلاف حول حركية المجتمع". وهذا الموقف، بحسب الطيب، "جعل التيار المحافظ يظهر الفارق الرئيس بينه وبين بقية المجتمعين، الذين يسعون إلى خلق لحمة واحدة بين أطراف المجتمع بكل عناصره". الطيب، وفي معرض حديثه عن التيار الإسلامي المحافظ، يقول: "أزعم أنني أعمل في الشأن العام منذ خمسين عاماً، إلا أنني لم أرَ التيار المحافظ يقترب خطوة كما حدث في الحوار الوطني. فقد كان يتصف بالشدة ورفض الرأي الآخر مهما كان متودداً، وحين فتح باب الحوار وقف موقفاً مدافعاً عن النفس، أكثر مما هو محاجج. وفي زحزحته عن رأيه المتصلب فرصة للحوار حول كثير من القضايا التي لا يمكن ان تمس لولا فتح أبواب الحوار، ومثال على ذلك قضية تغيير المناهج الدراسية، والتي هي ليست بالكتب المقدسة، حيث فيها الغث والسمين، وفي إعادة ترتيبها خدمة للمجتمع". اما قينان الغامدي رئيس تحرير سابق، فله رأي بأن المتحاورين من التيارين الإسلامي والليبرالي، "اجتمعوا على ضرورة الإصلاح، وإن اختلفت الرؤى حول كيفية تنفيذ هذا الإصلاح. إلا أنها مهمة جادة وملحة، تحتاج إلى خطوات سريعة وجذرية"، كما رأى "أن المتحاورين من التيارين، اتفقوا على أهمية الوحدة الوطنية، وأهمية التجاذب نحو الوسطية، ونبذ التطرف والميل إلى الاعتدال". ويذهب الغامدي إلى أن نقاط الاختلاف بين الإسلاميين والليبراليين، هي نقاط تقترب وتبتعد وفق التوجه. فما يراه البعض غلواً - على سبيل المثال - يراه البعض الآخر اعتدالاً، وفي مثل هذه المواقع ينشأ الحوار والاتفاق على تحديد الأطر التي يجب على المتحاورين تحديدها والانطلاق منها. واعتبر الغامدي، مثل محمد سعيد الطيب، قضية المرأة من قضايا الاختلاف الجوهرية بين الإسلاميين والليبراليين، إضافة الى ظهور موضوع الإصلاح السياسي كنقطة خلاف حول الاختيار الحر القائم على الانتخاب، والاختيار والتعيين. واعتبر مشاري الذايدي الكاتب والباحث الإسلامي وأحد المشاركين في الحوار الوطني، "أن موضوع المناهج وتعديلها، وحد بين الليبراليين والشيعة والصوفيين، فيما وقف التيار السلفي رافضاً تغييرها، كونهم يرون في هذا التغيير خضوعاً للأميركيين، هذا إن لم يكن رفضهم قاطعاً لهذه المسألة. وفي هذا الشأن، لديهم حساسية من المفردات، حيث رفض التيار السلفي مفردة تغيير، وقبل بمفردة تعديل المناهج". وعلى رغم الاختلاف بين الليبراليين والإسلاميين في المؤتمر حول موضوع المناهج، إلا أن الذايدي يرى "أن هنالك نقاطاً مشتركة جمعت بين المتحاورين، تتمثل في التعددية، وعلاج الطائفية، ومحاربة العنف، والمحاسبة على المال العام، واعتماد الشفافية". ولكن، وبحسب الذايدي، "تظل المرأة نقطة خلاف جوهرية بين المتحاورين". اما الدكتور محمد عبده يماني كاتب وباحث ووزير سابق، فيرى أن "أهمية الحوار في هذا الحقل تكمن في أن يجلس المختلفون لمناقشة ما يختلفون فيه من آراء للوصول إلى رؤية مشتركة، كوننا ننطلق من دين واحد يدعو إلى نبذ التفرق. مشيراً إلى أن هنالك أموراً تحتاج إلى المراجعة والتحليل". ويعتبر د. يماني، "أن أولى الخطوات المنتظرة لإحداث تغيير هي ما يتعلق بالمناهج، وإصلاحها، من أجل تأسيس بنى ثقافية ترسخ الحوار كقيمة أساسية بين الشباب في المجتمع، مزيلة بذلك التطرف والتعصب للرأي، تحقيقاً للوسطية التي أرادها الإسلام".