سألت رجلاً كبيراً في السن عن تعريف الإشاعة فأجابني بابتسامته الجبلية"أنا اكذب على زوجتي وزوجتي تكذب على الجيران"، فتساءلت: كيف يا عم؟ فأجاب: نسمع أحيانا أن في الحارة شيئاً ما أو في احد البيوت حدث ما، فلا نستطيع معرفة الحقيقة فنبث إشاعة مع الزوجة لإثارة الموضوع ووصول التفاصيل الحقيقية إلينا. بادرته: وكيف تضمن أن تقوم زوجتك بالمهمة من دون تحقيق نسائي فضولي؟ فأجاب بسرعة: فقط اخبرها أن هذا الكلام سر لا يعرفه احد في الحارة، فلا تستطيع إكمال الجلوس معي لأنها تود فقط أن تسر به إلى المقربات جداً والثقات جداً من جاراتها، وهذا يعني في قاموسها كل سيدات الحي. الإشاعات أنواع كثيرة، فيها المؤذي للأمة والدولة والوطن، والطريف والمحزن، لكن السؤال الذي شاع في"نافوخي"هو: متى يا ترى كانت أول مرة في حياتي سمعت إشاعة، وأول مرة أطلقت واحدة أو تآمرت على إطلاق أخرى؟ إن الله حليم ستار، لذا سيكون علي الستر عليكم وعلى نفسي. الإشاعة في المصطلح العربي لا اعرف تعريفاً لها غير أنها الكذبة التي يحرص صاحبها على إيصالها ونشرها بين الناس، وعند كبار السن الإشاعة هي عمل صورة بأشعة"إكس"للجسم في"الصحية"، ثم تطور المصطلح فأصبحت في عالم الرياضة تعني خبراً صحافياً ، وعالم الأسهم تعني كسر عظام الناس وطحنها ثم عجنها وخبزها ووضعها على مائدة الهوامير"اللئام منهم فقط"، وفي أقسام الموظفين في الشركات الإشاعة يعني الضغط على الإدارة العليا لزيادة الرواتب، أما في بيتك العامر فالإشاعة هي أن تقول أخت زوجتك لزوجتك إنك تنوي الزواج عليها، فتريك زوجتك الفرق بين الإشعاع الفكري والإشعاع الحراري المتأتي من حزمة ضوئية مركزة تنطلق من"بوزها"الممدود كالأفق أمامك. الفضول لم يقتل القطة وحدها، بل قتل حساً إنسانياً جميلاً يتمثل في ترك الناس في حالها، فالناس تحب معرفة أخبار الناس الخاصة، والعامة تود معرفة تفاصيل حياة الخاصة وتبنى الإشاعات حتى تصبح شبه حقائق. أسوأ ما في الإشاعات مقولة نفسية عن أن العوام ينفسون عن أنفسهم ومن غيرتهم من الناجحين والبارزين بإطلاق إشاعات عليهم تسيء إلى أخلاقهم أو ذممهم فيحسون بارتياح وهمي، كون هؤلاء الأفضل منهم لديهم عيوب هي ليست موجودة إلا في مخيلتهم. بعض وسائل الإعلام تعتمد كل أخبارها عن المملكة على الإشاعات، لدرجة أنهم موّلوا باحثاً انثروبولوجياً ليثبت أن الإشاعة في الجنس البشري العربي أصلاً موجودة في جيناته، ثم تطور الأمر معهم وأصبح لديهم بجوار مكتب مدير الأخبار مكتب لمساعد مدير الأخبار لشؤون إطلاق الإشاعات على السعودية. وهناك الإشاعة التي تلبس ثوب البراءة، فكل عام يتحدث المعلمون في المدارس أمام طلبتهم عن إشاعة تمديد الإجازات أو حصولها، فينقل الصغار الخبر إلى أمهاتهم، ثم تجده في الغد منفياً على لسان مسؤول الوزارة في دورة أسرع من وصول المرور إلى حادثة سيارة، وهناك إشاعات عالم الفن والفنانين، وهذه حال لا استطيع التعليق عليها، كون الكثير من الفنانات يطلقون الإشاعات عني بغية إحراجي أمام أم البنين وبالتالي يصبح تعليقي غير محايد. بالطبع تنتظرون الحديث عن الإشاعات السياسية، ولا استطيع فعل ذلك لأنها من السرعة والفعالية بحيث لا يمكنك التعليق على إحداها لأنها أصبحت قديمة بالفعل، فالتالية لم تمهلها شيئاً، والدليل الحرب الإيرانية الأميركية التي بدأنا"نتهاوش"على تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية على المنطقة، بينما الطرفان"المتناقران"تحاربا بالإشاعات فقط. وقبل أن أخوض أكثر أؤثر سلامتي الشخصية، وأقول مستعيناً بالله أي إشاعات التي تتحدثون عنها، فلقد سمعت إشاعة تقول انه لا يوجد إشاعات أصلاً في العالم العربي. [email protected]